
في تطور لافت يعكس تحوّلات في خريطة التحالفات العسكرية، شهدت العاصمة الرومانية هذا الأسبوع لقاءً رسميًا بين قائد القوات الجوية الباكستانية، المارشال الجوي ظهير أحمد بابر سيدو، ونظيره الروماني الفريق أول ليونارد جابرييل بارابووي.
وأسفر اللقاء عن اتفاق الطرفين على إنشاء آليات مؤسسية قوية للتعاون في مجالات الدفاع الجوي، في خطوة تشير إلى رغبة البلدين في بناء شراكة دفاعية استراتيجية في بيئة أمنية متغيرة.
وقائع الزيارة ومجالات التعاون
جاءت الزيارة الرسمية في إطار تعزيز العلاقات الدفاعية بين باكستان ورومانيا، وتركّزت المحادثات على جملة من الملفات العسكرية ذات الاهتمام المشترك، أبرزها:
التعاون العملياتي من خلال التدريبات الجوية المشتركة.
برامج التبادل وتدريب الأطقم الجوية والأرضية.
استكشاف فرص التعاون الصناعي الدفاعي، خصوصًا في مجالات تكنولوجيا الفضاء الجوي.
تبادل الرؤى الأمنية حول التحديات الإقليمية والدولية.
وقد أشاد الجانب الروماني باحترافية القوات الجوية الباكستانية، خاصة في ضوء نجاحها الأخير في الرد على العدوان الهندي، معربًا عن إعجابه بالقدرات العملياتية المتطورة التي أظهرتها القوات الجوية الباكستانية في السنوات الأخيرة.
الدوافع والرسائل
يرى مراقبون أن هذا النوع من التعاون بين باكستان، الدولة ذات الثقل النووي في جنوب آسيا، ورومانيا، العضو في حلف الناتو، يحمل في طياته عدة رسائل استراتيجية، منها:
1. تحرّك باكستان نحو تنويع شراكاتها الدفاعية
خلال العقد الأخير، اعتمدت باكستان بشكل كبير على الشراكة الدفاعية مع الصين وتركيا، إلى جانب علاقات عسكرية تقليدية مع الولايات المتحدة.
لكنّ الظروف الجيوسياسية المتغيرة والحاجة لتعزيز قدراتها الجوية دفعتها إلى البحث عن شركاء جدد داخل أوروبا الشرقية، مثل رومانيا، التي تسعى بدورها إلى لعب دور إقليمي أكبر في حلف الناتو.
يرى المحلل العسكري الباكستاني العميد المتقاعد خالد محمود أن “التقارب مع رومانيا ليس بديلاً عن الشراكات الكبرى، بل هو خطوة ذكية لفتح قنوات متعددة في مجالات التدريب ونقل التكنولوجيا، في وقت تحتاج فيه باكستان إلى تحديث صناعاتها الدفاعية”.
2. رومانيا تبحث عن دور في التوازن الإقليمي
من جانب آخر، تمثّل رومانيا دولة محورية في خاصرة أوروبا الشرقية، وتسعى إلى تعزيز مكانتها داخل الناتو والاتحاد الأوروبي من خلال بناء شراكات خارج الإطار التقليدي الأوروبي.
التعاون مع دولة مثل باكستان يمنحها نافذة على جنوب آسيا، ويعزّز قدرتها على المساهمة في قضايا الأمن الدولي.
تقول الباحثة الرومانية في شؤون الدفاع، إلينا كوزما: “باكستان دولة محورية في جنوب آسيا، ولا يمكن تجاهل دورها في أي معادلة أمنية دولية. من مصلحة رومانيا أن تفتح خطوط تعاون معها، خصوصًا في ظل تسارع التغيرات الجيوسياسية”.
أبعاد صناعية وتقنية للتعاون
ركزت الزيارة أيضًا على الجانب الصناعي في مجال الطيران والدفاع الجوي، حيث ناقش الجانبان سبل تطوير شراكات في تقنيات الفضاء الجوي، وهو مجال تسعى فيه باكستان لتقليل اعتمادها على الخارج من خلال توطين التكنولوجيا، خصوصًا في مشاريع مثل الطائرة “JF-17 Thunder” التي طورتها بالشراكة مع الصين.
وفي هذا السياق، فإن رومانيا، التي تمتلك قاعدة صناعية عسكرية متنامية وتشارك في برامج دفاع أوروبية، يمكن أن تكون شريكًا مناسبًا لباكستان في مجال التصنيع المشترك أو تبادل الخبرات الفنية.
بيئة أمنية متقلبة تفرض التعاون
يشير محللون إلى أن هذه الزيارة تأتي في وقت يشهد العالم تحوّلات استراتيجية كبرى:
توتر مستمر بين باكستان والهند، خاصة بعد تصاعد الخطاب العدائي في إقليم كشمير.
تزايد عسكرة الفضاء الجوي، ما يجعل من التعاون في هذا المجال أمرًا بالغ الأهمية.
تصاعد التوترات في البحر الأسود وشرق أوروبا، ما يعزّز الحاجة لدى رومانيا لامتلاك شراكات متنوعة.
يرى المحلل الدولي الدكتور عدنان فاروق أن “العلاقات العسكرية لم تعد تُبنى فقط على أساس الجغرافيا أو التحالفات التقليدية، بل على تبادل المصالح التخصصية. وهذا ما توضّحه هذه الزيارة بين بلدين يبعدان آلاف الكيلومترات، لكن تجمعهما أولويات دفاعية متشابهة”.
الزيارة ورسائلها الرمزية
لم تخلُ الزيارة من رسائل رمزية واضحة، فقد أقيمت مراسم استقبال رسمية للمارشال الباكستاني في مقر القوات الجوية الرومانية، بما في ذلك حرس الشرف، وهو ما يعكس الاحترام المتبادل والاهتمام الرسمي بالمحادثات.
ووصف مراقبون الزيارة بأنها “علامة فارقة” في العلاقات العسكرية بين البلدين، وقد تكون بداية لتعاون طويل الأمد يتجاوز المجال الجوي إلى مجالات أخرى تشمل الأمن السيبراني، الاستطلاع، والذكاء الاصطناعي في الاستخدامات الدفاعية.
تشير زيارة قائد القوات الجوية الباكستانية إلى رومانيا إلى تحوّل في نهج باكستان العسكري نحو تنويع شراكاتها، والبحث عن فرص للتعاون مع دول أوروبية تمتلك بنى دفاعية متطورة وطموحات إقليمية.
من جانبها، تسعى رومانيا إلى بناء شراكات تعزّز مكانتها في الحلف الأطلسي، وتمنحها دورًا في الملفات الدولية خارج نطاقها الجغرافي التقليدي.
ومع تطور هذا التعاون، قد نشهد مستقبلاً تدريبات جوية مشتركة، مشاريع تصنيع مشترك، وربما تمركزات مؤقتة للطواقم الفنية، ما يعيد تشكيل خارطة التعاون العسكري في عالم يتغير بوتيرة سريعة.



