مقالات

جامو 1947: التطهير المُدبَّر وراء غزو الهند لكشمير

بقلم مشتاق حسين

تظل  مذبحة جامو في نوفمبر/تشرين الثاني 1947 من أكثر الفصول ظلامًا في تاريخ تقسيم جنوب آسيا.

لم تكن انفجارًا طائفيًا عشوائيًا أو ردًّا على “غزو قبلي” كما تزعم نيودلهي، بل كانت حملة منظّمة ومُخططًا لها بعناية، هدفها تغيير التركيبة السكانية في جامو، وإضعاف النفوذ السياسي للمسلمين، وتهيئة المسرح للغزو العسكري الهندي لكشمير.

تشير الشهادات التاريخية والوثائق إلى أن ما يقارب 300 ألف مسلم قُتلوا بين أواخر أكتوبر وأوائل نوفمبر 1947 في جامو والمناطق المحيطة بها. جرى تنفيذ عمليات القتل على أيدي قوات دوجرا، وميليشيات هندوسية من منظمة آر إس إس، ووحدات من جيش ولاية باتيالا، تحت إشراف الدولة وبعلم القيادة الهندية والبريطانية.

تُظهر الوثائق أن الهند كانت تستعد لغزو كشمير قبل أسابيع من دخول أي قوات قبلية من باكستان. فقد بدأت تعبئة القوات وبناء الطرق والتنسيق مع نظام دوجرا في أوائل سبتمبر 1947.

وكما أوضح أليستير لامب وجوزيف كوربل، فإن هذه التحضيرات تُثبت أن التدخل الهندي لم يكن ردًّا دفاعيًا، بل نية مسبقة للغزو.

ويؤكد الدكتور إقبال قازيلباش أن المذبحة كانت “تطهيرًا منسقًا من قبل الدولة” يهدف إلى خلق إقليم هندوسي يمكن تقديمه كمنطقة مؤيدة للهند. أما كريستوفر سنيدن فيرى أن ما سمّته الهند “غزوًا قبليًا”

لم يكن إلا ثورة محلية من المسلمين المضطهدين ضد طغيان دوجرا، وليس عدوانًا خارجيًا.

في قلب هذا المخطط وقف مهراجا هاري سينغ، الحاكم الهندوسي لدولةٍ ذات أغلبية مسلمة. فقد نزع سلاح الجنود المسلمين، وسلّح الميليشيات الطائفية، واستقدم قوات باتيالا قبل دخول الجيش الهندي رسميًا إلى سريناغار.

تروي شهادات الناجين أن هذه القوات كانت تنتقل من قرية إلى أخرى، تقتل الرجال جماعيًا، وتحرق البيوت، وتختطف النساء، بينما كانت قوافل اللاجئين تتعرض لمذابح أثناء فرارها نحو سيالكوت.

كان الهدف واضحًا: القضاء على الوجود الإسلامي في جامو وتغيير طابعها الديموغرافي بالكامل. ومع ذلك، لم تتحرك القيادة الهندية لوقف المجازر. كان نهرو، وغاندي،

وباتيل على علم بما يحدث، لكنهم التزموا الصمت. ووفقًا للمؤرخ أليستير لامب، فإن “صمت دلهي كان مقصودًا مثل تبريرها اللاحق للتدخل العسكري”.

كما ساهم الشيخ عبد الله، الزعيم الكشميري البارز آنذاك، في دعم السرد الهندي حين أيّد الانضمام إلى الهند واعتبر دخول القوات الهندية عملاً دفاعيًا. وقد وفّر هذا الموقف الغطاء السياسي والأخلاقي الذي احتاجته نيودلهي لتبرير غزوها.

بحلول نهاية عام 1947، كانت مجتمعات جامو المسلمة قد دُمّرت تمامًا. وصلت القطارات إلى سيالكوت محمّلة بالجثث، واختفت مئات القرى من الوجود. ومن أصل نحو 700 ألف مسلم عاشوا في المقاطعة، لم يبقَ سوى القليل. أما بريطانيا، المنشغلة بتداعيات التقسيم، فقد غضّت الطرف عن الكارثة.

تصف المؤرخة فيكتوريا سكوفيلد مجازر جامو بأنها “المقدمة الدموية لضم الهند لكشمير”. لم تكن انحرافًا عن مسار التقسيم، بل خطة سياسية مدروسة لتزوير الواقع وإضفاء الشرعية على الاحتلال.

إن مذبحة جامو ليست مجرد مأساة إنسانية، بل جريمة سياسية استخدمتها الهند لإعادة رسم الحدود وطمس هوية الإقليم. وما زالت هذه الجريمة تمثل جرحًا مفتوحًا في التاريخ، إذ تظل الحقيقة ضحية الإنكار، وتبقى دماء نوفمبر 1947 شاهدة على التطهير المُدبَّر الذي غيّر مصير كشمير إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى