حملة القمع في كشمير قبل الانفجار

بقلم: مهر النساء
قبل أن يتصاعد الدخان فوق القلعة الحمراء في دلهي، كانت جامو وكشمير المحتلة من قبل الهند تحت الحصار. وقبل أن يربط المحققون الانفجار بوادي كشمير، بدأت الاعتقالات.
اعتُقل أطباء ونساء ومهنيون شباب في موجة من الشك، بدت أقرب إلى عقاب جماعي منها إلى إنفاذ القانون.
في نوفمبر/تشرين الثاني، اعتُقل أكثر من 1500 شخص في أنانتناغ، وبولواما، وشوبيان، وسريناغار. وما سُمي “حملة ما بعد الانفجار” كان استمرارًا لحملة تطهير ما قبل الانفجار، استهدفت الطبقة المثقفة، وأسكتت النساء، وجرّمت الشباب.
قضية الطبيبين الكشميريين، الدكتور عادل مجيد راذر والدكتور مزمل غاني، تُظهر أن حتى المهن النبيلة ليست آمنة. ترك الدكتور عادل عمله قبل أشهر، ومع ذلك وُجهت إليه اتهامات بلا دليل. وبعده واجه الدكتور مزمل المصير نفسه.
صُدمت عائلاتهم، وتعرضت مسيرتهم المهنية للشك. هؤلاء أطباء، لا مجرمون. إنهم يداوون المرضى ويخدمون المجتمع، لكن في كشمير لا أحد بمنأى عن الدعاية.
في 21 أكتوبر 2025، اعتُقلت امرأتان كشميريتان، روبينا أختر من سريناغار ونرجس جان من بولواما، في زينابورا – شوبيان. الرواية الرسمية: “حيازة مخدرات”. أما المحلية فتصفها بأنها عملية مُدبّرة.
تُصادر الهواتف والوثائق، وتُخفى النساء لأيام دون إبلاغ ذويهن. في كشمير، يُستخدم اعتقال النساء كسلاح للصدمة والإذلال، لا للتحقيق.
إلى جانب الأطباء والنساء، اعتُقل خمسة شبان كشميريين: عارف نثار دار، وياسر الأشرف، ومقصود أحمد دار، ومولوي عرفان أحمد، وزمير أحمد أهنغار. جميعهم بموجب قانون (منع) الأنشطة غير المشروعة.
هذا القانون لا يتطلب دليلًا، فقط رواية جاهزة. في كشمير، كل شاب “مقاتل محتمل”، وكل صوت حر “تهديد للسيادة”.
في شوبيان، ألغت الشرطة كفالة 13 محتجزًا بدعوى خرق الشروط دون تقديم أدلة. تجاهلت المحاكم، وتجاهلت الحقوق. أصبح حتى الصمت جريمة.
انفجار القلعة الحمراء كان العذر المثالي، لكنه لم يكن السبب. الاعتقالات بدأت قبل الانفجار بأسابيع، وكانت جزءًا من سياسة ثابتة: الاعتقال أولًا، ثم التبرير لاحقًا.
بعد الانفجار، عدّلت دلهي روايتها. صار كل معتقل كشميري “مشتبهًا به”، وكل اعتقال “مبنيًا على معلومات استخباراتية”.
الأطباء والمعلمون والمهندسون هم وجه كشمير المستقلة. باستهدافهم، تُهاجم الدولة الركيزة الفكرية للوادي. نجاحهم يفضح كذبة “التنمية” التي يروجها الاحتلال.
اعتقال الأطباء يرسل رسالة واضحة: لا التعليم ينقذكم، ولا النزاهة، ولا الصمت. هذا هو منطق الاحتلال معاقبة المعرفة ومكافأة الطاعة.
تحولت القوانين إلى أدوات قمع: مكافحة الإرهاب، السلامة العامة، وحماية البيانات. لا تُستخدم لملاحقة الجرائم، بل لصناعتها.
يُعاد اعتقال المفرج عنهم تحت قوانين جديدة. إنها لعبة قانونية تُبقي الكشميريين في السجون. أصبح كل شاب يحمل هاتفًا، وكل امرأة تعبّر عن رأيها، هدفًا مشروعًا.
وراء كل اعتقال عائلة مدمَّرة. حفل زفاف مؤجل. أب ينتظر خلف بوابة مغلقة. طفل يسأل عن أمه. كشمير تفقد حريتها وحياتها الطبيعية.
تفقد المستشفيات أطباءها، والجامعات طلابها، والعائلات ثقتها بالعدالة. والعالم، كالعادة، يفقد ضميره.
قد يختفي انفجار القلعة الحمراء من الأخبار، لكن روايته تبقى. رواية تُصوّر الكشميريين كمشتبه بهم دائمين.
كشمير كانت كبش الفداء الجاهز. الاعتقالات لم تكن لوقف العنف، بل للسيطرة على القصة. لتذكير الناس أنهم يعيشون في ظل الشك لا المواطنة.
إذا كان الأطباء يُتهمون بالإرهاب، والنساء بالمخدرات، والشباب بالأفكار، فأي ديمقراطية تبقى؟
كشمير لا تحتاج إلى لجنة تحقيق، بل إلى ضميرٍ عالمي.
الحقيقة بسيطة: الاعتقالات بدأت قبل الانفجار، لأن الهدف الحقيقي لم يكن الإرهاب، بل صوت كشمير.



