مقالات

إعادة النظر في مذبحة جامو: أصداء التطهير العرقي في عام 1947

2024-11-06

مهر النسا

لا يستطيع الموتى أن يصرخوا من أجل العدالة؛ بل من واجب الأحياء أن يفعلوا ذلك من أجلهم.

تظل مذبحة جامو في نوفمبر 1947 واحدة من أكثر الحلقات مأساوية التي لم يتم الاعتراف بها بشكل كافٍ في تاريخ جنوب آسيا.

 ومع تفكك الحكم الاستعماري البريطاني وظهور الهند وباكستان كدولتين قوميتين منفصلتين، اندلعت أعمال عنف واسعة النطاق، استهدفت في كثير من الأحيان الأقليات الدينية في كلتا الدولتين.

ومع ذلك، تبرز مذبحة جامو بسبب شدتها ونطاقها وتداعياتها، والتي تمتد إلى ما هو أبعد من السياسة الإقليمية إلى نسيج العلاقات الدولية.

تتناول هذه المقالة المذبحة باعتبارها حدثاً يسلط الضوء على التقارب بين العنف الذي ترعاه الدولة والهندسة الديموغرافية والخلاف الطائفي،

كما تقيم التأثير الدائم للمذبحة على العلاقات الهندية الباكستانية والخطاب الدولي حول تقرير المصير وحقوق الإنسان.

هذا الشكل من الهندسة الجيوسياسية، على الرغم من كونه خاصاً بالهند بعد التقسيم، يتوازى مع حالات تاريخية أخرى لإعادة ترتيب التركيبة السكانية التي تقودها الدولة، مثل حروب البلقان والإبادة الجماعية للأرمن.

المهراجا الهندوسي هاري سينغ

في عام 1947، كانت ولاية جامو وكشمير الأميرية في وضع خطير.

فقد تردد المهراجا الهندوسي هاري سينغ في الانضمام إلى الهند أو باكستان،

وهو الموقف الذي أدى إلى تكثيف التوترات في جميع أنحاء الولاية المتنوعة دينياً.

وكانت المناطق ذات الأغلبية المسلمة، بما في ذلك جامو، تشهد حركات سياسية متنامية تدعو إلى الانحياز إلى باكستان،

وذلك بسبب الانحياز الديموغرافي والتعاطف السياسي.

وعكس هذا الانقسام داخل الولاية أنماطاً أوسع نطاقاً في جميع أنحاء شبه القارة، حيث تم تسييس الهويات الطائفية وسط الصدام الأيديولوجي بين القومية العلمانية والانفصالية الدينية.

وفي منطقة جامو، حيث يشكل المسلمون أكثر من 60% من السكان، تصاعدت التوترات مع تنفيذ إدارة دوجرا لتدابير قمعية.

وشملت هذه التدابير فرض ضرائب باهظة على المناطق ذات الأغلبية المسلمة مثل بونش واستبعاد المسلمين من الميليشيات المحلية،

مما أدى إلى تفاقم المخاوف بين السكان المسلمين المحليين.

ويشير مؤرخون مثل أليستير لامب وفيكتوريا سكوفيلد إلى أن رفض المهراجا استيعاب مظالم المسلمين

أو قبول مطالبهم بالتمثيل الأساسي لعب دوراً حاسماً في إشعال فتيل الثورة في بونش، والتي قوبلت بقمع وحشي.

العنف الطائفي في شبه القارة

ومع انتشار العنف الطائفي في شبه القارة، نظمت قوات الدولة بقيادة دوجرا، المتحالفة مع جماعات هندوسية وسيخية يمينية، هجمات منهجية على المسلمين في جامو.

وحملت هذه الاستراتيجية السمات المميزة لما يصفه علماء العلاقات الدولية بالتطهير العرقي الذي ترعاه الدولة:

وهي محاولة متعمدة من جانب جهة فاعلة في الدولة لتغيير الحقائق الديموغرافية لتعزيز السيطرة السياسية.

وفي جامو، استغلت القوات الحكومية الوضع لطرد السكان المسلمين أو إبادتهم بالقوة، وضمان التوافق الديموغرافي والسياسي مع الهند.

وتشير التقارير إلى أن عدد القتلى بلغ ما بين 20 ألفاً و237 ألف مسلم، مع نزوح ما يقرب من نصف مليون شخص.

وقد غيرت هذه الحلقة من التطهير العرقي التركيبة السكانية للمنطقة بشكل فعال وتستمر في التأثير على المشهد الجيوسياسي،

حيث ظل عدد السكان المسلمين في جامو منخفضاً بشكل كبير اليوم.

مذبحة جامو… أصداء التطهير العرقي في عام 1947

التأثير على ديناميكيات الأمن الإقليمي

كما تؤكد المذبحة كيف يمكن للسياسات المحلية في الدول ما بعد الاستعمارية أن يكون لها آثار بعيدة المدى على ديناميكيات الأمن الإقليمي.

ولم يؤد النزوح القسري للمسلمين إلى باكستان التي تشكلت حديثاً إلى خلق أزمة لاجئين فحسب، بل أدى أيضاً إلى تفاقم العداء السياسي بين الهند وباكستان.

ومن خلال ترسيخ الانقسامات الدينية، ساهمت الأحداث في جامو في استمرار «مسألة كشمير»، وهي واحدة من أطول النزاعات الإقليمية وأكثرها تقلباً في العالم.

مبدأ تقرير المصير

كما تثير مذبحة جامو تساؤلات حول مبدأ تقرير المصير، وهو مبدأ أساسي في القانون الدولي. إن الطرد القسري للمسلمين في جامو،

الذين فضلوا بأغلبية ساحقة التحالف مع باكستان، يشكل انتهاكاً لحقهم في المشاركة في تحديد الوضع السياسي لوطنهم.

وعلاوة على ذلك، فإن استمرار تقسيم جامو وكشمير بين الهند وباكستان في أعقاب وقف إطلاق النار في عام 1948 حرم هذه المجتمعات من فرصة الحكم الذاتي، على الرغم من الدعوات المتكررة لإجراء استفتاء تحت رعاية الأمم المتحدة.

لا يزال إرث المذبحة متشابكا

ولا يزال إرث المذبحة متشابكا بشكل عميق مع السرديات السياسية على جانبي خط السيطرة.

فبالنسبة لباكستان، يجسد الحادث نمطا أوسع من القمع ضد المسلمين في جامو وكشمير وينتقد سجل الهند في مجال حقوق الإنسان في المنطقة.

وبالنسبة للهند، فإن الاعتراف بمثل هذا الحادث يثير تساؤلات حول مساءلة الدولة والمُثُل الديمقراطية العلمانية التي تطمح إلى دعمها.

لقد جعلت هذه الثنائية من مذبحة جامو “ذكرى مجمدة”، وهو ما اعترف به الناجون والناشطون ولكن نادرًا ما يتم دمجها في الخطاب الرسمي.

كما توضح المذبحة كيف يمكن للمظالم التاريخية أن تغذي صراعات مطولة.

لقد ساهمت مذبحة جامو في سرد ​​أوسع لحرمان المسلمين من حقوقهم في كشمير،

مما أدى إلى تأجيج الاستياء الذي لا يزال يلهم المقاومة المسلحة والدعوات اللاعنفية لتحقيق العدالة.

الإبادة الجماعية غير المرئية

إن مذبحة جامو في نوفمبر 1947، والتي يشار إليها غالباً باسم «الإبادة الجماعية غير المرئية»، تظل فصلاً من التاريخ يتم تجاهله إلى حد كبير.

وفي العلاقات الدولية، يؤدي الفشل في الاعتراف بمثل هذه الأحداث المظلمة إلى تعميق التوترات غير المحلولة وتآكل الثقة.

وبالنسبة لمسلمي جامو، فإن التذكير هو شكل من أشكال المقاومة ضد المحو، حيث تسلط المذبحة الضوء على مخاطر القومية العرقية.

وإذا كان من المقرر تحقيق الاستقرار الإقليمي، فيجب أن يكون هناك تأريخ متوازن يشمل معاناة جميع المجتمعات،

وجهد متضافر نحو الحقيقة والمصالحة، لتوجيه الجهود الدبلوماسية المستقبلية.

ولا ينبغي أن تظل مذبحة جامو فصلاً مخفياً، بل يجب أن تكون بمثابة تذكير بأن العدالة والوضوح التاريخي لا غنى عنهما لتحقيق السلام الدائم في جامو وكشمير.

الكاتبة هي مهر النسا مديرة قسم البحوث وحقوق الإنسان في معهد كشمير للعلاقات الدولية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى