مقالات

مهر النساء تكتب: بَهَلْغام.. وسياسة المأساة الملائمة

أعادت مذبحة بَهَلْغام في وادي بايزاران بكشمير فتح فصلٍ مقلق في تاريخ المنطقة الطويل والدموي. تم قتل ستة وعشرون مدنيًا وجرْح ما لا يقل عن سبعة عشر آخرين في هجومٍ بدا مُدبّرًا بشكلٍ مرعب – موجّه دينيًا، وحشي، ومدبّر في توقيتٍ مريب.

وكانت الرواية الرسمية سريعة كما كان متوقعا: فقد تم توجيه اللوم عبر الحدود، وتحركت قوات الأمن ببطء، وقدم الزعماء السياسيون إدانات نموذجية.

لكن الأسئلة الأعمق – أسئلة المسؤولية والمساءلة والنمط – لا تزال مغطاة بضجيج الإعلام والخطاب القومي. لماذا يستمر هذا؟ من المستفيد؟ وكيف ساهمنا في تطبيع هذه المشاهد المميتة؟

هذه ليست المرة الأولى التي يقع فيها هجومٌ بارزٌ في كشمير في لحظةٍ سياسيةٍ حساسة.

ففي عام ٢٠١٩، أصبحت بولواما مسرحًا لتصاعدٍ وطنيٍّ قبيل الانتخابات العامة.

والآن، مع تصاعد الاستياء من فشل الحكم والضغوط الاقتصادية، توفر عمليات القتل في بَهَلْغام فرصةً مُناسبةً لتشتيت الانتباه واستعادة رصيدٍ عاطفيٍّ مُتجدد.

تحذيرات استخباراتية

وفقًا لتقارير إعلامية هندية من صحف مثل ذا هندو، وإنديان إكسبريس، وتايمز أوف إنديا، سبقت الهجوم تحذيرات استخباراتية.

وشهد سكان محليون بأن الضحايا استُهدفوا بناءً على هويتهم الدينية، إذ طُلب منهم تلاوة آيات قرآنية لإثبات إيمانهم.

مع ذلك، ورغم تشديد الإجراءات الأمنية بعد المادة 370، أفادت التقارير أن مجموعة من المسلحين تحركت دون عائق في منطقة عسكرية مكتظة بالسياح.

ويزيد الغياب المقلق لأفراد الشرطة أو الجيش خلال الهجوم من الشكوك.

ترسم روايات الناجين صورةً مروعةً للإهمال المؤسسي. نُقل المدنيون الجرحى على ظهور البغال بواسطة السكان المحليين.

وورد أن الملازم فيناي ناروال نزف حتى الموت لأكثر من 90 دقيقة، منتظرًا المساعدة التي لم تأتِ قط.

لم يكن حزن أرملته العلني شخصيًا فحسب، بل كان سياسيًا أيضًا.

لقد كشف عن التناقض الصارخ بين الوضع العسكري الهندي وجاهزيته العملياتية على الأرض.

جوهر المسألة

وهنا يكمن جوهر المسألة. هذه الهجمات، وإن كانت مأساوية من الناحية الإنسانية، إلا أنها تؤدي وظائف سياسية مهمة.

فهي تعيد إشعال الخطابات العابرة للحدود، وتخمد المعارضة الداخلية، وتحفز القاعدة القومية للحزب الحاكم.

بعد الغارات الجوية على بولواما وبالاكوت؟

بعد بولواما، شنّت الهند غارات جوية على بالاكوت، حظيت بتغطية إعلامية واسعة، ولا يزال تأثيرها الاستراتيجي محل جدل.

وتعزّز محادثات واتساب المسرّبة من مسؤول إعلامي، وهو يتباهى بالهجمات قبل بدء الغارات الجوية، هذا الاقتران المقلق بين السياسة والإعلام والعسكرة.

هذا ليس حكرًا على الهند. فلطالما استغلت حكومات العالم الأزمات لتعزيز سلطتها.

ما يثير القلق في حالة الهند هو الانتظام والإفلات من العقاب الذي يحدث في كشمير.

وكما وصف عالم الاجتماع النرويجي يوهان غالتونغ، فإن العنف الهيكلي متأصل في الأنظمة السياسية

ليس العنف في الفعل فحسب، بل في الصمت والإهمال والتشويه الذي يليه.

كشمير اليوم تعكس هذا الهيكل.

مكانٌ ينزف فيه المواطنون دون رقيب، بينما تتمتع النخب السياسية بأمنٍ منيع. مكانٌ تثير فيه كل دورة عنف موجةً من الغضب تُبثّ على التلفاز، بدلًا من التأمل الذاتي.

تظهر بيانات حكومية أن الجيش الهندي يواجه نقصًا حادًا في القوى العاملة – أكثر من 100 ألف جندي، من بينهم 8400 ضابط.

تباطأ التجنيد خلال الجائحة، وزادت تخفيضات الميزانية الطين بلة.

ومع ذلك، لا يُصوَّر هذا الأمر للعامة على أنه فشل في قدرة الدولة، بل يُخفى تحت ستار مناشدات القومية.

إن عمليات القتل في بَهَلْغام تكشف عن فساد أعمق.

تراجع الديمقراطية في الهند

شهدت الهند بعد عام ٢٠١٤ تآكلًا مطردًا في الضمانات الديمقراطية.

بعد هجمات مومباي عام ٢٠٠٨، استقال كبار المسؤولين بسبب ثغرات أمنية.

لم تحاسب أيٌّ من هذه الجهات بعد أحداث بولواما، ولم تحاسب أيٌّ منها بعد أحداث بَهَلْغام.

بدلًا من ذلك، نشهد تعتيمًا إعلاميًا، وقطعًا للبثّ الصحفي، وتهميشًا للناجين من خلال الموسيقى الوطنية وحلقات النقاش المُحرِّضة على الحرب.

هذا ليس مجرد سوء إدارة، بل هو قمع متعمد للتدقيق. عندما يتساءل الأطفال عن سبب وقوع هجوم كهذا قرب قاعدة عسكرية ولا يتلقون إجابة صادقة، فإن ذلك يُشير إلى وجود خلل في النسيج الديمقراطي.

هناك بعد دولي أيضًا.

فتصوير كشمير كساحة معركة للإرهاب العابر للحدود يُساعد الهند على الظهور عالميًا كضحية لا كقوة احتلال.

فهو يحشد الدعم الدبلوماسي، ويبرر التصعيد العسكري، ويُنزع الشرعية عن المقاومة الكشميرية.

كما يحوّل الحوار العالمي بعيدًا عن الانتهاكات الدستورية، ومخاوف حقوق الإنسان، وتدهور الديمقراطية.

لكن التكلفة الأخلاقية باهظة. فعندما تستغل الدول المأساة لتحقيق مكاسب تكتيكية، فإنها تنتهك مفهوم الأمن العام.

وتسخّر الضحايا كسلاح، وتهمل المواطنين كأضرار جانبية.

في مثل هذا الوضع، تفقد حتى أبسط المعايير – مثل حظر اتفاقيات جنيف لاستهداف المدنيين – معناها.

تعزيز الشرعية الداخلية

هناك منطق استراتيجي وراء هذا، بالطبع. فقد لاحظ المنظرون السياسيون، من تشالمرز جونسون إلى باري بوزان،

كيف تلجأ الأنظمة التي تتعرض للضغوط غالبًا إلى أعداء خارجيين وإلى الإفراط في التأميم لتعزيز شرعيتها الداخلية.

في الهند اليوم، حيث يتفاقم التضخم، وترتفع البطالة، ويتفاقم اليأس في المناطق الريفية، يصبح كل «حادث» فرصةً لصرف الانتباه.

انظر إلى النمط: أمارناث (2017)، وسونجوان (2018)، وبولواما (2019)، وبونش-راجوري (2023)، وريسي (2024)، والآن بَهَلْغام.

نادرًا ما يتغير السيناريو.

قد يختلف الجناة في هويتهم ومكانهم، لكن النتائج تبقى ثابتة بشكل مخيف – حزن عام، وإفلات من العقاب من الدولة، وربح سياسي.

ونحن نواجه الآن سؤالا حاسما: ليس فقط من ارتكب هذه الأفعال، بل من يستفيد منها باستمرار؟

إلى أن تواجه الهند هذا السؤال بصراحة، ستبقى كشمير أسيرة دوامة سفك الدماء واللوم، وشعبها رهينة مسرحية سياسية أوسع.

وكما حذرت حنة أرندت، فإن الخطر الحقيقي لا يكمن في الاستبداد المُبالغ فيه،

بل في تطبيع القسوة – القبول الصامت بالشر المُغلف بالأعلام والأناشيد والعروض التلفزيونية في أوقات الذروة.

مهر النساء هي رئيسة قسم البحوث وحقوق الإنسان في معهد كشمير للعلاقات الدولية إسلام آباد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى