إبراهيم نوار يكتب: هل تحسم القوة النووية الأزمة الحالية في كشمير؟
فجأة وبعد نزاعات وصدامات متقطعة على مدار الخمسين عاما الأخيرة، اشتعلت مشكلة كشمير إلى مستوى يهدد بنشوب حرب بين العملاقين النووين في جنوب آسيا. الهند، في 5 أغسطس 2019 أعلنت إجراءات تنهي الحكم الذاتي في إقليم كشمير الهندي، الذي تعتبره قرارات مجلس الأمن أرضا متنازعا عليها.
وسوف نحاول الإطلال على الأزمة الحالية من أربع نوافذ رئيسية، الأولى للإجابة على سؤال: لماذا الآن؟ والثانية هي نافذة الخيار الدبلوماسي، والثالثة هي نافذة الخيار النووي، أما الرابعة فتتعلق بما يمكن أن نسميه «الخيار الثالث» وهو الخيار الأشد تعقيدا والأكثر خطورة.
لماذا الآن؟
يتميز إقليم كشمير بخصائص طبيعية واقتصادية وجيوستراتيجية مهمة؛ فهو يقع بين حدود الصين والهند وباكستان وأفغانستان، ويتمتع بطبيعة خلابة. ويتوزع سكانه بين أعراق وديانات مختلفة، مع وجود أغلبية للمسلمين. وقد تم تقسيم كشمير إلى ثلاث مناطق، واحدة في الشرق تسيطر عليها الصين، وثانية في الجنوب تسيطر عليها الهند، وثالثة تمتد إلى الغرب والشمال تسيطر عليها باكستان. ونظرا لأن المنطقة التي تسيطر عليها الهند ترتفع فيها نسبة المسلمين بين 65% إلى 75% فإنها تعهدت في عام 1947 بمنح السكان حق تقرير المصير.
وعلى هذا الأساس صدر قرار مجلس الأمن رقم 47 لسنة 1948 بإقرار حق تقرير المصير لسكان منطقة جامو وكشمير. وفي الوقت نفسه أنشأ الدستور الهندي في المادة 370 نظاما للحكم الذاتي للسكان، يتمتع فيه السكان بسلطات الإدارة، باستثناء ما يتعلق بالدفاع والسياسة الخارجية والاتصالات. ثم أضيفت في عام 1954 المادة 35 (أ) التي تمنح المقيمين الدائمين الحق الحصري في ملكية الأراضي والعقارات، وشغل الوظائف الحكومية والحصول على المنح الدراسية.
وعلى الرغم من الحروب الثلاث الكبيرة في أعوام 1947/1948، 1965، 1971 فإن الهند لم تتزحزح عن سيطرتها على الإقليم، بل إنها ضمت أراضي جديدة إليها في نهاية حرب 1971، التي أسفرت أيضا عن تقسيم باكستان إلى دولتين منفصلتين، بنغلاديش وباكستان. وقد تعهد رئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي، خلال حملته الانتخابية الأخيرة في مايو 2019 بدمج إقليم كشمير وجامو الهندي إلى الإدارة المركزية للدولة، وفتح أبواب الإقامة والملكية والاستثمار، وتطوير البنية الأساسية، وهو ما يعني عمليا إنهاء نظام الحكم الذاتي. وبعد فوز حزبه القومي الهندوسي بالأغلبية، أصدرت وزارة العدل مرسوما رئاسيا يقنن الوضع الجديد، متضمنا إلغاء المادة 370 والمادة 35 (أ) من الدستور.
نشوب حرب كبرى بين الهند وباكستان، يفتح الباب على مصراعيه لصدام نووي، لأن خيارات باكستان في الحرب محدودة مقارنة بالهند.
منطق الدولة الهندية في ذلك يقوم على اعتبارين، الأول أن كشمير إقليم يخضع للدستور الهندي، والثاني أن استمرار الحكم الذاتي في كشمير يهدد الدولة الهندية التي تقوم على أساس التنوع والتعددية، حيث يعيش فيها المسلمون (حوالي 172 مليون بنسبة 13.4% من السكان) جنبا إلى جنب مع غيرهم من المواطنين. مودي أيضا يقود تيارا قوميا شعبويا، يعتبر الحكم الذاتي لكشمير خطأ تاريخيا يجب تصحيحه، كما يسعى لاستخدم قضية كشمير لصرف نظر مواطنيه عن الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد.
الخيار الدبلوماسي
بعد إلغاء نظام الحكم الذاتي في كشمير، انطلقت موجة من الغضب المحلي، ردت عليها الحكومة الهندية بحظر التجمعات، واعتقال عدد من القيادات المحلية، وقطع الاتصالات الهاتفية وشبكة الإنترنت. في الخارج صدرت أهم ردود الفعل في كل من الصين وباكستان. وعلى الرغم من صدور بيانات عسكرية تشير إلى اشتباكات على خط الهدنة بين الهند وباكستان، فإن الدولتين أكدتا على أولوية الخيار الدبلوماسي. وأثار عمران خان رئيس الوزراء الباكستاني مسألة الوساطة مع السعودية في اليوم التالي، لإلغاء الحكم الذاتي، كما أثار الموضوع قبل إعلان الإجراءات الهندية بأيام مع الرئيس الأمريكي ترامب خلال زيارته لواشنطن في أواخر يوليو الماضي، التي صحبه فيها كل من قائد القوات المسلحة، ورئيس المخابرات.
من ناحيتها أكدت الصين حرصها على تسوية النزاع من خلال عملية سياسية، وبادرت بدعوة وزيري خارجية البلدين على انفراد لزيارة بكين، ووجهت نداء إلى الطرفين بالتوقف عن اتخاذ إجراءات من طرف واحد، وأدانت الإجراءات الهندية ووصفتها رسميا بأنها «غير مقبولة»، وطلبت رسميا عقد جلسة لمجلس الأمن لمناقشة الوضع، وإصدار بيان يؤكد على قرارات الأمم المتحدة السابقة بشأن كشمير. مجلس الأمن اجتمع في 16 أغسطس واستمع إلى كلمات مندوبي كل من الهند وباكستان في الأمم المتحدة. كما استمع إلى وجهات نظر الدول الأعضاء. لكنه رفض في نهاية الاجتماع إصدار بيان، نظرا لاعتراض كل من الولايات المتحدة وفرنسا (من الأعضاء الخمسة الدائمين) وألمانيا. الموقف النهائي للمجلس يعتبر انتصارا دبلوماسيا للهند، وهزيمة لكل من باكستان والصين. وليس من المتوقع أن يتغير موقف الولايات المتحدة وفرنسا. وهذا يعني أن حظوظ الخيار الدبلوماسي أصبحت محدودة جدا.
الخيار العسكري
فرص باكستان في تحريك قضية كشمير، تتوقف على قدرتها على خلق حالة تهدد السلام في شبه القارة الهندية، بما يفرض ضرورة التدخل الدولي، وتجاوز الموقف الذي اتخذه مجلس الأمن في 16 أغسطس. الهند أيضا تدرك ذلك، إذ أن وزير الدفاع الهندي راجنات سينج أصدر تحذيرا مبطنا إلى باكستان، مؤكدا على أن الهند، وإن كانت قد التزمت منذ امتلاكها للأسلحة النووية في منتصف السبعينيات بمبدأ «عدم البدء بالاستخدام»، إلا أن ذلك الالتزام يتوقف على الظروف المحيطة باعتبارات الأمن الهندي. ومن المعروف أن الهند (حوالي 1315 مليون نسمة) تتفوق عسكريا على باكستان (200 مليون نسمة تقريبا). وقد أسفر هذا التفوق عن هزيمة باكستان في حرب 1971، فلجأت إلى طلب المساعدة من الصين وكوريا الشمالية لإنتاج أسلحة نووية، بغرض الاحتفاظ بقوة ردع استراتيجي ضد التفوق الهندي. ويقدر الخبراء حاليا أن كلا من البلدين (الهند وباكستان) يملك أسلحة نووية يتراوح عددها بين 100 إلى 200 رأس نووي لكل دولة.
امتلاك الطرفين للأسلحة النووية لم يساعد على إيجاد حلول سلمية للنزاع بشأن كشمير. على العكس من ذلك فإن الصدامات العسكرية التقليدية استمرت على فترات متقطعة، كان آخرها في فبراير 2019 بعد أيام من تعرض القوات الهندية في كشمير لعملية إرهابية عبر الحدود، شنت على أثرها الهند غارة جوية داخل أراضي باكستان، التي تصدت لها، وأسقطت منها طائرتين. وربما تختلف نتائج الاشتباكات المتقطعة من آن إلى آخر، لكن نشوب حرب كبرى بين الهند وباكستان، يفتح الباب على مصراعيه لصدام نووي، نظرا لأن خيارات باكستان في مثل هذه الحرب محدودة بالمقارنة مع الهند.
الخيار الثالث
لعبت المؤسستان العسكرية والسياسية في باكستان دورا محوريا في تدريب وتسليح وإعداد «المجاهدين» في سنوات الحرب ضد السوفييت في أفغانستان. ومنذ ذلك التاريخ يحتفظ الكثير من الباكستانيين بعلاقات مع جماعات مثل طالبان و»القاعدة». كذلك توجد في باكستان حركة دينية إسلامية متشددة تنتشر في كل أنحاء البلاد من خلال المدارس الإسلامية، والجماعات الدعوية والسياسية وشبه العسكرية مثل (جماعة الدعوة) و(جماعة جيش محمد) المصنفة جماعة إرهابية، ويوجد بين هؤلاء من يدعم فكرة شن عمليات عسكرية عبر الحدود، خصوصا أن اشتراك كشمير في الحدود مع أفغانستان، يساعد على تسهيل انتقال المقاتلين والأسلحة.
وعلى الرغم من أن حكومة عمران خان تعمل رسميا على المشاركة في المجهود الدولي لمكافحة الإرهاب، إلا أن وجود قاعدة اجتماعية وفكرية مساندة للتشدد الإسلامي، قد يدفع النزاع في اتجاه المزيد من التصعيد، باستخدام تنظيمات وجماعات غير حكومية.
الحاجة لإعادة صياغة العلاقات
عاش المواطنون في شبه القارة الهندية جنبا إلى جنب حتى أصدرت بريطانيا قانون استقلال الهند عام 1947. لكن إصرار الزعيم (محمد على جناح) على إقامة دولة منفصلة للمسلمين، قاد في نهاية الأمر إلى إنهاء التعايش السلمي بين نسبة من المسلمين الهنود، وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى. ولأسباب تاريخية تفككت باكستان وانقسمت إلى اثنتين، ولم يتوقف الصراع مع الهند حتى الآن، ولم تتعلم الأطراف المختلفة فضيلة التعايش والتعاون على أسس التنوع والتعددية وحقوق المواطنة بدون تمييز، التي ينعم بها نحو 172 مليونا من المسلمين في الهند. ونظرا لأن ميراث الصراع أسهم في خلق مفهوم يعتبر أن الانتصار في الحرب هو مسألة كرامة وطنية، فإن تغيير هذا المفهوم يحتاج إلى مجهود كبير من أطراف الصراع أنفسهم، وكذلك من ذوي المصلحة في ضمان استقرار المنطقة. البداية تتمثل في ضرورة تخفيض التوتر الحالي إلى الحد الأدنى، ثم تمهيد الطريق لإعادة بناء الثقة، وإقامة علاقات ودية عبر الحدود بين الجارتين الكبيرتين، بمساعدة أطراف خارجية.
إبراهيم نوار، كاتب مصري