تشهد باكستان منذ أواخر أغسطس 2025 فيضانات كارثية اجتاحت مناطق واسعة في وسط البلاد، نتيجة أمطار موسمية غزيرة وانهيارات سحابية مفاجئة، إضافة إلى إطلاق كميات كبيرة من المياه من السدود الهندية المجاورة.
وقد أدت هذه الكارثة الطبيعية إلى أزمة إنسانية واسعة النطاق، حيث وجد ملايين المواطنين أنفسهم أمام ظروف صعبة وتهديدات مباشرة لحياتهم وممتلكاتهم.
نزوح جماعي وأضرار بشرية جسيمة
أعلنت السلطات الباكستانية أنه تم إجلاء أكثر من 122 ألف شخص خلال ليلة واحدة فقط في منطقة جلالبور بيروالا بولاية البنجاب، بينما بلغ العدد الإجمالي للمتضررين من الفيضانات حوالي 2.2 مليون نسمة في مختلف الأقاليم.
ووفقًا لآخر الإحصاءات الرسمية، فقد غمرت المياه أكثر من 3,900 قرية في 26 مقاطعة، وأسفرت الكارثة عن مصرع ما لا يقل عن 61 شخصًا، إضافة إلى إصابة المئات، وانهيار آلاف المنازل الطينية.
تدخل الجيش وعمليات الإنقاذ
تشارك القوات المسلحة الباكستانية في جهود الإغاثة والإنقاذ بشكل واسع، حيث قامت بتسيير طائرات استطلاع، ومروحيات إجلاء، وطائرات مسيرة لرصد حركة المياه وتوجيه الفرق الميدانية.
كما تم إنشاء مخيمات إيواء مؤقتة لاستقبال النازحين، وتقديم المساعدات الغذائية والطبية العاجلة.
وأكدت الحكومة أن عمليات الإنقاذ ستستمر في المناطق المنكوبة، مع التركيز على توفير المياه النظيفة ومنع انتشار الأوبئة، خصوصًا في ظل ارتفاع درجات الحرارة بعد انحسار السيول.
البنية التحتية والزراعة في خطر
تسببت الفيضانات في تدمير واسع للطرق والجسور وانقطاع شبكات الكهرباء والاتصالات في عدة مقاطعات، ما زاد من صعوبة الوصول إلى بعض القرى النائية.
كما تضررت مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية في البنجاب وسند، وهما من أهم المناطق المنتجة للحبوب والخضروات في البلاد.
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تؤدي هذه الخسائر إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية خلال الأشهر المقبلة، مما سيزيد الضغط على الأسر الفقيرة التي تعاني بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم.
دعوات لدعم دولي عاجل
في ظل ضخامة حجم الكارثة، دعت الحكومة الباكستانية المجتمع الدولي ومنظمات الإغاثة إلى تقديم مساعدات عاجلة تشمل الأدوية، معدات تنقية المياه، والخيام، إلى جانب الدعم المالي لإعادة تأهيل البنية التحتية المتضررة.
وأكد مسؤولون محليون أن حجم الأضرار يتجاوز قدرات الدولة وحدها على المعالجة السريعة، وأن التعاون الدولي ضروري لتقليل حجم المعاناة.
أزمة متكررة بفعل تغيّر المناخ
تُعد هذه الفيضانات حلقة جديدة في سلسلة الكوارث الطبيعية التي تضرب باكستان بشكل متكرر في السنوات الأخيرة، حيث تُعتبر البلاد من أكثر الدول عرضة لتأثيرات التغير المناخي.
الخبراء يحذرون من أن شدة الأمطار الموسمية وتكرار الانهيارات السحابية وذوبان الأنهار الجليدية في الشمال باتت تشكل تهديدًا دائمًا لحياة ملايين السكان.
تواجه باكستان اليوم تحديًا إنسانيًا ومناخيًا خطيرًا مع نزوح أكثر من مليوني شخص وتدمير آلاف القرى. وبينما تواصل الحكومة والجيش جهود الإنقاذ، يبقى مستقبل مئات الآلاف من الأسر مرهونًا بمدى سرعة الاستجابة المحلية والدولية.
الكارثة تذكير صارخ بضرورة الاستثمار في البنية التحتية المقاومة للمناخ ووضع خطط طوارئ أكثر فعالية لمواجهة الأزمات المقبلة.