مقالات

انهيار وسائل الإعلام المستقلة في كشمير

بقلم: مهر النساء 

الأزمة في جامو وكشمير المحتلة من قبل الهند ليست سياسية أو إقليمية فقط، بل هي أيضًا حرب على الحقيقة. خلال العقد الأخير، حوّل نظام مودي المنطقة إلى مساحة معلومات مُحكمة، حيث تعمل الصحافة تحت الخوف والرقابة. البيئة الصحفية التي كانت نابضة بالحياة أصبحت هشّة، والصحفيون الشباب يواجهون خطر الاندثار.

هذا تحوّل متعمّد يهدف إلى السيطرة على السرد. فعندما تتحكم الدولة في المعلومات، تتحكم في الإدراك، وبالتالي في المعارضة.

يخطو طلاب الصحافة في جامعة جامو وكشمير نحو مستقبل مهني مُحطَّم. غرف الأخبار انهارت، والمنصات المستقلة أُغلِقت، والمسارات المهنية التقليدية اختفت. أمام الخريجين خياران: منصات حكومية أو لا منصات. يشير أساتذة الجامعة إلى تراجع حاد في أعداد الطلاب.

لم تعد الصحافة مهنة قابلة للاستمرار. هذا ليس مجرد تحدٍّ وظيفي، بل هو ردع هيكلي يدفع الشباب بعيدًا عن المهنة، ويمنح الدولة سيطرة تلقائية على السرد.

يعمل الصحفيون الشباب تحت رقابة مُشددة. تُتابع منشوراتهم، وتُتعقَّب مصادرهم، وتُستجوب عائلاتهم. أصبح العمل الصحفي البسيط فعلًا ينطوي على مخاطرة يومية.

أما الصحفيون الكبار فيُستهدفون لترهيب الأصغر سنًا. المداهمة الأخيرة لمكتب صحيفة كشمير تايمز مثال واضح. وُجّهت اتهامات لأنورادها باسين بـ“أنشطة معادية للهند” لأنها كشفت انتهاكات حقوق الإنسان. كانت جريمتها الصحافة.

انتقادها لإلغاء المادتين 370 و35-أ جعلها هدفًا سياسيًا. المداهمة لم تكن مضايقة فقط، بل محاولة لمحو شرعيتها المهنية وإعادة تعريف حدود الصحافة المسموح بها. الرسالة للشباب واضحة: إذا كانت باسين غير آمنة، فالجميع معرض للخطر.

إغلاق مكتب الصحيفة في عام 2020 دون إجراءات قانونية كان جزءًا من عملية واسعة لطمس المؤسسات التي تحفظ الذاكرة العامة. فالأنظمة الاستبدادية تفكك الأرشيفات والمنافذ الإعلامية لأنها تُخزّن “حقائق مزعجة”. بإغلاق الصحف، لا تُسكت الهند الانتقادات الحالية فقط، بل تمحو أيضًا الأدلة التاريخية.

توسّع المراقبة في الهند يعكس اتجاهات عالمية، لكنه في كشمير أكثر تطرفًا. الصحفيون يواجهون استجوابًا عنيفًا، ومصادرة للأجهزة، ومنعًا من السفر، واعتقالات بموجب قوانين صارمة مثل UAPA. هذه البيئة تخلق رقابة ذاتية خانقة. ومع ترسخ الخوف، تصبح الحقيقة انتقائية.

الصحفيات يواجهن عبئًا مضاعفًا. إلى جانب القمع المؤسسي، يتعرضن لعنف رقمي وهجمات إلكترونية. اعتراف القاضي سوريا كانت بارتفاع هذه الهجمات يؤكد خطورتها. الهدف هو إسكات النساء وإبعادهن عن المجال العام.

ورغم ذلك، يواصلن التوثيق والمساءلة، ويثبتن أن الصحافة، حتى في القمع، فعل مقاومة.

تزيد القواعد الجديدة لحماية البيانات الشخصية في الهند من الضغط على الصحفيين. النقابات الإعلامية حذّرت من أنها تُهدد العمل الصحفي بفرض قيود على جمع المعلومات. ورغم ادعاء الحكومة وجود استثناءات للصحافة، فإن النصوص القانونية لا تعكس ذلك.

هذه القيود قد تعطل التحقيقات وتعرض الصحفيين للعقاب بسبب تعاملهم مع بيانات عامة. يأتي ذلك في وقت تراجع فيه قانون الحق في الحصول على المعلومات بشكل كبير.

يعكس هذا التشديد نمطًا استبداديًا مألوفًا: قوانين تبدو محايدة لكن صُممت لكبح الأصوات المعارضة. وهكذا تُخنق حرية الصحافة إداريًا وتنظيميًا.

أزمة حرية الصحافة في كشمير ليست محلية، بل قضية استقرار إقليمي. فعندما تُسيطر السلطات على المعلومات، تنهار المساءلة، وتتفاقم الانتهاكات، ويزداد خطر الصراع. كما أن التعتيم الإعلامي يعمّق انعدام الثقة بين الهند وباكستان ويضعف قدرة المنظمات على رصد حقوق الإنسان.

يحتاج الصحفيون الشباب في IIOJK إلى دعم حقيقي: زمالات، تدريب، آليات حماية، وحضور دولي. ينبغي للمنظمات الإعلامية والحقوقية والأكاديمية إدراك أن ما يجري ليس ضغطًا على الصحافة، بل هجومًا عليها. فالقمع الإعلامي يُسهم في تراجع الديمقراطية وتصاعد النزعات الاستبدادية في المنطقة.

لا يمكن التعامل مع هذه الأزمة كقضية داخلية. فحرية الصحافة قيمة عالمية يحميها القانون الدولي. وعندما تقمع دولة الصحافة بشكل منهجي، فإنها تُهدد النظام الإعلامي العالمي بأكمله.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى