
همايون عزيز سانديلا
في خضم الحزن وعدم التصديق في أعقاب مأساة باهالجام -حيث قُطعت حياة سياح أبرياء في هجوم وحشي- يبرز نمط آخر أكثر حسابًا من الظل:
اعتماد الهند التاريخي على العمليات تحت راية كاذبة لتعزيز موقفها الاستراتيجي والتلاعب بالروايات الدولية.
في 22 أبريل 2025، شهد مرج بايساران الهادئ قرب باهالغام في جامو وكشمير المحتلة هجومًا مدمرًا.
أطلق مسلحون مجهولون النار على مجموعة من السياح، ما أسفر عن مقتل 28 شخصًا على الأقل وإصابة أكثر من 20 آخرين.
وكان من بين الضحايا 24 مواطنًا هنديًا من ولايات مختلفة، ومواطنان محليان من جامو وكشمير، وسائحان أجنبيان من نيبال والإمارات العربية المتحدة.
وتصف روايات شهود العيان المهاجمين، الذين كانوا يرتدون زيًا عسكريًا، بأنهم خرجوا من الغابات القريبة واستهدفوا السياح.
تزامن هذا الهجوم مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس إلى الهند، مما يُذكر بمذبحة تشيتيسينغبورا عام 2000، حيث قُتل 35 قرويًا من السيخ خلال زيارة الرئيس بيل كلينتون.
وقد أثار توقيت الحادثين تكهنات حول دوافعهما واحتمالية تأثيرهما المُدبّر على وجهات النظر الدولية.
جاء هجوم أبريل 2025 في لحظة فارقة: كان نائب الرئيس الأمريكي جيه دي فانس في زيارة دبلوماسية للهند استمرت أربعة أيام، ركزت على تعزيز الشراكات الدفاعية والتجارية. قبل أيام قليلة، أشاد فانس بالتحالف الاستراتيجي المتنامي بين واشنطن ونيودلهي،
مشيرًا إلى تنامي التعاون العسكري، ومؤكدًا على المصالح المشتركة في مكافحة الإرهاب وأمن منطقة المحيطين الهندي والهادئ.
وبالإضافة إلى العروض المقدمة من الولايات المتحدة، تم توقيع صفقة دفاعية كبرى، بما في ذلك شراء 26 طائرة مقاتلة فرنسية من طراز رافال للبحرية الهندية، وهي خطوة بمليارات الدولارات في سعي الهند لتحديث جيشها في ضوء النفوذ الصيني المتزايد في المحيط الهندي.
مذبحة تشاتيسينغبورا عام 2000
لكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: من المستفيد الأكبر من هجوم إرهابي مثل الذي وقع في باهالجام، وفي مثل هذا التوقيت الدقيق؟
على غرار مذبحة تشاتيسينغبورا عام 2000، التي وقعت خلال زيارة الرئيس بيل كلينتون – وهي حادثةٌ أثارت لاحقًا تساؤلاتٍ حول جهاز الأمن الداخلي الهندي، تعكس هذه المأساة الجديدة اتجاهًا مُقلقًا.
يجري المحللون والمراقبون السياسيون مقارناتٍ: خلق الفوضى،
وإلقاء اللوم على باكستان، واستغلال التعاطف الدولي، والانسحاب بدعمٍ دفاعيٍّ معزَّز ونفوذٍ جيوسياسي.
إنه كتاب لعب أصبح مألوفًا بشكل مؤلم.
إن اعتراف حاكم جامو وكشمير السابق، ساتيا بال مالك، المُدان بأن هجوم بولواما عام 2019 كان نتيجة مباشرة لفشل الاستخبارات والأمن الهندي
-وربما كان مدبّرًا لتحقيق مكاسب انتخابية- يظهر الحقيقة وراء «الحرب على الإرهاب» التي تشنها الهند.
وكشف مالك كيف قمعت حكومة مودي المعلومات الاستخباراتية،
واختارت بدلاً من ذلك استغلال المأساة كسلاح للحماسة القومية وتحقيق مكاسب انتخابية.
والآن، مع تعثر الاقتصاد الهندي تحت وطأة التضخم والبطالة والاضطرابات، يبدو أن إدارة رئيس الوزراء مودي تتشبث مرة أخرى بحبل النجاة ــ من خلال الخوف والنار والطائرات المقاتلة.
الهند تشتري أسلحة أمريكية
وفقًا لصحيفة التلغراف، خلال حديثه في مدينة جايبور شمال غرب الهند في 22 أبريل، قال فانس:
نرغب في تعزيز التعاون بيننا، ونريد أن تشتري دولتكم المزيد من معداتنا العسكرية، التي نعتقد أنها الأفضل في فئتها بالطبع.
وأضاف: على سبيل المثال، ستمنح طائرات إف-35 الأمريكية من الجيل الخامس القوات الجوية الهندية القدرة على الدفاع عن مجالها الجوي وشعبها بشكل غير مسبوق.
وشدد السيد فانس على أهمية تعاون الولايات المتحدة والهند لمواجهة التهديدات التي تشكلها روسيا والصين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، محذرًا من أن انهيار العلاقات قد يؤدي إلى عواقب وخيمة.
على العكس من ذلك، فإن صفقة رافال بين الهند وفرنسا، والتي كانت بالفعل موضع تدقيق مكثف في السياسة الداخلية بسبب مزاعم الفساد والمحسوبية في نسختها السابقة، قد وُسِّعت الآن لتشمل 26 طرازًا بحريًا مختلفًا – وهي خطوة تبررها الهند كجزء من «استعدادها الدفاعي».
لكن المراقبين يجادلون بأن التوقيت مناسب للغاية: مذبحة ترجع إلى «إرهاب عابر للحدود»،
وحضور شخصية أمريكية بارزة، ولعب نيودلهي دور الضحية لتأمين مزيد من التساهل العسكري.
دعم أمريكا الثابت للهند
في بيان مقتضب عقب الهجوم، أدان جيه دي فانس العنف، وأكد دعم أمريكا الثابت لحرب الهند ضد الإرهاب. لكن يبقى القلق الأعمق:
هل ستواصل الولايات المتحدة تصديق رواية نيودلهي على حساب المساءلة الحقيقية؟
في أعقاب مأساة باهالغام، كثّفت وسائل الإعلام الهندية الرئيسية خطابها،
وقادتها شخصيات بارزة مثل الرائد (المتقاعد) غوراف أريا وأرناب غوسوامي من قناة ريبابليك تي في.
وقد أثارت رواياتهم، التي غالبًا ما تتوافق مع مواقف الحكومة، مخاوف بشأن دور الإعلام في تشكيل التصورات العامة والسياسات.
الرائد غوراف آريا، ضابط متقاعد في الجيش الهندي ومحرر استشاري في تلفزيون ريبابليك، كان صريحًا في انتقاده لباكستان.
في ظهورات متعددة، بما في ذلك على تلفزيون ريبابليك ومنصته الخاصة «ماجورلي رايت»،
اتهم آريا باكستان برعاية الإرهاب ودعا إلى اتخاذ إجراءات انتقامية صارمة.
على سبيل المثال، في فيديو بعنوان «الرائد غوراف آريا يشرح أسباب وأبعاد الهجمات على باكستان»،
يناقش ضرورة اتخاذ إجراءات حاسمة ضد التهديدات الباكستانية المزعومة.
فزنا بهذا الهجوم
كان أرناب جوسوامي، رئيس تحرير قناة ريبابليك تي في، محور جدل.
تشير محادثات واتساب مسربة بين جوسوامي وبارثو داسغوبتا، الرئيس التنفيذي السابق لمجلس أبحاث جمهور البث (BARC)، إلى أن جوسوامي كان على علم مسبق بغارات بالاكوت الجوية عام 2019.
وفي هذه المحادثات، ورد أن جوسوامي قال: «لقد فزنا بهذا الهجوم بشق الأنفس»، في إشارة إلى حادثة بولواما.
وقد غذت هذه الاتصالات مزاعم مفادها أن بعض الشخصيات الإعلامية لا تقوم فقط بتغطية الأحداث،
بل قد تكون متواطئة أيضًا في تشكيل أو حتى توقع الإجراءات الحكومية، مما أثار تساؤلات حول استقلال الصحافة.
يسهم التصرّف العدواني للشخصيات الإعلامية في خلق مناخ من القومية المُتزايدة، وقد يؤثر على الرأي العام،
مما قد يؤثّر على دعم السياسات الحكومية، بما في ذلك المشتريات الدفاعية والعلاقات الخارجية.
ويؤكّد التوافق بين الروايات الإعلامية والإجراءات الحكومية على أهمية الاستهلاك النقدي لوسائل الإعلام، وضرورة النزاهة الصحفية.
الخطاب الإعلامي والسياسة الحكومية في الهند
يسلّط التفاعل بين الخطاب الإعلامي والسياسة الحكومية في الهند،
لا سيما فيما يتعلق بموقفها من باكستان، الضوء على الديناميكيات المعقدة لنشر المعلومات والإدراك العام.
ومع اضطلاع الشخصيات الإعلامية بأدوار تتجاوز مجرد التغطية الإعلامية،
يزداد تأثيرها على الخطاب والسياسة الوطنية أهميةً، مما يستدعي التدقيق والدعوة إلى صحافة مسؤولة.
إن طموح الهند الحربي لا يشكل تهديدًا للسلام الإقليمي فحسب، بل يمثل أيضًا معضلة استراتيجية لحلفائها.
ففي سعيها لتصوير نفسها كدولة في طليعة مواجهة الإرهاب والصين، تتلاعب الهند بالتصورات بالخداع،
مستغلةً المآسي المدنية لتحقيق مكاسب دفاعية غير متوقعة.
إذا كان التاريخ دليلاً، فإن مذبحة باهالغام ليست مجرد عمل إرهابي، بل هي أداة سردية في لعبة أكبر وأكثر قتامة.
لعبة لا تعرّض حياة الأبرياء للخطر فحسب، بل تقوّض أيضاً نزاهة الدبلوماسية الدولية والتعاون الدفاعي.
بالنسبة للولايات المتحدة، فقد حان الوقت لطرح أسئلة صعبة: هل هي شراكة ديمقراطية،
أم تمكين نظام يستغل المأساة لخدمة طموحاته العسكرية؟
إن العالم مدين للضحايا ليس فقط بالحزن ولكن بالمطالبة بالحقيقة.