مقالات

السيد التيجاني يكتب؛ الهند تهدد وباكستان ترد والحصار يتصاعد

لطالما أثارتني الطريقة التي تتعامل بها الهند مع ملف كشمير، لكن تصريحات أشوك ياداف الأخيرة حول استمرار “عملية سيندور” دفعتني للتوقف طويلًا أمام ما تحمله من رسائل عميقة.

وأنا أتابع الخطاب الأمني الهندي، بدا لي أن ما يجري ليس مجرد رد على “استفزازات” حدودية، بل جزء من تحوّل أوسع في عقلية إدارة الإقليم. شعرت بأن التصريح يكشف أكثر مما يُعلن، خاصة حين يربطه بالجاهزية الدائمة وبشبكة الاستخبارات. وكلما تعمقت في قراءة ردود الفعل،

اتضح لي أن المنطقة تتجه نحو مرحلة أكثر حساسية. وما بين صمت المدنيين وتصاعد لهجة الأمن، أدركت أن التداعيات الحقيقية لن تُقاس بالتصريحات، بل بما سيحدث على الأرض.

أثارت تصريحات المفتش العام لقوات أمن الحدود الهندية في كشمير، أشوك ياداف، بشأن استمرار ما أسماه “عملية سيندور”، حالة من الجدل داخل الإقليم المتنازع عليه وفي الأوساط الاستراتيجية في جنوب آسيا.

أعربت باكستان عن رفضها القاطع لتصريحات أشوك ياداف، وعدّتها استمرارًا لسياسة “التصعيد غير المبرر” من جانب الهند. وأكدت أن نيودلهي تحاول تضخيم الموقف الحدودي لخلق غطاء لعملياتها داخل كشمير.

وشددت الخارجية الباكستانية على التزامها باتفاق وقف إطلاق النار، محذّرة من أن الخطاب الهندي سيزيد التوتر على خط السيطرة. ورأت أن “عملية سيندور” ليست سوى خطوة استفزازية تهدد الاستقرار الإقليمي.

فقد زعم ياداف أن العملية ستتواصل “طالما كانت هناك مغامرات من باكستان”، وأن قواته في “جاهزية كاملة” للتعامل مع أي استفزازات عبر خط السيطرة، ما اعتبره كثيرون تعبيرًا عن نهج عسكري متصاعد يرسّخ حالة التوتر المزمنة في المنطقة.

جاءت هذه التصريحات في توقيت حساس، لا تزال فيه تداعيات أحداث 10 مايو تؤثر على المزاج الحدودي بين الهند وباكستان، وسط استمرار تبادل الاتهامات بشأن الخروقات الحدودية.

ويبدو أن الخطاب الأمني المتوتر بات جزءًا أساسيًا من المشهد، خصوصًا بعد الخطوات الهندية واسعة النطاق منذ عام 2019 لإحكام قبضتها على جامو وكشمير.

يرى الخبير الهندي في الدراسات الاستراتيجية، الدكتور راهول بانداري، أن حديث ياداف يتجاوز مجرد تأكيد على الجاهزية العسكرية. فبحسب رأيه،

يحمل التصريح رسالة مزدوجة موجهة للرأي العام الهندي ولإسلام آباد في آن واحد. ويقول بانداري: “تريد القيادة الأمنية أن تُظهر للجمهور الداخلي أنها تملك السيطرة على الأوضاع في كشمير، خاصة بعد الانتقادات التي طالَت الحكومة مؤخرًا.

وفي الوقت نفسه، هو خطاب ردع لباكستان، يؤكد أن أي حركة عبر خط السيطرة لن تمر دون مواجهة”.

وعلى الجانب الآخر، يقدّم الباحث الباكستاني في الأمن الإقليمي، مصطفى فاروق، قراءة مختلفة تمامًا. إذ يعتبر أن التصريحات جزء من “نهج هندي شامل يهدف إلى عسكرة الإقليم وتطبيع حالة العمليات الدائمة”.

ويضيف: “عملية سيندور ليست عملية محدودة، بل سياسة ممتدة منذ عام 2019. هي أداة لتبرير تشديد القبضة الأمنية على الإقليم المتنازع عليه”.

وترى الباحثة النيبالية في شؤون النزاعات الحدودية، سانجانا كيرتي، أن هذه التصريحات تعكس تغيّرًا تدريجيًا في قواعد الاشتباك بين البلدين. وتشير إلى أن الإعلان عن عملية مفتوحة المدى دون سقف زمني “يُلمّح إلى احتمالية اتخاذ إجراءات ميدانية واسعة عند أي تطور”،

موضحة أن خط السيطرة منطقة حساسة يمكن لأي خطاب عسكري أن يؤثر مباشرة في حالتها الميدانية.

أما داخل كشمير نفسها، فإن القلق الشعبي هو الانعكاس الأبرز لمثل هذه التصريحات. فالمدنيون، كما يشير الباحث الحقوقي الكشميري عبدالمنان زاهد، هم المتضرر الأول من ارتفاع منسوب الخطاب الأمني.

ويقول: “عندما تتحدث القوات الهندية عن عمليات طويلة الأمد، فهذا ينعكس مباشرة على الحياة اليومية للسكان: مزيد من نقاط التفتيش، ومداهمات مكثفة، وتضييق على الحركة. الناس هنا مرهقون من هذه الدوامة المستمرة من الإجراءات الأمنية”.

على مستوى ردود الفعل، سارعت وزارة الخارجية الباكستانية إلى اعتبار تصريحات ياداف “تصعيدًا غير مبرر”، متهمة نيودلهي بـ“تضخيم أي حدث حدودي لفرض جو من الطوارئ الدائمة”.

وقال مسؤول في الوزارة إن الهند “تسعى لخلق بيئة إعلامية وقانونية تتيح استمرار العمليات الأمنية في الإقليم دون مساءلة”.

أما الأمم المتحدة فعبّرت عن قلق متزايد من أي خطاب يزيد حالة العسكرة في المنطقة. فقد نقل موظف في مكتب الشؤون السياسية بالأمم المتحدة—في تصريح غير رسمي—أن المنظمة “تراقب الوضع عن كثب” وتحث الطرفين على ضبط النفس لأن “المنطقة لا تتحمل أي توترات جديدة”.

وفي داخل الإقليم، تتراوح ردود الفعل بين التخوف والاعتراض. سكان القرى الحدودية، مثل بونش وراجوري، عبّروا عن خشيتهم من أن تترجم هذه التصريحات سريعًا إلى إجراءات ميدانية. ويقول الناشط الاجتماعي أفتاب حسين من بونش: “نحن أول من يشعر بأي تغيير. التصريحات العسكرية لا تبقى كلامًا طويلًا، بل تتحول إلى تفتيش ومداهمات ونقاط تفتيش جديدة”.

الإعلام الهندي بدوره انقسم بين وسائل روّجت للتصريحات باعتبارها دليلًا على الجاهزية العالية للقوات، وصحفيين مستقلين حذّروا من أن تضخيم الخطاب الأمني قد يؤدي إلى نتائج عكسية.

ويؤكد المحلل الإعلامي أمار ديف أن “المبالغة في تسويق الخطاب العسكري قد تخلق حالة ذعر وتؤدي إلى ممارسات أكثر تشددًا على الأرض”.

بالنظر إلى المستقبل القريب، تبدو السيناريوهات مفتوحة على أكثر من اتجاه. فهناك احتمال مرتفع لما يسمى “التصعيد التدريجي”، حيث تتوسع العمليات الأمنية ببطء دون دفع الأمور نحو مواجهة مباشرة.

ويرى الدكتور بانداري أن هذا السيناريو “الأكثر ترجيحًا، كونه يسمح للهند بإظهار الحزم دون الانجرار إلى صدام واسع”.

لكن سيناريو “التهدئة الهشة” يبقى مطروحًا أيضًا، خاصة في ظل الضغوط السياسية والاقتصادية الداخلية في البلدين.

فبحسب سانجانا كيرتي، فإن القادة في دلهي وإسلام آباد قد يفضلون عدم إشعال أزمة كبيرة في المرحلة الحالية، رغم عدم قدرتهم على كبح التصريحات المتشددة.

ويذهب باحثون إلى أن أي تصعيد ميداني قد يعيد القضية الكشميرية إلى الساحة الدولية، في وقت تحاول فيه الهند تجنّب التدويل.

ويعتقد مصطفى فاروق أن “رفع وتيرة العمليات قد يؤدي إلى ضغوط دبلوماسية على الهند، خاصة بعد الانتقادات التي طالتها في السنوات الأخيرة في ما يخص حقوق الإنسان”.

في النهاية، تبدو تصريحات أشوك ياداف جزءًا من مسار أكبر يعمّق فكرة أن المقاربة الأمنية هي الإطار الحاكم لسياسة الهند في كشمير. ومع غياب أي عملية سياسية جادة، يظل السكان رهائن بين التصعيد المتقطع والتهدئة المؤقتة، دون حلول دائمة تلوح في الأفق.

ويكفي تصريح واحد بنبرة عسكرية مرتفعة—كما حدث هذه المرة—كي يعيد إشعال القلق في منطقة طالما عاشت على حافة الانفجار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى