مذبحة بيجبيهارا: اثنان وثلاثون عامًا من العدالة بلا إجابة

بقلم أسامة إمتياز
تُعدّ مذبحة بيجبيهارا، التي وقعت في 22 أكتوبر/تشرين الأول 1993، واحدة من أكثر المآسي إيلامًا وتوثيقًا في تاريخ جامو وكشمير المحتلة من قِبل الهند.
في مثل هذا اليوم، قبل اثنين وثلاثين عامًا، شهدت بلدة بيجبيهارا الصغيرة الواقعة على طريق سريناغار-جامو السريع حدثًا غيّر مصيرها إلى الأبد.
بدأ ذلك الجمعة بخشوعٍ هادئ، حيث أدى آلاف السكان صلاة الجماعة. لاحقًا، تجمع ما يقرب من خمسة عشر ألف شخص في مسيرة سلمية للمطالبة برفع الحصار عن ضريح حضرة بال في سريناغار.كان الضريح، الذي يضم رفات النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، محاصرًا من قبل قوات الاحتلال الهندية لأيام. اعتبر السكان المحليون الحصار إهانةً جسيمة لدينهم وكرامتهم، مما أثار احتجاجات في جميع أنحاء الوادي.
سار الموكب في بيجبيهارا بهدوء عبر المدينة. لم يُفرض حظر تجول، وكان المتظاهرون عُزّلًا. عندما وصل الحشد إلى الطريق الرئيسي قرب غوريوان، ظهر أفراد من الكتيبة 74 التابعة لقوة أمن الحدود من ثلاث جهات. دون أي إنذار أو إشارة تهديد، أطلق ضابط الرصاصة الأولى، تلتها وابل من الرصاص مزق التجمع. سقط الناس في أماكنهم، وأطلقت النار على من حاولوا الفرار من كل حدب وصوب.
استمر إطلاق النار حتى بينما كان الجرحى يستغيثون. استذكر شهود عيان لاحقًا المشهد المروع، واصفين كيف أطلق الجنود النار على الحشد لعدة دقائق دون توقف. ساد الذعر والفوضى الشوارع، حيث قُتل مدنيون عُزّل، بينهم أطفال، بالرصاص أثناء محاولتهم الفرار.
سجلت الأرقام الرسمية مقتل ثلاثة وأربعين مدنيًا وإصابة أكثر من سبعين آخرين، مع أن بعض التقارير المستقلة تشير إلى أعداد أكبر.
وكان من بين الضحايا طلاب وعمال ومزارعون وأصحاب متاجر، بالإضافة إلى فتى كشميري بانديت يبلغ من العمر اثني عشر عامًا، يُدعى كمال جي كول. أدان الموظف المحلي دواريكا ناث كول هذه الفظائع، قائلاً: “لم يكن هناك أي تحذير، ولا أي استفزاز، فقط وابل من الرصاص ينهمر على الجيران المسالمين”.
وتذكر أحد الناجين، محمد أكبر، قائلاً: “بمجرد أن أطلق ضابط أمن الحدود الرصاصة الأولى، صرخ الناس وسقطوا أرضًا. صرخ الجنود قائلين إنهم لن يبقوا على قيد الحياة”.
زعمت رواية الحكومة، التي بثتها وسائل الإعلام الرسمية، زورًا أن قوات أمن الحدود ردّت على إطلاق نار من مسلحين مختبئين بين المتظاهرين.
وسرعان ما ثبت زيف هذه الرواية من خلال تحقيقات مستقلة، وروايات شهود عيان، وحتى تصريحات مسؤولين كبار.
وأكد مفوض المنطقة، وجاهت حبيب الله، الذي زار الموقع، أن الموكب كان سلميًا تمامًا، وأنه لم يكن هناك أي استفزاز من أي نوع.
خلصت تحقيقات حقوق الإنسان لاحقًا إلى أن إطلاق النار كان متعمدًا وغير مبرر.
ووصف تقرير قضائي المذبحة بأنها عمل انتقامي، وأوصى بفصل أربعة عشر من أفراد قوة أمن الحدود ومحاكمتهم جنائيًا، بمن فيهم نائب القائد ج. ك. رادولا.
ورغم هذه النتائج، لم يُعاقب أحد قط. وانتهت التحقيقات، كغيرها من التحقيقات التي سبقتها وتلت، دون محاسبة، مضيفةً فصلًا جديدًا إلى تاريخ كشمير الطويل من الإفلات من العقاب.
ترسم شهادات الناجين صورة واضحة لما حدث. يتذكر أحد المشاركين أن قوات أمن الحدود حاصرت الموكب من جميع الجهات قبل إطلاق النار. قال: “كان الطريق مغلقًا بالكامل.
حاول الناس الركض، لكن لم يكن هناك مكان يلجأون إليه. أُطلق النار على المصابين مرة أخرى، ولم يُسمح لأحد بالمساعدة”.
روى طالب يبلغ من العمر سبعة عشر عامًا، أصيب في الهجوم، أنه رأى العشرات يسقطون أمام عينيه، واصفًا كيف “امتلأ الهواء بالصراخ وإطلاق النار”.
لا تُظهر هذه الروايات وحشية الهجوم فحسب، بل تُظهر أيضًا عمق الصدمة التي أعقبته. وتعرض الصحفيون الذين حاولوا تغطية عمليات القتل للمضايقات، وصادر الجنود كاميرات بعضهم، مما يُثبت مجددًا وجود محاولات لإخفاء الحقيقة.
تكشف قائمة القتلى عن اتساع نطاق المأساة: طلاب مثل ألطاف حسين شيخ، البالغ من العمر ستة عشر عامًا، ورجال أعمال مثل غلام أحمد بانديت، البالغ من العمر خمسين عامًا، ومزارعون، ومقاولون، وأصحاب متاجر، وموظفون حكوميون. فقدت العائلات مُعيليها وأطفالها على حد سواء.
وتوفي العديد من الجرحى لاحقًا متأثرين بجراحهم، مما زاد من عدد الضحايا في الأيام التي تلت ذلك.
بالنسبة لأهالي بيجبيهارا، لم ينتهِ ذلك المساء. ملعب البلدة السابق، حيث دُفن العديد من الضحايا، يقف نصبًا تذكاريًا صامتًا لحزن مجتمع لم يُشفَ بعد.
لا يزال الآباء يتحدثون عن أبنائهم الذين دفنوهم، ولا يزال الأطفال يتذكرون آباءهم الذين لم يعودوا إلى ديارهم، ولا يزال الناجون يعيشون على ذكريات ذلك اليوم.
بعد اثنين وثلاثين عامًا، لا تزال الجراح مفتوحة لأن العدالة لم تتحقق. لم تُحاسب أي محكمة القتلة. ولم تُسفر التحقيقات الرسمية عن أي عقاب،
ولم تُترك لعائلات الضحايا سوى وعود جوفاء وتقارير راكدة. كشفت المجزرة حقيقة الحياة في ظل الاحتلال، حيث تُفرض قوانين لحماية المدنيين بدلًا من حماية من ينتهكون حقوقهم.
لم تكن مذبحة بيجبهارا حدثًا معزولًا، بل كانت جزءًا من نمط عنف أوسع نطاقًا يُرتكب بموجب قوانين تمنح القوات الهندية حصانة.
كل عام يمر دون تحقيق العدالة يُعزز الاعتقاد بأن هذه الجرائم تُغتفر لا تُعاقب. ومع ذلك، حتى في ظل هذا الصمت، لا يزال شعب كشمير يتحدث عن بيجبهارا بألم وفخر، ألمًا على الأرواح التي أُزهقت، وفخرًا بمقاومتهم المستمرة للقمع.
إن إحياء ذكرى الضحايا ليس مجرد حداد، بل هو أيضًا التزامٌ بالعدالة. فوفاتهم تُذكّر العالم بأن السلام دون محاسبة هشٌّ وزائف.
إن مذبحة بيجبيهارا أكثر من مجرد حدث تاريخي، إنها ذكرى حية تتطلب الاعتراف والعدالة. وإلى أن يُحاسب المسؤولون وتُكشف الحقيقة، سيظل صدى صرخة العدالة يتردد في أرجاء الوادي، تحملها أجيالٌ ترفض النسيان.



