من العناوين الرئيسية إلى الأصفاد: العقاب الجماعي للكشميريين في محكمة الإعلام

بقلم شازيا أشرف خواجة
يومٌ آخر، وعنوانٌ مثيرٌ آخر من جامو وكشمير المحتلة من قِبل الهند . أصبح النص مألوفًا إلى درجة التخدير. يظهر مسؤول تنفيذي في “قناة إخبارية وطنية”، يعمل كمنصة لـ”مسؤولين” مجهولين، ليُعلن عن “إنجاز كبير”: تفكيك “وحدة تطرف تقودها نساء”، وكشف روابط مع جماعات محظورة مثل جيش محمد ودختران ملت، واستعادة “مواد جهادية تُجرّمهم”.
اللغة هنا ليست محايدة. إنها لغة مُختارة بعناية ـ قاطعة، حادة، ومصممة لرسم صورة خطر وشيك. وقبل أن يجف حبر تقرير المعلومات الأول، وقبل إثبات أي تهمة في محكمة، تبدأ المحاكمة. لكنها ليست محاكمة في قاعة قانون؛ بل محاكمة تُبثّ إلى ملايين المنازل.
والمُدّعى عليهم ليسوا المشتبه بهم فقط، بل مجتمعٌ كامل. إنها ليست عملية إنفاذ قانون، بل آلية عقاب جماعي تُحرّكها وسائل إعلام متواطئة.
الادعاءات الأخيرة لجهاز مكافحة الاستخبارات في كشمير (CIK)، والتي ضخّمتها ما يسمى “إعلام غودي”، تُعيد تكرار نمط مرهق عاشه الكشميريون لعقود. الحديث عن “وحدة إرهابية نسائية مشتبه بها” يتجاهل أن كلمة “مشتبه بها” هي المفصل الأساسي الذي ينهض عليه الاتهام. ورغم هشاشتها، فهي أول كلمة تُسقط عند صياغة الرواية العامة.
وبمجرد نشر الخبر، يتحول الشك إلى “حقيقة”. لم يعد الدكتور عمر فاروق وزوجته شهزادة مواطنين يملكان حق افتراض البراءة. لقد أصبحا جزءًا من قصة مسبقة عن الخيانة والإرهاب. تُغتال سمعتهما قبل البدء بأي عملية قانونية.
هذه المحاكمات الإعلامية تترك آثارًا مدمرة في الحياة الواقعية. فهي تخلق مناخًا يجعل أي معارضة، أو علاقة، أو نشاط رقمي بسيط، مادة تُجرّم أصحابها. بالنسبة للكشميريين، بغض النظر عن خلفياتهم، يصبح الشك ظلًا دائمًا. فالادعاء ذاته يتحول إلى عقاب.
وحتى إذا برأتهم المحاكم بعد سنوات، تبقى الوصمة. وتظل حياتهم المهنية والعائلية محطمة، بينما تمضي الدولة نحو عنوان جديد.
يظل شبح أفزال غورو حاضرًا. فإعدامه ما زال جرحًا مفتوحًا في الوعي الكشميري. لم يكن حكم المحكمة وحده ما حدّد مصيره، بل أيضًا الحكم الإعلامي الذي سبقه. فحملة “الإعدام السريع”، التي غذّتها رواية تجاوزت المعايير القانونية، خلقت ضرورة سياسية طغت على أي تدقيق قضائي. ورغم أن الأدلة كانت ظرفية، تم تصويره كـ”وجه الإرهاب”، فأصبح كبش فداء جاهزًا.
اليوم، يُحتجز عشرات القادة السياسيين والنشطاء الكشميريين بموجب قانون (منع) الأنشطة غير القانونية (UAPA)، وهو قانون يُصعّب الكفالة ويتيح الاحتجاز بلا محاكمة.
وتُعاد قضاياهم في الإعلام كأدلة على “مكافحة الإرهاب”، لا كملفات قانونية. ويُذكِّر كل عنوان جديد الكشميريين بأن تطلعاتهم السياسية يمكن تجريمها بسهولة. الرسالة واضحة: المعارضة = إرهاب، وكل من يقترب منها فهو هدف مشروع.
تضيف الادعاءات حول “وحدة الويب المظلم” بعدًا جديدًا لهذه الاستراتيجية. فمصطلحات مثل “الويب المظلم” و”شبكات العمال فوق الأرض (OGW)” تخلق غموضًا يسمح بتوسيع دائرة الاشتباه.
وعندما تُقال إن الأدلة “مخفية في الإنترنت المظلم”، ينخفض عبء الإثبات، ويصبح عدم قدرة الفرد على دحض ادعاء غامض دليلًا على “إدانته” في الإعلام.
لا خلاف على ضرورة إدانة الإرهاب، ولا على أهمية حماية الأمن القومي. لكن القضاء على العدالة ليس طريقًا لتحقيق هذه الأهداف. فاستراتيجية وصم مجتمع بأكمله بالشبهة ليست فقط غير أخلاقية، بل فاشلة. إنها تُنفّر السكان، وتُفاقم الغضب، وتُطيل دورة العنف.
إن المحاكمات الإعلامية للكشميريين، واستخدام قوانين مثل UAPA، والقبول بالعقاب الجماعي، تمثل فشلًا قانونيًا وأخلاقيًا. وحتى تحل محله الالتزامات بالإجراءات القانونية وافتراض البراءة، ستستمر هذه “الكشفات” في كشف الحقيقة الأكبر: أزمة الديمقراطية الهندية نفسها. فالأصفاد في نشرات الأخبار ليست مجرد قيود على أيدي مشتبه بهم؛ بل رمز لقيود مفروضة على مجتمع بكامله، ووصمة في ضمير الأمة.



