ضابط استخبارات.. وازدواجية السياسة الهندية في كشمير

د. وليد رسول
لطالما كان صراع كشمير مسرحًا لتقاطع الأيديولوجيا والاستراتيجية وقوة الدولة الهندية الخام، ويتجلى ذلك جليًا من خلال منظور جهاز الاستخبارات الهندي.
وفي قلب هذه الشبكة تكمن شخصية أ.س. دولات، الرئيس السابق لجناح البحث والتحليل الهندي (RAW)، الذي تكشف كتبه وتعليقاته العامة عن التعقيدات المتعددة لنهج نيودلهي تجاه كشمير.
يعكس مسار أ.س. دولات، من ضابط استخبارات إلى مفكر استراتيجي مخضرم، سياسة مزدوجة مُصممة بعناية في كشمير، حيث يتوازن قبضة الدولة الحديدية مع قفاز المشاركة المخملي.
يعمل هذا النهج بالتزامن:
فبينما يفرض أحد أذرع المؤسسة الهندية إجراءات صارمة، يظهر الآخر صورة أكثر ليونة، من خلال بناء العلاقات، وإدارة المشاعر، وإجراء دبلوماسية سرية.
وقد أصبح هذا التوليف بين القوة الصارمة والناعمة سمةً مميزةً لاستراتيجية الهند في كشمير – وهو نهج يتطلب دقة تكتيكية وعمقًا استراتيجيًا.
وكان أثره المباشر هو إحداث انقسامات داخل مؤتمر الحريات لجميع الأحزاب.
فقد انقسمت المجموعة بشكل خفي: وُصف أحد الفصائل بأنه «متشدد»، بينما وُصف الآخر بأنه «معتدل».
أعقب هذا الانقسام المُدبر اجتماعٌ حظي بتغطية إعلامية واسعة بين ما يُسمى بقادة حزب الحرية المعتدلين ورئيس الوزراء أتال بيهاري فاجبايي في يناير 2004.
وتتضح نتيجة هذا اللقاء لأي مراقب دقيق لديناميكيات السلام في المنطقة:
فقد أسفر عن مبادرات رمزية، لكنه لم يُسفر عن حلٍّ جوهري، وفي الوقت نفسه، أضعف صوت المقاومة الكشميرية الموحد.
كان دولات، كان دولات، وهو ضابط في الخدمة بالشرطة الهندية، متغلغلاً بعمق في جهاز الاستخبارات الهندي.
عندما تم التلاعب بالديمقراطية الهندية في كشمير واندلعت الثورة في التسعينيات.
وبصفته المدير المشارك لمكتب الاستخبارات في كشمير خلال هذه الفترة، سرعان ما أدرك الفرق بين المكاسب التكتيكية قصيرة المدى والأهداف الاستراتيجية طويلة المدى.
بينما كانت القوات الهندية تقاتل المجاهدين على أرض كشمير، ركز دولات على إعادة بناء شبكة الاستخبارات هذه المرة من خلال ضم أعضاء موالين من الأقلية الكشميرية إلى جهاز المخابرات الهندي، لا سيما بعد تآكل شرطة جامو وكشمير التي تقودها الأغلبية.
كانت هذه أول خطوة استراتيجية لدولات – استعادة شبكة الاستخبارات باستخدام موارد محلية.
يسلّط الضوء على هذا في كتابه الأول «سنوات فاجبايي»، حيث يشيد بالضباط الكشميريين الأصليين باعتبارهم المهندسين المجهولين لإحياء الاستخبارات الهندية في وادي كشمير.
تطبيق التفكير الاستقرائي
بصفته رئيسًا لجهاز الاستخبارات الخارجية من عام 1999 إلى عام 2000، ولاحقًا كمستشار لشؤون كشمير في مكتب رئيس الوزراء (2001-2004) تحت قيادة أتال بيهاري فاجبايي،
عمل دولات مع إمكانية الوصول إلى البيانات الأولية، مما سمح له بتطبيق التفكير الاستقرائي القائم على الحقائق الميدانية،
وهو أمر يفتقر إليه معظم الأكاديميين والمحللين، حيث يعتمدون غالبًا على المصادر الثانوية والعواطف.
جعلته معرفته الدقيقة بالعواطف والملامح النفسية للشعب الكشميري قادرًا بشكل فريد على إدارة كل من التمرد والإدراك.
وعلى الرغم من صورته العامة الناعمة ونثره البليغ، لم تكن أساليب دولات خالية من الأجندة أبدًا.
يمكن وصفه بأنه أفضل جاسوس فكري؛ خبير في التلاعب بالروايات والعواطف أثناء بناء شبكات نفوذ سرية.
لقد أقام علاقات وثيقة مع الدكتور فاروق عبد الله وعائلة الشيخ، مما خلق وهم الصداقة بينما كان يوجه الخطاب السياسي بمهارة.
في كتابه الأخير «الجاسوس ورئيس الوزراء»، يكشف دولات أن الدكتور فاروق عبد الله التقى رئيس الوزراء مودي قبل أسابيع من إلغاء المادة 370، وهو حدث أنكره الدكتور عبد الله علنًا حتى كشفه دولات.
تكشف هذه الاكتشافات كيف استخدم دولات علاقاته الشخصية كأصول استراتيجية، مستغلًا إياها أولًا لتحقيق مكاسب استخباراتية، ثم لبناء سردية عامة من خلال كتبه.
تقويض المقاومة ودمج كشمير في الهند
في حين أن لغة دولات دبلوماسية وأدواته نفسية، إلا أن جوهر مهمته يتماشى مع أهداف حزب بهاراتيا جاناتا؛ تقويض المقاومة، ودمج كشمير في الاتحاد الهندي، وتحييد الأصوات الانفصالية. يكمن الاختلاف في المنهجية، لا في الأيديولوجية.
يمثل أ. س. دولات وحزب بهاراتيا جاناتا نهجين لنفس العقيدة:
الإدارة المركزية للإرادة السياسية في كشمير.
فبينما يعتمد حزب بهاراتيا جاناتا على الإكراه العلني، يؤيد دولات الاستقطاب السري.
قد يوحي أسلوبه المتقن ووقاره الفكري باستراتيجية أكثر إنسانية، لكن ولاءه النهائي ثابت للهدف الاستراتيجي للدولة الهندية المتمثل في السيطرة الكاملة على كشمير.
كتابات دولات، سواء في «سنوات فاجبايي» أو «الجاسوس ورئيس الوزراء»، لا تعدّ مجرد مذكرات،
بل تمثّل أيضًا نماذج للحرب النفسية بالنسبة لدارسي صراع كشمير،
تعدّ هذه الكتابات نصوصًا أساسية -ليس لأنها تقدّم حلولًا- بل لأنها تكشف عن مدى تجذّر العلاقات الشخصية
والتلاعب وإدارة الإدراك في بنية فن الحكم الحديث.
كشمير فارقة
مكانٌ ذو جمالٍ آسر تحيط به الأسلاك الشائكة والأحذية العسكرية.
خلف العسكرة العلنية التي تميّز الوجود الهندي في الوادي، تكمن معركةٌ أكثر هدوءًا ودهاءً:
معركةٌ بين العقول والولاءات والروايات.
أ. س. دولات، رئيس جهاز الاستخبارات الهندي السابق، ليس مجرد حاشية.
سياسته تتحدث عن دولةٍ تخوض حربين في آنٍ واحد -مع كشميريين عالقين في الاحتلال الهندي لعقود-
إحداهما ببنادق الدولة، والأخرى بالهدايا.
نفس اليد التي تجيز المراقبة توجّه دعواتٍ للحوار.
نفس الحكومة التي تفرض حظر التجوال تُهمس بوعود الشفاء.
هذه الثنائية ليست صدفة، بل هي استراتيجية.