كشمير

باكستان لمجلس الأمن: كشمير قضية إنهاء استعمار لا تحتمل التأجيل

في خطاب قوي

في خطاب قوي ألقاه أمام لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، جدّدت باكستان مطالبتها المجتمع الدولي، ومجلس الأمن على وجه الخصوص، بالتحرك بشكل “نشط وفعّال” لإنهاء النزاع الطويل في جامو وكشمير، والذي وصفته بأنه أحد أقدم النزاعات غير المحلولة في العالم.

كشمير مجددًا أمام الأمم المتحدة

وأكد السفير الباكستاني لدى الأمم المتحدة، عاصم افتخار أحمد، أن أي أمل بتحقيق سلام دائم في جنوب آسيا سيبقى بعيد المنال ما لم يتم إيجاد حل عادل ودائم للقضية الكشميرية، بما يتوافق مع قرارات مجلس الأمن الدولي وتطلعات الشعب الكشميري.

خلفية النزاع: عقود من التوتر والصراع

قضية كشمير تعود إلى عام 1947، بعد تقسيم الهند البريطانية، حيث اندلع نزاع بين الهند وباكستان حول الإقليم المتنازع عليه.

صدر عدد من قرارات مجلس الأمن الدولي، أهمها القرار رقم 47 لعام 1948، والذي دعا إلى إجراء استفتاء شعبي تحت إشراف الأمم المتحدة لتحديد مصير الإقليم.

لكن هذا الاستفتاء لم يُنفذ حتى اليوم، وتتهم باكستان الهند بـ”التهرب من التزاماتها الدولية”، في حين تعتبر الهند كشمير جزءًا لا يتجزأ من أراضيها.

خطاب باكستان: دعوة مباشرة لمجلس الأمن

في خطابه، دعا السفير أحمد مجلس الأمن إلى تحمل مسؤوليته القانونية والأخلاقية، قائلًا إن “المصداقية الدولية على المحك”، في ظل فشل تنفيذ القرارات الأممية المتعلقة بكشمير.

وقال:”إن تنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ليس خيارًا، بل التزام ملزم بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة”.

وشدد على أن باكستان لا تزال تؤمن بالحل السلمي والدبلوماسي، إلا أن “السلام لا يمكن تحقيقه عبر الظلم والقمع”، في إشارة إلى الإجراءات التي تتخذها الهند في الإقليم، لا سيما بعد إلغاء المادة 370 من الدستور الهندي في 5 أغسطس 2019، والتي كانت تمنح كشمير وضعًا خاصًا.

الاتهامات الموجهة للهند: “استيطان قسري وتغيير ديموغرافي”

أدان السفير الباكستاني ما وصفه بـ”الحملة الاستعمارية الهندية الجديدة” في كشمير، مشيرًا إلى:

نشر أكثر من 900 ألف جندي هندي في الإقليم، ما جعله “المنطقة الأكثر عسكرة في العالم”.

عمليات قتل خارج القانون، وتعذيب، واختفاء قسري، واعتقالات جماعية.

سجن القيادة الكشميرية، ووفاة عدد من الرموز السياسية أثناء الاحتجاز.

محاولات تغيير التركيبة السكانية من خلال منح شهادات إقامة لملايين الهنود من خارج الإقليم، ومصادرة أراضٍ لأغراض عسكرية.

وقال: “هذه محاولة واضحة لتحويل المنطقة ذات الأغلبية المسلمة إلى منطقة ذات أغلبية هندوسية، في إطار أيديولوجية متطرفة تعرف باسم هندوتفا”.

كشمير وفلسطين: تشابه في المعاناة

في لفتة لافتة، قارن السفير الباكستاني بين القضية الكشميرية والقضية الفلسطينية، معتبرًا أن كليهما يرمزان إلى “فشل النظام الدولي في احترام حق الشعوب في تقرير مصيرها”.

وقال إن استمرار الاحتلال في غزة، والمأساة الإنسانية هناك، “يلقي بظلال ثقيلة على مصداقية الأمم المتحدة”، تمامًا كما هو الحال في كشمير.

وأكد دعم باكستان لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشريف، داعيًا إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، الذي وصفه بأنه “السبب الجذري لعدم الاستقرار في المنطقة”.

مواقف دولية: هل يتغير ميزان القوى؟

على الرغم من أن العديد من الدول تنظر إلى قضية كشمير باعتبارها نزاعًا ثنائيًا بين الهند وباكستان، إلا أن باكستان تسعى لإعادة تدويل القضية، عبر طرحها في المحافل الأممية وربطها بمبادئ القانون الدولي وحقوق الإنسان.

في المقابل، تستفيد الهند من دعم قوى كبرى مثل الولايات المتحدة وفرنسا، خاصة في سياق التنافس الجيوسياسي مع الصين. كما أن الهند تروج لنفسها على أنها أكبر ديمقراطية في العالم، وتحاول تقديم ما يجري في كشمير على أنه “شأن داخلي” ومحاربة للإرهاب.

آراء وتحليلات: هل هناك أمل بتحرك دولي فعلي؟

د. فاطمة عباسي  خبيرة في القانون الدولي: “ما قاله السفير الباكستاني مهم من الناحية القانونية. قرارات مجلس الأمن صريحة بشأن كشمير، لكن المشكلة تكمن في غياب الإرادة الدولية لتنفيذها، لا سيما أن الهند تُعتبر لاعبًا اقتصاديًا وجيوسياسيًا صاعدًا”.

محمد زيد خان  محلل سياسي باكستاني: “باكستان لا تسعى فقط لحل قضية كشمير، بل تحاول كشف ازدواجية المعايير الدولية، لا سيما في مقارنة وضع كشمير بفلسطين. إنه خطاب موجه إلى الضمير العالمي بقدر ما هو موجه إلى الأمم المتحدة”.

آلان كوبر  محلل سياسي غربي: “الهند لن تتراجع عن إجراءاتها في كشمير، خاصة بعد إلغاء المادة 370. إلا أن استمرار التوتر في الإقليم يُهدد باندلاع نزاعات إقليمية أوسع، في منطقة تملك فيها كل من الهند وباكستان أسلحة نووية”.

التوقعات: هل سيتغير شيء على الأرض؟

رغم خطابات باكستان القوية، إلا أن الوضع على الأرض لا يشير إلى أي تحول وشيك. الهند ماضية في سياساتها في الإقليم، بما في ذلك تعزيز سيطرتها الأمنية وتغيير الواقع الديمغرافي.

أما باكستان، فرغم الدعم الشعبي والسياسي لقضية كشمير، تواجه تحديات داخلية واقتصادية، بالإضافة إلى تغير الأولويات الدولية في ظل أزمات أخرى تسيطر على الأجندة، مثل حرب أوكرانيا، وصراع غزة، والتوترات في بحر الصين الجنوبي.

ومع ذلك، تبقى كشمير بؤرة توتر مزمنة، وقد تكون شرارة لأي نزاع إقليمي مستقبلي إذا لم يتم التوصل إلى حل سياسي مستدام.

ما بعد الخطاب

خطاب باكستان في الأمم المتحدة يسلط الضوء مجددًا على واحدة من القضايا الأكثر تعقيدًا وإهمالًا في النظام الدولي المعاصر. وهو بمثابة تذكير للأمم المتحدة بمسؤولياتها تجاه قضايا تقرير المصير، وضرورة إنهاء الاستعمار بأشكاله الحديثة.

ويبقى السؤال الأهم: هل سيتحول هذا الخطاب إلى تحرك دولي حقيقي؟

أم أن كشمير ستظل مجرد بند على جدول أعمال طويل لا يُفتح إلا في المناسبات؟

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى