عبدالله الأيوبي ييكتب: الكيان الصهيوني يخترق الهند
أكثر مما يمكن وصفه بالانتصار الدبلوماسي الجديد الذي يحققه الكيان الصهيوني على الساحة الدولية، فإنه يشكل إخفاقا وتراجعا عربيا جديدا على هذا المستوى. هذه بالطبع حقيقة ما يمثله قيام رئيس وزراء جمهورية الهند ناريندرا مودي بتدشين أول زيارة على هذا المستوى لمسؤول هندي لفلسطين المحتلة منذ قيام «إسرائيل» عام 1948 وعلى مدى أكثر من خمسة وعشرين عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الهند والكيان الصهيوني، ليس هذا فحسب، بل ان الوفد الهندي العالي المستوى اقتصر زيارته على لقاء المسؤولين الصهاينة ولم يتوجه إلى لقاء المسؤولين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة، كما هي العادة مع الزوار البارزين الذين يأتون لزيارة فلسطين المحتلة، حيث يحرصون على التقاء القادة الفلسطينيين كموقف سياسي من الصراع وإظهار شكل من اشكال الدعم أو التعاطف مع الموقف الفلسطيني، بل الادهى من ذلك كله أن البيان المشترك الصادر عقب انتهاء الزيارة تجاهل ذكر حل الدولتين.
الهند تاريخيا تعد من الدول الصديقة والداعمة للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، رغم ما يربطها من علاقات قوية مع الكيان الصهيوني، وخاصة في المجالات العلمية والعسكرية، حيث تشتري الهند أسلحة «إسرائيلية» بالمليارات من الدولارات، ومن السابق لأوانه اعتبار هذه الزيارة بمثابة تحول سياسي هندي من الصراع ومن موقف الهند التاريخي من الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وخاصة حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، إلا أن العديد من المراقبين ينظرون إلى هذه الزيارة وعلى هذا المستوى، على أنها نقطة تحول في موقف الهند إزاء «إسرائيل».
فعلاقات الهند مع العالم العربي علاقات تاريخية ومتداخلة في المجالات كافة، ومنها بالدرجة الأولى المجال الاقتصادي وهناك عمالة هندية كبيرة جدا في كثير من البلدان العربية، وعلى مدى تاريخ الصراع العربي الصهيوني كانت المواقف الهندية داعمة باستمرار للجانب العربي وللحقوق المشروعة للشعوب العربية في مقدمتها الشعب الفلسطيني، ألم يكن جواهر لال نهرو أول رئيس لوزراء الهند شريكا للزعماء جمال عبدالناصر والرئيسين اليوغسلافي جوزيف تيتو والإندونيسي أحمد سوكارنو هم من أسسوا حركة عدم الانحياز ذات المواقف المشهود لها فيما يتعلق بالصراع العربي «الإسرائيلي»؟
لا نقول إن الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة خسرت صديقا له وزنه على الساحة الدولية، فالهند تبقى صديقا للشعوب العربية ولم تغير موقفها المبدئي من حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، ولكن مع تطور علاقاتها مع الكيان الصهيوني وفي مختلف المجالات، مع غياب الاهتمام العربي الكبير بالعلاقات مع الهند، فإن ذلك يصب في مصلحة الكيان الصهيوني على المدى البعيد، وهذا في حد ذاته يشكل خسارة للجانب العربي والفلسطيني بالدرجة الأولى.
يجب الاعتراف بالحقيقة، وهي بكل تأكيد حقيقة مرة، فالكيان الصهيوني استطاع من خلال تحركاته السياسية والدبلوماسية النشطة وبدعم من حلفائه في الولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوروبية أن يكسر عديدا من الحواجز ويخترق كثيرا من الأٍسوار التي شيدتها الدول العربية من حوله، بل الأمر من ذلك أن هذا الكيان استطاع اختراق أسوار البيوت العربية ذاتها، فأقام علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية مع عديد من الدول العربية فيما الجهود متواصلة لاختراق مزيد من الأسوار العربية إلى جانب التحركات على إزاحة ما تبقى من أسوار دولية في وجه هذا الكيان.
فالكيان الصهيوني استخدم بجدارة ما لديه من إمكانيات، وطوع علاقات التحالف الأزلي الذي تربطه بالولايات المتحدة الأمريكية والعديد من الدول الأوربية من أجل تحقيق هذا الهدف، وهو فك وتحطيم أطواق العزلة التي بنتها الدول العربية من حوله سنوات اشتداد الصراع بين الجانبين، شئنا أم أبينا، فإن ذلك يشكل نجاحا سياسيا ودبلوماسيا صهيونيا كبيرا ومهما، بل مؤثرا حتى على مجرى الصراع وعلى مسار ما يسمى عملية السلام مع الجانب الفلسطيني حيث التعنت «الإسرائيلي» يتصاعد كلما اتسعت دائرة علاقات الكيان الصهيوني الخارجية.
فالدعم التاريخي الكبير الذي تحظى به القضية الفلسطينية من جانب مختلف دول القارة الإفريقية ليس على المستوى الذي كان عليه من قبل، وهذا كله نتيجة نجاح الكيان الصهيوني في كسر العزلة التي فرضتها كثير من الدول الإفريقية عليه نتيجة النشاط والجهود الدبلوماسية والسياسية التي بذلتها الدول العربية في فترات سابقة، ولكن بعد التقاعس العربي وانشغال الدول العربية بصراعاتها الجانبية واتجاه بعضها لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني، وجدنا الدول الإفريقية واحدة تلو الأخرى تسعى لإعادة تنشيط علاقاتها مع الكيان الصهيوني.
فتراجع الدعم العربي، وأقصد هنا الدعم السياسي والدبلوماسي فقط، أسهم في إعطاء الكيان الصهيوني جرعات تنشيطية سهلت من مهمته في فك العزلة التي نجحت الدول العربية في فترة من الفترات في فرضها عبر تحركاتها السياسية مع العديد من دول العالم، وخاصة الدول الإفريقية والآسيوية، ومنها الهند على سبيل المثال، وهذا كله يشكل خسارة سياسية جديدة تلحق بالقضية الفلسطينية وتلقي بأعباء إضافية على كاهل النضال الوطني الفلسطيني، وهذا ما يؤكده تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية، ليس على المستويين الإقليمي والدولي فحسب وإنما على المستوى العربي أيضا.