
محمد عبد الله
تواجه الهند ارتفاعًا مروعًا ومستمرًا في العنف الجنسي، ووفقًا لأحدث البيانات الصادرة عن المكتب الوطني لسجلات الجرائم في الهند،
تم الإبلاغ رسميًا عن أكثر من 31,500 حالة اغتصاب في عام 2022.
وهذا يعادل حالة اغتصاب واحدة كل 16 دقيقة، وهي إحصائية صادمة لا تعكس مجرد أرقام،
بل تعكس أيضًا الصدمة التي تعيشها آلاف النساء والفتيات والأفراد المهمشين في جميع أنحاء البلاد.
ومع ذلك، حتى هذه الأرقام القاتمة لا تمثل على الأرجح سوى جزء بسيط من الصورة الكاملة.
يحذّر الخبراء من أن عددًا لا يُحصى من الناجيات يلتزمن الصمت، مدفوعات بالخوف والوصمة الاجتماعية وانعدام الثقة المُطلق في نظام العدالة.
كما أن المحرمات الثقافية وضغط المجتمع وإلقاء اللوم على الضحايا تثني النساء عن الإبلاغ.
وتختبئ وراء هذه البيانات حقيقةٌ هائلةٌ غير مرئية:
مجتمعٌ يكافح لحماية أضعف فئاته، ويفشل في محاسبة الجناة.
قضية اغتصاب جماعي في نيودلهي
بعد أن هزت قضية الاغتصاب الجماعي في نيودلهي عام ٢٠١٢ ضمير البلاد، سنّت الهند إصلاحات قانونية جوهرية من خلال قانون (تعديل) القانون الجنائي لعام ٢٠١٣.
وسّع القانون تعريف الاغتصاب، وفرض عقوبات أشد، وهدف إلى تسريع المحاكمات.
ومع ذلك، وبعد أكثر من عقد من الزمان، لا تزال الفجوة بين القانون والعدالة واسعة. تتراوح معدلات الإدانة في قضايا الاغتصاب بين ٢٧٪ و٢٨٪،
وهي من بين أدنى المعدلات للجرائم الكبرى في الهند. وكثيرًا ما تواجه الناجيات تأخيرات إجرائية، وتعاملًا غير حساس من جانب الشرطة، وعقبات قضائية تجعل تحقيق العدالة ليس بطيئًا فحسب، بل بعيد المنال أيضًا.
يشتعل الغضب الشعبي مرارًا وتكرارًا. في عام ٢٠٢٣، أشعلت جريمة الاغتصاب الجماعي الوحشية التي تعرضت لها طبيبة شابة في كلكتا شرارة احتجاجات جماهيرية واسعة النطاق في جميع أنحاء البلاد.
ولكن على الرغم من هذه المظاهر القوية من التضامن، لا يزال التغيير النظامي الدائم بعيد المنال.
وزارة الخارجية الأمريكية تحذر من السفر إلى الهندي
مؤخرًا، أبقت وزارة الخارجية الأمريكية على تحذير السفر الهندي من المستوى الثاني، حاثةً الأمريكيين على «توخي المزيد من الحذر».
وأشار التحذير تحديدًا إلى الاعتداء الجنسي كواحد من أسرع الجرائم نموًا في الهند،
وحذّر من الإبلاغ عن جرائم عنف، لا سيما ضد النساء، في الوجهات السياحية ومراكز النقل والأسواق.
وأشار التحذير إلى أن النساء المسافرات معرضات للخطر بشكل خاص، وعليهن توخي الحذر.
العنف الجنسي أصبح مصدر قلق وطني
يضيف التحذير الأمريكي بُعدًا آخر إلى الواقع المريع في الهند. فمن الأماكن السياحية الشهيرة إلى الشوارع المحلية،
لم يعد خطر العنف الجنسي يقتصر على حوادث منعزلة، بل أصبح مصدر قلق وطني يؤثر على المواطنين والزوار على حد سواء.
وإلى جانب العنف القائم على النوع الاجتماعي، يسلّط التحذير الضوء على تزايد المخاطر في مناطق مثل جامو وكشمير بسبب الاضطرابات السياسية.
حالة اغتصاب كل 16 دقيقة في الهند
إن الحقيقة المقلقة المتمثلة في الإبلاغ عن حالة اغتصاب كل 16 دقيقة في الهند ليست مجرد دعوة للإصلاح، بل هي دعوة للمسؤولية الجماعية.
يجب على الهند تعزيز أنظمتها القانونية بشكل عاجل، والاستثمار في دعم الناجين، وتفكيك الأعراف الثقافية التي تمكّن من الإساءة والصمت.
في الوقت نفسه، يلعب الشركاء العالميون والهيئات الاستشارية الدولية دورًا حاسمًا في الدفع نحو المساءلة وتقديم إرشادات السلامة.
في نهاية المطاف، يسلّط تقارب بيانات الجريمة المتزايدة وتحذيرات السفر إلى الخارج الضوء على حقيقة عالمية:
العدالة والسلامة والكرامة أمورٌ لا تقبل المساومة، بل هي جوهرية.
يجب أن يكون التصدي للعنف القائم على النوع الاجتماعي أولويةً وطنيةً وعالميةً،
مدفوعةً ليس فقط بالقوانين والسياسات، بل بالتزامٍ أخلاقيٍّ راسخٍ بالتغيير.