
هطلت أمطار غزيرة غير مسبوقة على جنوب كشمير، لتتحول إلى فيضانات مفاجئة غمرت الحقول وأتلفت المزروعات.
لم يكن المشهد في منطقة إسلام آباد مألوفًا للمزارعين الذين اعتادوا رؤية خضرة الأرز والذرة، إذ استيقظوا ليجدوا مساحات شاسعة من أراضيهم وقد تحولت إلى بحيرات راكدة.
في غضون أيام قليلة، تبدل المشهد الزراعي. المياه اجتاحت القرى، جرفت قنوات الري، وأغرقت الحقول التي كانت على وشك أن تُدرّ ثمارها.
الأرقام التي أعلنتها كشمير للخدمات الإعلامية كانت صادمة: أكثر من 2800 هكتار من الأراضي الزراعية تضررت، منها 2200 هكتار من الأرز، المحصول الذي يمثل شريان الغذاء والدخل لآلاف الأسر.
في القرى المنخفضة، كان الوضع أكثر مأساوية. الحقول غمرتها المياه لأيام متواصلة، وتحوّلت سنابل الأرز إلى كتل طينية بلا قيمة.
مزارعون أكدوا أن الخسائر في بعض المواقع بلغت 100%، بينما في المناطق العليا، واجهت محاصيل الذرة والخضراوات مصيرًا مشابهًا بفعل الانجرافات والسيول.
المسؤول الزراعي شهنازواز أحمد شيه تحدث بمرارة أمام وسائل الإعلام: “ما بين 27 أغسطس و3 سبتمبر، فقدنا ما يقارب 2800 هكتار من الأراضي. نحن نواصل التقييم، لكن الصورة قاتمة.
بعض المزارعين مشمولون في التأمين الزراعي، لكن كثيرين خارج النظام، وهو ما يضاعف معاناتهم.”
المشهد لم يتوقف عند حدود الزراعة. الفيضانات تركت آثارًا اجتماعية واقتصادية عميقة. العائلات التي فقدت محاصيلها أصبحت مهددة بفقدان مصدر رزقها الوحيد. الأسواق المحلية شهدت بالفعل ارتفاعًا في أسعار الخضراوات والأرز، وسط مخاوف من أزمة غذائية قادمة.
الخبراء يرون أن ما حدث يكشف هشاشة القطاع الزراعي في كشمير أمام التغيرات المناخية. فالمزارعون يعتمدون على أنظمة ري قديمة، والبنية التحتية لا تقوى على مواجهة الأمطار الغزيرة. الخبير الاقتصادي محمد أكرم وصف الأمر بأنه “ناقوس خطر”.
محذرًا من أن الحكومة إن لم تستثمر في شبكات صرف حديثة وتأمين شامل للمزارعين، فإن الكوارث المقبلة ستكون أكثر تكلفة.
إلى جانب ذلك، حذر باحثون زراعيون من أن خسائر الأرز وحدها قد تضطر الحكومة إلى زيادة واردات الحبوب لتلبية الطلب المحلي، وهو ما سيشكل عبئًا إضافيًا على الميزانية في وقت يواجه فيه الاقتصاد ضغوطًا متزايدة.
في القرى، تزداد المخاوف. المزارعون الذين اعتادوا جني محاصيلهم في هذا الوقت من العام، باتوا يواجهون مستقبلًا ضبابيًا. بعضهم يفكر في الهجرة بحثًا عن عمل بديل، بينما آخرون يعلقون آمالهم على التعويضات الحكومية التي وعدت بها السلطات.
ورغم أن الحكومة أكدت أنها ستقدم دعمًا ماليًا للمتضررين، إلا أن حجم الكارثة يثير تساؤلات: هل تكفي التعويضات لإعادة بناء ما دمرته الفيضانات؟ وهل يملك المزارعون القدرة على استصلاح الأراضي مجددًا قبل الموسم القادم؟
الجواب ما زال مجهولًا، لكن المؤكد أن فيضانات جنوب كشمير لم تكن مجرد كارثة طبيعية عابرة، بل جرس إنذار قاسٍ حول العلاقة المهددة بين المناخ والزراعة.
ما بين الحقول التي تحولت إلى برك ماء، والأسر التي فقدت قوتها، يقف آلاف المزارعين على حافة انتظار طويل، بين وعود التعويضات وخشية موسم آخر من الخسائر.