مقالات

عن الصمت والمراقبة: تآكل الحقوق في جامو وكشمير المحتلة من قبل الهند

بقلم: الطاف حسين واني

في وديان جامو وكشمير المحتلة الخلابة، وفي مدنها الصاخبة، يُرسم وضع طبيعي جديد بدقة متناهية. وضع لا يقوم على العدالة أو الحرية، بل على رمال الشك المتحركة وعين المراقبة الشاملة.

تشير التقارير الأخيرة إلى انتشار الاعتقالات، وتجريم المهن، والاستدعاءات التعسفية للمواطنين. هذه الممارسات تُظهر صورة مقلقة لمنطقة تُنتهك فيها الحقوق الأساسية، من التعبير إلى الخصوصية، مرورًا بالإجراءات القانونية الواجبة، تحت ستار مكافحة الإرهاب.

الرواية الرسمية للهند مألوفة. قوات الأمن تنفذ مداهمات وتعتقل أفرادًا استنادًا إلى “معلومات موثوقة”. وكما أفادت صحيفتا “غاندربال” و”سوبوري”، فقد تم اعتقال العشرات في حالات متعددة، غالبًا ما يُوصَفون بأنهم “عمال حدود” أو “شركاء مُروّجي الإرهاب”.

يُفتّش منازلهم، وتُصادر أجهزتهم الرقمية، ويُسجنون دون محاكمة. تُضحّى حريتهم على مذبح الأمن العام، بينما يظل مصطلح “المعلومات الموثوقة” غامضًا، بدون رقابة قضائية أو عامة.

هذا النقص في الشفافية يُحوّل الاحتجاز الوقائي من أداة أخيرة إلى سلاح يستخدمه النظام بحرية. يُسمح باحتجاز الأفراد لأجل غير محدد لمجرد الاشتباه، بينما تُستدعى الأشخاص إلى مراكز الشرطة للاستجواب بشكل تعسفي، مما يعزز مناخ الخوف. كل مواطن يصبح مشتبهًا به محتملًا، وكل تفاعل مع السلطة يحمل تهديدًا ضمنيًا.

الأمر الأكثر إثارة للقلق هو التوجه نحو تجريم مهن بأكملها، وأبرزها المجتمع الطبي. قضية أطباء مثل الدكتور عادل والدكتور مزمل، المتهمين بالانتماء إلى وحدات متطرفة، تُظهر هشاشة الأدلة. الرواية الرسمية تنهار تحت التدقيق، والتناقضات بين وسائل الإعلام والبيانات الرسمية صارخة.

استهداف المهنيين ليس عشوائيًا؛ بل رسالة مرعبة: لا أحد بمنأى عن الاتهام. هذا يُهدم ثقة المجتمع، ويُثني الشباب عن الانخراط في أدوار مؤثرة. عندما يُحوّل طبيب، رمز الثقة والشفاء، إلى مشتبه به إرهابي بناءً على أدلة مشكوك فيها، يصبح كل المجتمع في حالة قلق دائم.

الجهاز الأمني يعتمد على اعتداء على الخصوصية. فرض تركيب كاميرات مراقبة على أصحاب المتاجر، مع إتاحة تسجيلاتها للشرطة دون أمر قضائي، يُرسّخ دولة مراقبة. تصبح كل زاوية من الأماكن العامة والتجارية سجنًا شاملًا، ويُلغى حق المواطنين في حياة خاصة خالية من الرقابة.

المراقبة لا تقتصر على كشف الجرائم، بل تشمل استباق المعارضة، ومراقبة النشاط السياسي، وتسجيل تحركات المواطنين. ويكتمل هذا النظام المهدد بالترهيب من خلال مداهمات داخل السجون نفسها، لمضايقة المعتقلين، مما يحوّل العقوبة إلى انتقام شخصي، ويكسر روح الفرد حتى بعد فقدان حريته.

تصريحات قادة سياسيين مثل محبوبة مفتي، التي تتحدث عن “حبس جامو وكشمير في قفص”، ليست مجرد كلام سياسي، بل انعكاس للواقع الذي يشعر به السكان. إلغاء المادة 370 كان وعدًا بالتنمية، لكنه أدى إلى حالة استثنائية دائمة، حيث تُصبح حماية الحقوق القانونية معطلة، وسلطة الأجهزة الأمنية مطلقة.

استراتيجية مكافحة الإرهاب بدون ضمانات قانونية، وتُجرم المعارضة والمهنة، وتُخضع شعبًا كاملًا للمراقبة، تؤدي إلى نتائج عكسية. قد تُنشئ صمتًا هشًا مفروضًا، لكنها لا تضمن سلامًا أو أمنًا مستدامين. الأمن الحقيقي يقوم على الثقة والعدالة وحماية الحقوق.

وفي الوقت نفسه، تستمر الأحداث المؤسفة، مثل انفجار سيارة في محطة مترو بنيودلهي. التاريخ يشير إلى أن تداعيات مثل هذه الأحداث غالبًا ما تؤدي إلى قمع جماعي، خاصة ضد المسلمين الكشميريين.

القفص الذي يُبنى حول جامو وكشمير المحتلة ليس ماديًا فقط؛ بل هو قفص للعقل والروح. أبوابه مهددة بالإغلاق أكثر من أي وقت مضى. المستقبل سيكشف ما إذا كانت الهند ستختار طريق المساءلة والحقوق، أم طريق المزيد من القمع والتهميش.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى