
الطاف حسين واني
دأبت الحكومة الهندية، بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي ووزير الداخلية أميت شاه، على الترويج لرواية «الوضع الطبيعي» و«التكامل» في جامو وكشمير منذ إلغاء وضعها الخاص في أغسطس 2019.
ويزعم المسؤولون أن الكشميريين «ينبذون العنف» ويحتضنون الإطار الدستوري الهندي «بفخر».
إلا أن الواقع على الأرض، كما يتضح من الأحداث الأخيرة، يرسم صورة مختلفة تمامًا – صورة عسكرة مكثفة وقمع ممنهج وإسكات بلا هوادة للمعارضة.
وتكشف الفجوة بين خطاب نيودلهي والتجارب المعيشية للكشميريين عن تناقض مقلق يتطلب اهتمامًا عالميًا عاجلًا.
العسكرة متخفية في صورة الأمن
يُجسّد مقتل الضابط الصغير كولديب تشاند في هجوم بقطاع أخنور، وما تلاه من حملات قمع عسكرية، البيئة المضطربة في المنطقة.
في أعقاب الحادث، شنّت القوات الهندية عمليات تطويق وتفتيش واسعة النطاق، ونشرت تعزيزات عسكرية، وقيّدت حركة المدنيين.
وأصبحت هذه العمليات، التي تُصنّف على أنها “إجراءات انتقامية”، روتينية، محوّلةً أحياءً بأكملها إلى سجون مفتوحة.
أصبح طريق سريناغار-جامو السريع، شريان حياة أساسي للكشميريين، أشبه بمنطقة عسكرية، بنقاط تفتيش وكلاب بوليسية وأجهزة مراقبة تدقّق في كل مركبة وشخص.
بينما تبرر السلطات الهندية هذه الإجراءات بأنها ضرورية «للأمن»، يعتبرها السكان المحليون أدوات عقاب جماعي تهدف إلى بثّ الخوف في النفوس.
يتناقض الوجود العسكري الكثيف والمراقبة المُتطفلة مع مزاعم الاستقرار.
إذا كان الكشميريون حقًا «يندمجون» طواعيةً، فلماذا تعتمد الدولة على هذه الأساليب القمعية؟
يكمن الجواب في رفض نيودلهي الاعتراف بالجذور السياسية للصراع، واختيارها قمع المعارضة بالقوة الغاشمة.
انتهاكات حقوق الإنسان: ثمن الإرهاب الحكومي
يسلّط مقتل ثلاثة شبان كشميريين مؤخرًا في مقاطعة كيشتوار خلال عملية عسكرية مطولة الضوء على التكلفة البشرية لاستراتيجية الهند لمكافحة التمرد.
ما بدأ كعملية تفتيش في غابة تشاترو تحوّل إلى عمليات قتل خارج نطاق القضاء، وهو نمطٌ يتماشى مع عقود من عنف الدولة.
تصنّف القوات الهندية الضحايا بانتظام على أنهم «إرهابيون» لتبرير أفعالهم، لكن روايات شهود العيان والروايات المحلية غالبًا ما تكشف عن حقيقةٍ أشدّ قتامة، ألا وهي استهداف المدنيين والنشطاء المعارضين للاحتلال.
هذه العمليات ليست حوادث معزولة.
تبرز بيانات منظمات حقوق الإنسان ارتفاعًا حادًا في أعداد الضحايا المدنيين، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب منذ عام ١٩٨٩.
وقد ساهم قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة، الذي يمنح الجنود حصانة قانونية، في تفاقم انتهاكات حقوق الإنسان.
ويعزز صمت المجتمع الدولي إزاء هذه الانتهاكات، دون قصد، إفلات الهند من العقاب.
إسكات المعارضة: الحرب على التعبير السياسي
بالتوازي مع العمليات العسكرية، شنّت الهند حملةً ممنهجةً لتفكيك المقاومة السياسية الكشميرية.
وقد تحمّل مؤتمر الحريات، وهو ائتلافٌ من الجماعات المؤيدة للحرية، وطأةَ هذه الحملة.
ويواجه قادته الإقامة الجبرية والاعتقالات التعسفية، ويُجبرون على تقديم «إفاداتٍ خطية» للتخلي عن مواقفهم السياسية.
وتهدف هذه الأساليب، التي تُذكّر بالاستعباد في الحقبة الاستعمارية، إلى محو المعارضة من الذاكرة العامة وخلق وهمٍ بالموافقة.
يتجاوز تجريم الاحتجاج نطاق الأحزاب السياسية.
فالطلاب والصحفيون ونشطاء المجتمع المدني معرضون للمضايقة والسجن، أو ما هو أسوأ، لانتقادهم سياسات الدولة.
ويجسّد هذا التوجه اعتقال المدافع عن حقوق الإنسان خروم برفيز، والصحفي عرفان مهراج، وسجاد غول، وآصف سلطان بتهمة نشر تقارير «مناهضة للوطن»، واحتجاز آشان أونتو، وهو ناشط آخر في مجال حقوق الإنسان.
ومن خلال ربط المعارضة بالإرهاب، تسعى الهند إلى نزع الشرعية عن نضال كشمير من أجل تقرير المصير،
وهو حقٌّ تكفله قرارات الأمم المتحدة.
التنمية أم الدعاية؟ واجهة التقدم
في خضم هذا القمع، روّجت الحكومة الهندية بشراسة لمشاريع البنية التحتية، مثل خط سكة حديد أودامبور-سريناغار-بارامولا، باعتبارها رموزًا للتنمية.
وقد رافق افتتاح مودي المخطط له للمشروع في رياسي إجراءات أمنية مشددة، شملت اعتقالات جماعية وقيودًا على الحركة.
ورغم أهميتها الاقتصادية، لا تستطيع هذه المشاريع إخفاء الواقع المرير للاحتلال.
فالبنية التحتية التي تبنى في ظل العسكرة تستخدم كأداة دعائية، مصممة لإضفاء طابع طبيعي على العالم الخارجي، مع تجاهل عزلة الكشميريين.
علاوة على ذلك، غالبًا ما تعطي هذه المبادرات الأولوية للمصالح العسكرية الاستراتيجية على حساب الرفاه المحلي.
تسهّل الطرق السريعة والأنفاق تعبئة القوات بشكل أسرع، مما يرسّخ سيطرة الهند أكثر.
بالنسبة للكشميريين، تبدو «التنمية» دون حقوق سياسية مجرد وهم –
وهو شعورٌ تردد صداه في الاحتجاجات ضد الاستيلاء على الأراضي واستغلال الموارد.
الخاتمة: أسطورة التكامل الطوعي
إن ادعاء وزير الداخلية أميت شاه بأن الكشميريين ينضمون «بفخر» إلى الإطار الدستوري الهندي ليس مضلِّلاً فحسب،
بل هو إهانة لنضالهم المستمر منذ عقود من أجل الكرامة.
وينهار هذا الادعاء أمام التدقيق والتمحيص عند مواجهته بواقع السخط الجماهيري:
المداهمات اليومية، والاختفاء القسري، وتجريم الهوية.
لا يمكن تحقيق حياة طبيعية حقيقية بالقوة والمراسيم البيروقراطية.
بل يتطلب ذلك معالجة التطلعات السياسية للكشميريين، وبدء حوار مع الجهات المعنية، واحترام القانون الدولي.
إلى ذلك الحين، سيظل سرد الهند عن «السلام» وهمًا خطيرًا، يديم دوامة العنف والاستياء.
على العالم أن يتجاوز الدعاية التي ترعاها الدولة، وأن ينصت إلى أصوات الكشميريين – أصوات لا تزال تطالب بالحرية والعدالة والحق في تقرير مصيرها.
يبدأ طريق الحل بالاعتراف بالحقيقة: السلام في كشمير مستحيل بدون عدالة.