أخبارسلايدر

تصاعد مظاهر “الهندكة” داخل القوات المسلحة الهندية

شهدت القوات المسلحة الهندية خلال الأعوام الأخيرة تحوّلًا واضحًا نحو تبنّي رموز وممارسات تحمل طابعًا دينيًا هندوسيًا، في خروج عن التقاليد العلمانية التي قامت عليها المؤسسة منذ استقلال البلاد.

تغيّر الرموز وتحوّلات المشهد العسكري

بدأت هذه التحولات تدريجيًا، لكنها أصبحت أكثر وضوحًا في ظل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا، التي يعتبرها كثيرون ذات مشروع قومي هندوسي الطابع.

من أبرز المظاهر الرمزية لهذا التحول إزالة لوحة توثّق استسلام القوات الباكستانية عام 1971 من مكتب رئيس الأركان في نيودلهي، واستبدالها بلوحة تحمل مضمونًا أسطوريًا هندوسيًا تحت عنوان “كرم كشيترا”.

هذه الخطوة أثارت موجة انتقادات، إذ رأى محللون أنها محاولة لإعادة صياغة الهوية المؤسسية للجيش بما يتماشى مع رؤية سياسية ودينية معينة.

وفي السياق ذاته، أثار نصب تمثال للملك الهندوسي شيفاجي بالقرب من بانجونج تسو في لاداخ تساؤلات حول سبب إدخال رموز دينية في مناطق حدودية حساسة.

واعتبر مراقبون أن الخطوة تسعى لإضفاء حضور هندوسي رمزي في منطقة ذات أهمية استراتيجية، بما يحمل رسائل سياسية تتجاوز الطابع العسكري البحت.

تداخل الدين مع القيادة العسكرية وردود الفعل

لم تتوقف مظاهر التحول عند الرموز البصرية، بل امتدت إلى سلوك القادة العسكريين أنفسهم. فقد ظهر رئيس أركان الجيش وكبار الضباط في احتفالات وطقوس هندوسية بزيهم العسكري، وهو أمر كان يُعدّ سابقًا خروجًا عن التقاليد الصارمة للحياد الديني داخل المؤسسة الدفاعية.

أثارت زيارة قائد الجيش إلى معبد الزعيم الروحي رامبادراتشاريا، حيث تلقى “ديكشا” —وهي طقوس دينية للهندوس— انتقادات واسعة من أحزاب المعارضة ومن باحثين في شؤون الدفاع. رأى البعض أن قائد الجيش تجاوز حدود دوره عبر قبوله وضعًا يجعله “تلميذًا”

في سياق ديني، ويضع سلطة دينية فوق سلطة عسكرية يفترض أنها محايدة. كما أثار طلب الزعيم الديني منه “استعادة آزاد كشمير” كهدية بعد طقس البدء، جدلًا واسعًا حول تسييس المؤسسة العسكرية وربطها بأهداف دينية.

في المقابل، دافع مؤيدو الحكومة عن الخطوات، معتبرين أن الجيش لا يعيش في فراغ، وأن تفاعله مع الثقافة الهندوسية أمر طبيعي في بلد غالبية سكانه من الهندوس. وأشاروا إلى أن الإجراءات الجديدة تعكس “الثقة بالنفس الحضارية” التي تشجع عليها الحكومة الحالية.

تأثيرات التجنيد والمؤسسات التعليمية على الهوية العسكرية

امتدت موجة “الهندكة” إلى برامج التجنيد والمدارس العسكرية التي تعتبر مصانع إعداد قادة المستقبل. فقد أشار مراقبون إلى أن برنامج “أجنيباث”، الذي بدأ عام 2022

ويستقطب عشرات الآلاف من الشبان، أصبح يجذب فئات مرتبطة بشبكات قومية هندوسية مثل منظمة الـRSS، مما قد يؤدي إلى إعادة تشكيل الثقافة العسكرية على المدى الطويل.

كما أصبحت مدارس “ساينيك”، التي كانت منذ تأسيسها مؤسسات محايدة ومهنية، معرضة لتأثير منظمات قومية هندوسية مثل “فيديا بهاراتي”. وتشير تقارير محلية إلى إدخال مضامين دينية ورموز زعفرانية إلى الأنشطة المدرسية والخطاب التربوي، الأمر الذي يراه بعض الخبراء خطرًا على مبدأ تكافؤ الفرص داخل الجيش.

تثير هذه التحولات مخاوف واسعة بين الأكاديميين المختصين في الدراسات العسكرية، الذين يحذرون من أن اختلال التوازن الأيديولوجي داخل الجيش قد يعمّق الانقسام بين مكوّناته الدينية والاجتماعية، ويهدد مهنته وحياده.

كما عبّر ضباط متقاعدون عن قلقهم من إمكانية فقدان الجيش لصورته كـ”مؤسسة فوق السياسة” كانت تُعدّ إحدى ركائز الدولة الهندية الحديثة.

 تداعيات التمييز على الأقليات وتزايد الانتقادات الحقوقية

يبدو أن الأقليات الدينية داخل الجيش هي الأكثر تضررًا من التحولات الجديدة. فقد وردت تقارير عن ضغوط تُمارس على الضباط والجنود للمشاركة في طقوس دينية هندوسية، مع تسجيل حالات فصل وترهيب بحق من يرفضون الامتثال.

من أبرز الأمثلة قضية الملازم صموئيل كاماليسان، الذي فُصل عام 2025 بعد رفضه المشاركة في طقس هندوسي، وهو قرار أيدته لاحقًا محكمة دلهي العليا، ما أثار صدمة وسط جماعات حقوقية.

كما عبّر ضباط من الأقليات عن شعورهم بانعدام الأمن الوظيفي، وبتراجع فرص ترقيتهم مقارنة بزملائهم من الأغلبية.

ورغم عدم وجود دليل على استقالات جماعية، فإن مصادر محلية تشير إلى ازدياد رغبة العديد من ضباط الأقليات في ترك الخدمة تجنبًا للتمييز والضغط الثقافي.

زاد تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2025 من حدة الجدل، إذ كشف عن أكثر من 520 حالة وفاة في الاحتجاز العسكري أو نتيجة عمليات قتل خارج القانون. ورغم أن التقرير لم يربط جميع الحالات مباشرة بالتحول الأيديولوجي، إلا أنه أشار إلى أن بيئة العسكرة المشحونة سياسيًا تسهم في توسع الانتهاكات.

تشير الوقائع والممارسات المتراكمة إلى وجود مشروع ممنهج يعيد تشكيل الهوية المهنية للقوات المسلحة الهندية عبر بوابة الرموز الدينية والأيديولوجيا القومية الهندوسية.

وبينما يراها مؤسسات الحكم جزءًا من تعزيز الهوية الوطنية، يرى منتقدون أنها تحول خطير يهدد علمانية الجيش وتماسكه الداخلي، ويقوّض احترافيته، ويعزز التوترات بين المكونات الدينية. ومع تزايد الانتهاكات الموثقة، تتسع دائرة المخاوف حول مستقبل واحدة من أكثر المؤسسات حساسية في الهند.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى