مقالات

لماذا تتقدم الدول.. وتكافح باكستان؟

بدون تبني التصنيع والتنويع والمؤسسات القوية، فإننا نخاطر بالهشاشة الدائمة

خلال الحقبة الاستعمارية، اعتقد الخبراء أن القوى الاقتصادية الحقيقية تكمن في منطقة البحر الكاريبي وأمريكا اللاتينية، بينما اعتُبرت أمريكا الشمالية ضئيلة الأهمية نسبيًا.

حتى الفيلسوف فولتير وصف الصراع البريطاني الفرنسي على كندا بأنه معركة على «بضعة أفدنة من الثلج».

في ذلك الوقت، بدت أراضٍ مثل غوادلوب أكثر قيمة بكثير من الأراضي الشاسعة الباردة في كندا والولايات المتحدة.

إلا أن التاريخ سار على نحو مختلف؛ إذ تفوقت أمريكا الشمالية في نهاية المطاف على نظيراتها الجنوبية في النمو الاقتصادي والازدهار.

ويبقى السؤال: لماذا تخلفت المناطق الغنية سابقًا عن الركب؟

تظهر التجارب التاريخية للدول الناجحة عدة عوامل رئيسية تفسر النجاح الاقتصادي طويل الأمد، لا سيما فيما يتعلق بنمو دخل الفرد، والنمو الاقتصادي المستدام، والتنمية الاقتصادية الأوسع.

وهي كما يلي:

أولاً، لعب التصنيع والتقدم التكنولوجي دوراً حاسماً.

ففي العديد من الاقتصادات الناشئة، خلقت هذه القوى فرص عمل جديدة ووسّعت فرص الحصول على التعليم، مما ساهم في بناء طبقة متوسطة مزدهرة.

ثانيًا، يعدّ تعقيد وتنوع اقتصاد التصدير في أي دولة مؤشرين قويين على قاعدتها المعرفية وخبراتها الأساسية.

وتعكس قدرة الدولة على إنتاج وتصدير سلع وخدمات عالية القيمة قدراتها التكنولوجية،

وتطورها الصناعي، ومهاراتها المتخصصة، وهي عوامل تتجاوز مجرد مقاييس رأس المال البشري.

ثالثًا، الاقتصادات التي تعتمد اعتمادًا كبيرًا على عدد محدود من الموارد الطبيعية أكثر عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي والفساد السياسي.

وغالبًا ما تواجه الدول المعتمدة على الموارد تحديات حوكمة، مما يصعّب تحقيق النمو المستدام.

رابعًا، يلعب هيكل اقتصاد الدولة، سواءً كان رسميًا أم غير رسمي، دورًا هامًا في التنمية.

ففي الاقتصادات المنظمة جيدًا، تعزز الأطر القانونية والمؤسسية الواضحة الشفافية والمنافسة والعدالة.

أما في البلدان ذات المؤسسات الضعيفة، فغالبًا ما يزدهر الاقتصاد غير الرسمي،

مما يؤدي إلى نشوء أسواق سوداء وأنشطة تجارية غير مسجلة.

ورغم أن الأسواق غير الرسمية قد توفر راحة قصيرة الأجل للأفراد، فإنها في نهاية المطاف تعمل على تقويض التنمية الاقتصادية من خلال خفض الإيرادات الضريبية، وتثبيط الاستثمار، وتعزيز التفاوت.

أخيرًا، لعلّ قوة مؤسسات الدولة هي العامل الأهم في النجاح الاقتصادي على المدى الطويل.

فالمؤسسات تشكّل «قواعد اللعبة»، مؤثرةً على التفاعلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

وكما جادل الاقتصادي دوغلاس نورث (1990)، فإن المؤسسات القوية تولّد حوافز تقلّل من عدم اليقين وتعزّز الكفاءة، مما يُؤدي إلى النمو الاقتصادي.

وتتراوح هذه المؤسسات بين الأنظمة القانونية والتنظيمية الشاملة وآليات محدّدة،

مثل البنوك المركزية المستقلة، وقوانين الموازنة المتوازنة، والاتفاقيات التجارية،

وكلها تلعب أدوارًا حاسمة في تعزيز الاستقرار والازدهار الاقتصاديين.

في نهاية المطاف،

لم يكن صعود الدول المتقدمة إلى الهيمنة الاقتصادية محض صدفة تاريخية.

بل يعزى نجاحها إلى مزيج من التصنيع، والتنويع الاقتصادي، والمؤسسات القوية، واقتصاد السوق المُنظّم جيدًا.

هذه هي العوامل التي كافحت العديد من الدول الغنية بالموارد الطبيعية من أجل تطويرها.

ستستمر هشاشة الاقتصاد الباكستاني وتحدي تحقيق نجاح اقتصادي طويل الأمد -لا سيما فيما يتعلق بنمو دخل الفرد،

والنمو الاقتصادي المستدام، والتنمية الاقتصادية الشاملة- إلى أجل غير مسمى في غياب هذه السمات.

ويستمر الاعتماد الكبير على الزراعة والموارد الطبيعية الأخرى، على الرغم من الحقيقة الراسخة بأن لهذه الموارد علاقة سلبية مع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي.

لم تشهد باكستان بعدُ تحولاً هيكلياً تقليدياً، وهو محركٌ أساسيٌّ للنمو الاقتصادي يحوّل النشاط الاقتصادي من قطاعاتٍ منخفضة الإنتاجية إلى قطاعاتٍ عالية الإنتاجية.

عادةً ما تحوّل هذه العملية الموارد من الزراعة إلى قطاع المنسوجات، تليها صناعاتٌ أكثر تطوراً مثل تصنيع الإلكترونيات والآلات.

صادرات المنسوجات الباكستانية

مع ذلك، ظلت حصة باكستان في السوق العالمية من صادرات المنسوجات راكدةً على مدى العقد الماضي،

ولم يكتسب قطاعا الإلكترونيات والآلات زخماً بعد، مما حدّ من نمو الدخل الإجمالي.

على مدى السنوات الخمس الماضية، كان قطاع النسيج هو المحرك الرئيسي لنمو صادرات باكستان.

إلا أن هذا النمو لم يكن نتيجةً لمجرد العمل في صناعة عالمية مزدهرة، بل نتيجةً لزيادة حصة باكستان في سوق المنسوجات.

يتطلب النمو الاقتصادي المستدام تنويعًا في المنتجات الجديدة التي تزداد تعقيدًا.

منذ عام 2007، طرحت باكستان 25 منتجًا جديدًا، مما ساهم في زيادة دخل الفرد بمقدار 5 دولارات أمريكية بحلول عام 2022.

ومع ذلك، فرغم نجاح البلاد في تنويع اقتصادها، إلا أن حجم إنتاج هذه المنتجات الجديدة لا يزال محدودًا جدًا بحيث لا يحقق نموًا ملحوظًا في الدخل.

إن النمو السكاني، وتصاعد مستويات الفقر، وارتفاع إجمالي الدين وخدمته، والنظام الضريبي الجائر،

والاعتماد التاريخي على التحويلات المالية والمنسوجات والزراعة وصادرات السلع، لن تُحدث التغييرات اللازمة لازدهار الاقتصاد على المدى الطويل.

ونتيجةً لذلك، ستستمر الهشاشة ما لم تُعتمد ممارسات وتجارب الدول الناجحة بفعالية، جوهريًا ومعنويًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى