سلايدرمقالات

بعد حربها الأخيرة مع الهند.. باكستان أكثر جرأة الآن

عمير جمال

ساد هدوء متوتر على طول الحدود الباكستانية الهندية مع صمود وقف إطلاق نار هشّ بعد أيام من المعارك الجوية العنيفة والضربات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة.

ويراقب العالم بارتياح انتهاء إحدى أخطر المواجهات بين الخصمين النوويين.

ويعتقد كثيرون في المجتمع الدولي أن كلا البلدين قد تجنبا «حربًا نووية» بأعجوبة.

في حين أنه من السابق لأوانه الجزم بما إذا كان وقف إطلاق النار المتفق عليه حديثا سوف يصمد في الأيام والأسابيع المقبلة،

فإن الاشتباكات الأخيرة شجعت باكستان بوضوح في العديد من النواحي التي قد لا تفهمها القيادة السياسية في الهند.

هناك العديد من الأسباب التي تدفعنا إلى الاعتقاد بأن قرار الحكومة الهندية بمهاجمة باكستان قد ارتد على نيودلهي بطرق لم تتضح بعد.

باكستان مستعدة لتحمل الضربات.. والرد بعزم أكبر

أولاً، يبدو أن التبادل العسكري الذي استمر ثلاثة أيام قد أحدث تحولاً واضحاً في ثقة الجمهور بباكستان.

فقد أظهر هذا الحدث استعداد باكستان لتحمل الضربات والرد بعزم أكبر.

لقد جمع هذا الحادث الأمة الباكستانية، شعبًا وحزبًا سياسيًا على اختلاف توجهاتهم.

فبعد أن مرّت باكستان بمرحلة سياسية عصيبة خلال السنوات القليلة الماضية، أظهرت وحدةً ملحوظةً في مواجهة الهجوم الهندي.

ولعلّ هذه الوحدة، وهذا الحماس الجديد للصمود في وجه تهديد خارجي أكبر، يدفع القيادة الباكستانية نحو اتخاذ قرارات حوكمة أفضل، ويعزز عزم البلاد الدفاعي.

جيش باكستاني قوي

ثانيًا، ازدادت شعبية الجيش الباكستاني بشكل غير مسبوق. على مدار السنوات القليلة الماضية،

أفرزت السياسة الداخلية الباكستانية جيشها القوي صورةً مثيرةً للجدل.

لكن الوضع تغير الآن. فالشعب والقيادات السياسية كافة يدركون الآن، أكثر من أي وقت مضى، حاجتهم إلى تعزيز قواتهم المسلحة،

إذ إن التهديد الحقيقي لسيادة البلاد يأتي من الهند، الجارة الشرقية لباكستان.

لم يكن من السهل على باكستان الرد على وابل الهجمات الهندية على مدنها.

فبينما كانت القيادة العسكرية تتداول ردها المحتمل، كانت الهند تغرق المجال الجوي الباكستاني بالطائرات المسيرة والصواريخ لإجبار البلاد على ارتكاب خطأ.

علاوة على ذلك، وُجّهت ضغوط دولية هائلة على باكستان لتجنب ردّها الانتقامي على الهند.

وقد تعاملت القيادة العسكرية مع هذه الضغوط واستجابت لها،

مُرسلةً إشارةً إلى الحكومة الهندية بأنها لن تسمح لها بفرض حرب على باكستان دون عواقب وخيمة.

هل ترتدع الهند؟

ثالثًا، تراجعت فكرة فرض الهند «وضعًا طبيعيًا جديدًا» على باكستان بشكل ملحوظ.

فمن وجهة نظر الحكومة الهندية، سيقابل أي هجوم إرهابي في منطقة كشمير بهجمات في باكستان.

ومع ذلك، يرجّح أن يكون لهذا التفكير نتائج عكسية على مخططي نيودلهي.

ويُقال إن باكستان ردّت على الوضع الطبيعي الجديد للهند بانتقامها الهائل، أو ما يُعرف بـ«الوضع الطبيعي الجديد المعزز»،

مستهدفةً المدن الهندية والقواعد الجوية ومراكز القيادة والمواقع اللوجستية والعديد من المواقع العسكرية في جامو وكشمير المحتلة.

على أي حال، فقد أرست باكستان وضعًا طبيعيًا جديدًا مع الهند، مما يشير إلى أنها سترد على أفعالها بعزم وقوة عسكرية.

إن فكرة سعي المخططين الهنود إلى إرساء «وضع طبيعي جديد» مع باكستان فكرة فاشلة،

إذ قد تؤدي إلى اشتعال حرب بين القوتين النوويتين أسبوعيًا أو شهريًا في حال وقوع أي حادث في كشمير.

انتصارًا دبلوماسيًا هائلًا

رابعًا، حققت باكستان انتصارًا دبلوماسيًا هائلًا في هذه المناوشة العسكرية الأخيرة مع الهند.

هناك شعور في إسلام آباد بأن نهجها في التعامل مع الأمور بنضج، بما في ذلك المطالبة بتحقيق محايد في هجوم بَهَلْغام،

وضبط النفس تجاه استفزازات الهند، والتصرف دفاعًا عن النفس فقط، قد أكسبها احترام المجتمع الدولي.

واشنطن تنحاز لإسلام آباد أكثر من نيودلهي

الأهم من ذلك هو أن دور الولايات المتحدة في هذه الأزمة يُنظر إليه على أنه منحاز لباكستان أكثر من الهند.

على سبيل المثال، كرّر الرئيس دونالد ترامب عرضه للتوسط بين الهند وباكستان لحل أزمة كشمير،

مما أعاد القضية إلى الواجهة الدولية بعد سنوات طويلة. هذا بالتأكيد وضع الهند،

التي لطالما سعت إلى تجنب وساطة طرف ثالث في أزمة كشمير، في موقف حرج.

لطالما رغبت باكستان في إشراك أطراف ثالثة في تسوية نزاع كشمير مع الهند.

ولذلك، ستكون سعيدة بعرض ترامب.

علاوة على ذلك، وعد ترامب بزيادة التبادل التجاري مع كل من الهند وباكستان.

وقد يحسّن هذا الوضع التجاري والاقتصادي في باكستان.

كما أعلن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو أن الحكومتين الهندية والباكستانية اتفقتا على بدء محادثات حول مجموعة واسعة من القضايا في موقع محايد.

ويعني هذا أساسًا أن الجانبين قد يبدآن حوارًا خلال الأسابيع المقبلة حول مجموعة من القضايا،

بما في ذلك معاهدة مياه نهر السند، والإرهاب، وكشمير، وغيرها.

علاوة على ذلك، من وجهة نظر إسلام آباد، أعادت الولايات المتحدة ربط باكستان بالهند.

وبينما سعت الهند جاهدةً للتخلص من هذا الوضع، لن تمانع إسلام آباد في أن تُمنح تكافؤًا مع الهند،

إذ تريد أن يراها العالم قوةً إقليميةً وأن يمنحها وزنًا مناسبًا.

الخسائر الجوية فادحة

خامسًا، على الهند أن تُدرك أنها خلال هذه الأزمة لم تكن تواجه باكستان وحدها، بل باكستان والصين معًا.

الخسائر الجوية الفادحة التي ألحقها سلاح الجو الباكستاني بسلاح الجو الهندي، بما في ذلك طائرات رافال،

باستخدام طائرات ومنصات مقاتلة صينية، ينبغي أن تشكّل تحذيرًا شديدًا لنيودلهي.

لقد فاجأت التغطية الإعلامية والاهتمام العالمي الذي حظي به الأداء الجوي الباكستاني المفكرين الاستراتيجيين.

وسيسهم هذا التطور في تقريب الجيشين الباكستاني والصيني من بعضهما البعض في الأشهر والسنوات القادمة،

مما يُساعد إسلام آباد على سدّ أي ثغرات.

علاوة على ذلك، فإنّ القتال الدوري بين الهند وباكستان أمرٌ لا تمانعه بكين.

إنّ تركيز الهند المستمر على باكستان يتيح للصين الاطلاع على قدرات الجيش الهندي وصنع القرار الهندي

والتعرف عليها دون الانخراط في صراع مباشر مع دلهي. وهذا يمثّل انتكاسةً للهند.

الهند تحمل باكستان عمليات المقاومة في كشمير

أخيرًا، يُعدّ إعلان الهند أن كل هجوم «إرهابي» في كشمير سيُعتبر من الآن فصاعدًا “عملًا حربيًا” سياسةً خطيرة.

باتباعها هذه السياسة، تخبر الهند العالم أنها قد تخوض حربًا مع باكستان كل أسبوعين أو شهرين،

وأن على جيشها أن يبقى مستعدًا دائمًا للحرب.

إن فكرة أن الهند قد ترسي نمطًا من الهجمات الدورية على باكستان دون مواجهة ردّ متناسب ليست خاطئة فحسب، بل هي وهمٌّ خطير.

من المهم الإشارة إلى أن الهند لم تُلقِ القبض بعد على المهاجمين المتورطين في هجوم بهلغام.

علاوة على ذلك، لم تشارك الهند أي دليل على تورط باكستان مع العالم. ينبغي للهند ألا تحاول إلقاء مسؤولية إخفاقاتها الأمنية الداخلية على باكستان.

يبدو أن هناك بالفعل انزعاجًا كبيرًا في دوائر صنع القرار الهندي إزاء نهاية الاشتباكات مع باكستان. في خطابه للأمة مساء الاثنين، لم يتطرق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى دور الولايات المتحدة في وقف إطلاق النار ولو مرة واحدة.

أتيحت فرصة للجانبين للحوار. هناك اهتمام كبير لدى كبار القادة المدنيين والعسكريين في باكستان بحل الخلافات مع الهند، شريطة أن تكون نيودلهي مستعدة حقًا لحوار هادف.

عمير جمال

مراسل صحيفة الدبلوماسي، ومقره في لاهور، باكستان

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى