قبضة الاحتلال الخانقة: حرب الهند الشرسة على الهوية والحقوق الكشميرية

بقلم: الطاف حسين واني
تكشف التطورات الأخيرة في جامو وكشمير المحتلة نمطًا خطيرًا من القمع المنهجي، يتمثل في الاعتقالات الجماعية، والحكم المحلي الضعيف، وملاحقة الكشميريين خارج وطنهم بتهم التجسس.
هذه الممارسات ليست استثنائية، بل جزء من سياسة مدروسة تهدف إلى إخضاع المجتمع الكشميري وكسر إرادته السياسية، وحرمانه من حقه المشروع في تقرير المصير الذي تكفله قرارات مجلس الأمن الدولي.
تعكس حملة الاعتقالات الواسعة التي طالت نحو 200 شاب بتهمة “العملاء السريين” مفهوم العقاب الجماعي. فالمصطلحات الأمنية الغامضة تُستخدم لتبرير احتجاز المدنيين، وتفكيك البنية الاجتماعية، وبث الخوف في المجتمع.
وبموجب قوانين قمعية مثل قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة وقانون السلامة العامة وقانون الأنشطة غير المشروعة، يُحتجز الشباب لسنوات دون محاكمات عادلة.
لا تتوقف سياسة العقاب الجماعي عند حدود الاعتقال، بل تمتد إلى معاقبة العائلات والروابط الاجتماعية. فقد هدد نائب الحاكم مانوج سينها باتخاذ إجراءات ضد أي شخص له صلة بعائلات النشطاء أو المعتقلين، ما يرسخ مبدأ الإدانة بالارتباط ويعمق العزلة الاجتماعية، في محاولة واضحة لتفكيك التضامن المجتمعي وإخضاع السكان بالخوف.
يكشف اعتراف رئيس الوزراء عمر عبد الله بحقيقة الوضع في كشمير زيف ادعاءات “الوضع الطبيعي”. فالحكومة المحلية تفتقر للسلطة الحقيقية، بينما تبقى الأجهزة الأمنية والقرارات المصيرية بيد نيودلهي.
هذا الواقع يؤكد أن العملية السياسية مجرد واجهة شكلية، في ظل اعتقالات وهدم منازل وإغلاقات أمنية تخنق الاقتصاد والحياة العامة.
يتجاوز خطاب الشك حدود كشمير ليلاحق الكشميريين في مختلف أنحاء الهند. فاعتقال كشميريين في ولايات بعيدة رغم امتلاكهم تصاريح قانونية يعكس تنميطًا خطيرًا يصور الهوية الكشميرية كتهديد أمني. هذا المناخ من الريبة يجعل الانتماء الكشميري جريمة محتملة، ويعزز الشعور بالاستهداف الدائم.
تمثل هذه السياسات انتهاكًا صارخًا لحق تقرير المصير، وهو حق راسخ في القانون الدولي.
ورد الهند على هذا المطلب المشروع كان بالمزيد من العسكرة والتشريعات القمعية والدعاية، إضافة إلى إعادة فتح قضايا قديمة لإدامة الملاحقة القانونية وإبقاء المجتمع تحت الضغط المستمر.
وقد نبهت آليات الأمم المتحدة مرارًا إلى نمط الاعتقالات التعسفية والتعذيب في كشمير. كما وثقت تقارير مستقلة كيف تُستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لتجريم المعارضة السياسية وفرض قيود شديدة على الحركة والتجمع، بما يحول الإطار القانوني إلى أداة شاملة للسيطرة المجتمعية.
تسعى الهند، عبر هذه السياسات، إلى تفكيك الهوية الكشميرية وإضعاف تطلعاتها السياسية، من خلال تصوير الكشميريين كأعداء داخليين دائمين. إنها حرب استنزاف طويلة تُخاض في السجون والمحاكم وفي تفاصيل الحياة اليومية تحت الاحتلال.
لا يمكن تبرير هذا القمع بوصفه شأنًا داخليًا أو إجراءً أمنيًا. فحين تُستخدم قوانين مكافحة الإرهاب لقمع الوعي السياسي لشعب بأكمله، فإن ذلك يرقى إلى جريمة جسيمة بحق الإنسانية.
ويظل الصمت الدولي، بدافع المصالح الاستراتيجية، عاملًا أساسيًا في استمرار هذه الانتهاكات دون محاسبة.
ورغم شدة القمع، تبقى الهوية الكشميرية صامدة. فسياسات الخوف لم تنجح في كسر الإرادة، بل عززت التضامن والوعي السياسي لدى الأجيال الشابة، التي ترفض التهميش وتتمسك بحقوقها.
يبقى السؤال الحقيقي أمام العالم: هل سيحول مبادئه المعلنة إلى أفعال؟ فحق تقرير المصير ليس منحة، بل حق أصيل. وحتى يتحقق هذا الحق، سيواصل الشعب الكشميري صموده في مواجهة احتلال يسير حتمًا نحو الزوال.



