مقالات

السيد التيجاني يكتب: باكستان بين الدبلوماسية ومعركة السرد الإعلامي

تعيش العلاقات بين باكستان والهند واحدة من أكثر لحظاتها توتراً في السنوات الأخيرة.

التصعيد العسكري في كشمير، والحوادث الحدودية المتكررة، إضافة إلى حرب التصريحات، دفعت حكومة إسلام آباد إلى فتح جبهة أخرى لا تقل أهمية: جبهة السرد الدولي.

خلال الأشهر الماضية، أعلنت وزارة الخارجية الباكستانية عن إرسال وفود رفيعة المستوى إلى عدد من العواصم المؤثرة، بينها واشنطن، بكين، أنقرة، الرياض، وحتى بروكسل.

الهدف المعلن هو “عرض الحقائق على المجتمع الدولي” والتصدي لما تعتبره الحكومة “دعاية هندية” تستهدف صورة باكستان.

مواجهة الرواية الهندية

الهند تحاول منذ سنوات تثبيت سردية مفادها أن باكستان تدعم جماعات مسلحة تعمل داخل كشمير وعلى الحدود.

وتستخدم نيودلهي في ذلك الإعلام الدولي، والعلاقات مع القوى الغربية، وحتى المنظمات الحقوقية.

في المقابل، ترد باكستان بالقول إن هذه الاتهامات “جزء من حملة تضليل”، مؤكدة أن جذور الأزمة تعود إلى حرمان الكشميريين من حقوقهم الأساسية.

وتشير إلى أن قواتها لا تقوم إلا بالدفاع عن سيادة البلاد، بينما تُتهم الهند بممارسة سياسات قمعية في كشمير.

حملة دبلوماسية منسّقة

المثير أن هذه التحركات ليست مبادرات فردية، بل جزء من خطة حكومية متكاملة.

إسلام آباد وضعت برنامجًا دبلوماسيًا يشمل زيارات لوزير الخارجية، واجتماعات لسفراء باكستان مع مسؤولين في أوروبا وآسيا، إضافة إلى عقد مؤتمرات صحفية مشتركة مع دول حليفة.

كما استعانت الحكومة بشركات علاقات عامة في الولايات المتحدة وبريطانيا، لعرض وجهة نظرها بشكل احترافي على وسائل الإعلام الدولية.

هذا النهج يوضح أن باكستان لم تعد ترى أن الخطاب التقليدي يكفي لإقناع العالم، بل تحتاج إلى أدوات عصرية أكثر تأثيراً.

تأثير الاتفاقيات الدفاعية

تزامن انطلاق هذه الحملة مع توقيع اتفاقية الدفاع المشترك مع السعودية في سبتمبر ٢٠٢٥.

هذا الحدث عزّز من ثقة إسلام آباد، ومنحها ورقة قوة إضافية لإبراز نفسها كحليف استراتيجي مهم في المنطقة، وليس مجرد طرف في نزاع مع الهند.

ويرى محللون أن هذا الاتفاق يمنح باكستان هامش مناورة أوسع، خصوصاً أن الرياض تتمتع بثقل سياسي واقتصادي، يمكن أن يساهم في دعم سرديتها على الساحة الدولية.

بين واشنطن وبكين

تعتمد باكستان بشكل كبير على دعم الصين، حليفها الاستراتيجي، خصوصاً في الملفات المرتبطة بكشمير وبالبنية التحتية.

وفي الوقت نفسه، تحاول ألا تخسر قنوات التواصل مع الولايات المتحدة، رغم التوترات المتكررة.

فواشنطن ما زالت لاعبًا أساسيًا في جنوب آسيا، ورأيها يؤثر بشكل مباشر على مواقف أوروبا والمنظمات الدولية.

ولهذا، تحرص إسلام آباد على إظهار نفسها كطرف “مسؤول” يسعى للحوار، لتجنب أن يُنظر إليها فقط كداعم للنزاعات.

تركيا وقطر… دعم سياسي وإعلامي

لم تقتصر جهود باكستان على القوى الكبرى.

فقد لجأت إلى تعزيز علاقاتها مع أنقرة والدوحة، حيث تمتلك هذه الدول منصات إعلامية مؤثرة في العالم العربي والإسلامي.

تُقدّم تركيا نفسها كمدافع قوي عن القضايا الإسلامية، فيما تملك قطر شبكة إعلامية ذات نفوذ واسع.

وبالتالي، فإن الدعم التركي والقطري للسرد الباكستاني يساعد على إيصال رسالتها لملايين المتابعين في الشرق الأوسط.

المعارضة الداخلية: أصوات ناقدة

في الداخل الباكستاني، ليست الصورة مثالية.

فبعض المعارضين يرون أن الحكومة تركّز على “تسويق سياسي خارجي” دون معالجة الأزمات الداخلية، مثل الفساد، وأزمة الاقتصاد، والانتهاكات الحقوقية.

ويؤكد هؤلاء أن أي دبلوماسية لا يمكن أن تنجح إذا لم تُدعَم بإصلاحات حقيقية.

فالعالم اليوم أكثر حساسية لقضايا حقوق الإنسان، وأي تناقض بين الخطاب الرسمي والممارسات الداخلية قد يضعف مصداقية باكستان.

الإعلام الدولي… ساحة معركة

تدرك إسلام آباد أن الإعلام العالمي أصبح أداة مركزية في أي نزاع.

لذلك تعمل على تكثيف تواجدها في الصحف الكبرى مثل نيويورك تايمز والجارديان، إضافة إلى شبكات البث الفضائي.

لكن هذا المجال ليس سهلاً، إذ تملك الهند قوة ناعمة أوسع، واقتصادًا ضخمًا يجذب الغرب.

وبالتالي، فإن التنافس الإعلامي بين الجارتين يعكس حجم الصراع الدبلوماسي على كسب العقول والقلوب في الخارج.

المواقف الدولية المتوقعة

يرى مراقبون أن الدول الغربية ستستمر في التعامل بحذر، إذ لا تريد الانحياز بشكل كامل لأي طرف.

لكن الأصوات المؤيدة لباكستان قد ترتفع في منظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى الصين وتركيا.

في المقابل، ستسعى الهند إلى استثمار علاقاتها الاقتصادية الواسعة، لتقوية سرديتها بأن باكستان “داعم للإرهاب”.

وبالتالي، ستبقى الساحة الدولية منقسمة، ما يعني استمرار المعركة الدبلوماسية دون حسم سريع.

كشمير… جوهر القضية

مهما تعددت المسارات، يبقى ملف كشمير هو النقطة المحورية.

فالهند تريد إظهاره كملف داخلي غير قابل للتفاوض، بينما تؤكد باكستان أنه قضية دولية تستحق الاهتمام الأممي.

وبين هذا وذاك، يعيش سكان كشمير أزمات يومية: قيود على الحركة، انتهاكات حقوقية، وتوترات عسكرية.

هؤلاء يظلون الحلقة الأضعف في معركة الروايات بين العملاقين النوويين.

وخلاصة القول توضح الحملة الحالية أن باكستان اختارت الهجوم الدبلوماسي والإعلامي كأداة لمواجهة الهند.

لكن نجاحها سيعتمد على عوامل متعددة:

قوة تحالفاتها مع السعودية والصين وتركيا.

قدرتها على إقناع الغرب بأنها شريك موثوق.

استعدادها لإصلاح بيتها الداخلي حتى لا تفقد المصداقية.

إنها معركة طويلة الأمد، حيث السرد لا يقل أهمية عن الرصاص.

وبينما تواصل الهند وباكستان تبادل الاتهامات، يبقى المجتمع الدولي في موقع المتفرج، يوازن بين مصالحه الاقتصادية ومبادئه السياسية.

في النهاية، إذا نجحت باكستان في بناء سردية قوية مدعومة بتحالفات متينة، فقد تكسب بعض التعاطف الدولي.

لكن إذا اكتفت بالشعارات دون إصلاحات داخلية، ستبقى معركتها أشبه بصوت في صحراء لا يجد من يصغي إليه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى