
تتواصل في جامو وكشمير المحتلة سياسة قمعية ممنهجة تستهدف الأرض والإنسان معًا، حيث تمضي سلطات نيودلهي في مصادرة ممتلكات السكان المحليين تحت ذرائع قانونية ملفقة، في مسعى واضح لإحكام السيطرة وتغيير البنية الديموغرافية للإقليم.
ومنذ إلغاء الوضع الخاص لكشمير في 5 أغسطس 2019، تسارعت وتيرة هذه الإجراءات، لتتحول إلى أداة استراتيجية بيد حكومة ناريندرا مودي تهدد هوية الإقليم ومستقبله السياسي
حيث شهد إقليم جامو وكشمير المحتلة من قبل الهند تصعيدًا خطيرًا في سياسات الاستيلاء على أراضي وممتلكات السكان المحليين، وسط إدانات حقوقية متزايدة واتهامات لنيودلهي بانتهاج نهج استيطاني ممنهج يهدف إلى تغيير الهوية الديموغرافية للإقليم.
مصادرة جديدة في بونش
ذكرت كشمير للخدمات الإعلامية أن قوات الشرطة الهندية في منطقة بونش صادرت مساحة تقدَّر بـ سبعة مارلا من الأراضي المملوكة للمواطن محمد أعظم، أحد سكان شابريان في ماندي تيسيل.
وبررت السلطات هذه الخطوة باتهامه بكونه “مجرمًا معلنًا”، في خطوة وصفها الأهالي بأنها مجرد ذريعة قانونية ملفقة لتشريع عمليات النهب.
يقول ناشطون محليون إن مثل هذه الممارسات تتكرر بوتيرة متزايدة، حيث يتم استهداف الأراضي الزراعية والمنازل وحتى المحال التجارية تحت غطاء قوانين استثنائية يُطلق عليها الكشميريون “القوانين السوداء”.
ما بعد أغسطس 2019: نقطة التحول
شكّل تاريخ 5 أغسطس 2019 منعطفًا تاريخيًا في معاناة الكشميريين، عندما ألغت حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي المادة 370 من الدستور التي كانت تمنح الإقليم حكمًا ذاتيًا محدودًا.
ومنذ ذلك اليوم، شرعت نيودلهي في سنّ سلسلة من القوانين التي سهلت على غير الكشميريين شراء الأراضي والاستقرار في الإقليم.
هذا القرار مثّل وفق خبراء البوابة القانونية لفرض واقع استيطاني جديد، حيث لم تعد الأراضي محمية بموجب القوانين السابقة، وأصبح السكان المحليون عرضة لمصادرة ممتلكاتهم بذريعة الأمن أو عبر اتهامات ملفقة.
هدف معلن: إعادة رسم الخريطة الديموغرافية
يرى المراقبون أن الهدف الأساسي من هذه السياسات هو تغيير الهوية السكانية لكشمير عبر تشجيع توطين غير الكشميريين في الإقليم، ما يضمن لنيودلهي السيطرة الدائمة على المنطقة حتى في حال إجراء استفتاء مستقبلي على تقرير المصير.
وقد حذرت منظمات حقوقية دولية من أن هذه الإجراءات تندرج ضمن سياسات استعمارية واستيطانية تتعارض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التي تؤكد حق الكشميريين في تقرير مصيرهم.
تداعيات إنسانية واجتماعية
عمليات المصادرة لا تقتصر على خسارة الملكية فقط، بل تؤدي إلى تشريد عائلات كاملة وحرمانها من مصدر رزقها الأساسي، خاصة أن غالبية السكان يعتمدون على الزراعة والتجارة المحلية.
يقول أحد الناشطين الحقوقيين في سريناغار: “كل مصادرة جديدة هي ضربة قاسية للهوية الكشميرية، فالأرض هنا ليست مجرد ملكية مادية، بل هي جزء من الانتماء والذاكرة الجمعية.”
كما أدت هذه السياسات إلى تفاقم الشعور بالظلم والاغتراب بين السكان، ما يزيد من حدة التوترات ويدفع المزيد من الشباب إلى الانخراط في الاحتجاجات أو الحركات المناهضة للاحتلال.
الصمت الدولي والازدواجية
رغم وضوح الانتهاكات، يظل الموقف الدولي حذرًا ومترددًا، إذ غالبًا ما تصدر بيانات تنديد عامة دون اتخاذ خطوات عملية لوقف هذه السياسات. ويرجع محللون ذلك إلى المصالح الاقتصادية والسياسية التي تربط الدول الكبرى بالهند، باعتبارها سوقًا ضخمة وشريكًا استراتيجيًا في مواجهة الصين.
ومع ذلك، فإن تصاعد التقارير الحقوقية من منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية قد يضع ضغوطًا إضافية على المجتمع الدولي لعدم تجاهل ما يحدث في كشمير.
المقاومة مستمرة
على الرغم من هذه الإجراءات القمعية، يواصل الكشميريون نضالهم للحفاظ على هويتهم وحقوقهم. إذ تشهد القرى والمدن احتجاجات متكررة، كما تستمر المنظمات المحلية في توثيق الانتهاكات ونقلها إلى العالم الخارجي.
ويؤكد ناشطون أن محاولات الهند طمس الهوية الكشميرية ستفشل، لأن جذور الصراع ليست فقط في الأرض، بل في الإرادة الشعبية الرافضة للاحتلال والتمسك بالحق التاريخي في تقرير المصير.
يرى خبراء قانونيون وسياسيون بارزون أن سياسة مصادرة الأراضي المتسارعة في جامو وكشمير بعد إلغاء الوضع الخاص للإقليم في 5 أغسطس 2019 لا تمثّل مجرد إجراءات أمنية، بل هي جزء من خطة استيطانية ممنهجة تهدف إلى تغيير البنية الديموغرافية للإقليم، وتمهيداً لفرض السيطرة المتزايدة.
يشدد الأستاذ شيخ شوكت حسين، الباحث الحقوقي والقانوني المعروف، على أن التعديلات التشريعية التي أُقرّت بعد إلغاء المادة 370 تشمل تسهيلات لغير السكان الأصليين في شراء الأراضي، ما يمثّل جرحاً عميقاً في هوية وسلطة المجتمع المحلي.
تذهب الناشطة الأكاديمية شهلا رشيد إلى أبعد من ذلك، فتشير إلى استخدام قوانين مثل Sarfaesi (الخاصة بإعادة هيكلة الأصول المالية) كأداة لنهب ممتلكات الكشميريين: “الأرض تُعرض أمام من هم ليسوا من السكان الأصليين… هذا هو المخطط الكبير للاستيلاء على الأرض.”
ويعتبر خيرام بارفيز، الناشط الحقوقي في كشمير، أن الدافع الحقيقي وراء إلغاء الوضع الخاص لم يكن تحقيق التنمية كما تم ترويجه، بل هو ببساطة لمنح صلاحيات أوسع للحكومة الهندية تجاه أراضي الإقليم بهدف تغيير طبيعته الديموغرافية.
ما يجعل هذه الآراء قوية وموثوقة؟
تناغم في التقييم: رغم اختلاف الخلفيات المهنية (قانوني، ناشط أكاديمي، ومدافع حقوقي)، إلا أن جميعهم يشيرون إلى أن هذه الإجراءات تمثل محاولة ممنهجة للسيطرة على الأرض والحكم على حساب السكان الأصليين.
دعم من مصادر متعددة: تحليل الأستاذ حسين مستند إلى مصادر قانونية وتاريخية، وعرض رشيد مبني على جانب مالي وقانوني تقني، بينما بارفيز يعكس وجهة نظر حقوقية وشعبية.
الإطار الزمني والسياسي واضح: الجميع يربط التراجع في الحماية القانونية بالسياق الزمني بعد 5 أغسطس 2019، مما يرسّخ الواقعية والدقة.