مقالات

مذبحة جامو: عندما ضاعت الحقيقة أمام الباطل

بقلم ن. أ. ثاكور

تُعدّ أحداث أكتوبر/تشرين الأول 1947 في جامو وكشمير من أكثر الفصول غموضًا وتشويهًا في تاريخ المنطقة. فالرواية الرسمية الهندية، التي وصفت ما جرى بـ”الغزو القبلي”، صُممت لتبرير التدخل العسكري الهندي، متجاهلة المجازر التي ارتُكبت بحق المسلمين في جامو.

بهذا السرد، تم طمس الحقائق وتحويل الجريمة إلى قصة “إنقاذ”، تُدرّس حتى اليوم في المناهج الدراسية الهندية.

لكن الواقع كان مختلفًا تمامًا. فقبل وصول رجال القبائل البشتون إلى كشمير، كانت قوات دوجرا وميليشيات منظمة “آر إس إس” قد بدأت عمليات قتلٍ وتطهيرٍ واسعة ضد المسلمين.

وتشير التقديرات إلى أن ما بين 200 ألف و237 ألف مسلم قُتلوا أو طُردوا من جامو بين أكتوبر ونوفمبر 1947، في واحدة من أبشع المجازر في تاريخ شبه القارة الهندية.

شهدت جامو مآسي لا تُنسى: اقتيد الرجال إلى الساحات وأُعدموا جماعيًا، أُحرقت المساجد، وأُغلقت المحال المسلمة.

وفي غضون أيام، نزح عشرات الآلاف إلى باكستان، وانخفض عدد المسلمين في الإقليم من نحو نصف مليون إلى أقل من مئة ألف.

وبينما كانت الهند تبرر تدخلها العسكري عبر وثيقة الانضمام، أظهرت الوثائق التاريخية أن الاستعدادات لنقل القوات جويًا بدأت حتى قبل عبور القبائل الحدود.

ويرى مؤرخون مثل أليستير لامب وأ. ج. نوراني أن وصف دخول رجال القبائل بأنه “غزو” كان غطاءً سياسيًا للتدخل، وصرفًا للأنظار عن التطهير العرقي الجاري في جامو.

حتى لجنة الأمم المتحدة لشؤون الهند وباكستان اعترفت في تقريرها عام 1948 بأن “مجازر جسيمة سبقت دخول القبائل”، ما يؤكد أن العنف لم يكن نتيجة الغزو المزعوم، بل كان قائمًا قبله.

ومع ذلك، انتصرت الرواية الهندية في السرد الدولي، وجرى تهميش مأساة جامو في الذاكرة الجماعية.

لقد غيّرت المذبحة التركيبة السكانية والسياسية للولاية، ومهّدت الطريق لتوقيع “انضمامٍ” قسري أُعيد تقديمه لاحقًا كاتفاقٍ مشروع. لم تكن المذبحة حادثًا عرضيًا، بل كانت وسيلة مدروسة لتغيير الواقع الديموغرافي بما يخدم مصالح الهند السياسية.

اليوم، لا يمكن تحقيق سلامٍ حقيقي في كشمير دون مواجهة هذا الماضي المؤلم. فالمصالحة تبدأ بالاعتراف، لا بالإنكار. وما لم يُعترف بمذبحة جامو وبمن خططوا لها، سيظل الجرح مفتوحًا، وسيبقى التاريخ رهينةً للأكاذيب.

استعادة ذاكرة جامو ليست قضية سياسية، بل مسؤولية أخلاقية وإنسانية. فقول الحقيقة هو السبيل الوحيد لإنصاف الضحايا، وبناء مستقبلٍ يسوده العدل والسلام في وادي كشمير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى