كشميرمقالات

تسليح الأمن: أزمة حقوق الإنسان في كشمير المحتلة

في ظل قانونَي السلطات الخاصة للقوات المسلحة وسياسة الأمن القومي

ألطاف حسين واني

إن عسكرة الحكومة الهندية المتواصلة لكشمير ليست قصة مكافحة إرهاب، بل قمعٌ ترعاه الدولة.

لعقود، سخّرت نيودلهي قوانين الأمن، مثل قانون القوات المسلحة (الصلاحيات الخاصة) وقانون منع الأنشطة غير المشروعة، لقمع المعارضة، وإسكات المجتمع المدني، وحرمان الكشميريين من حقوقهم الأساسية.

هذه القوانين، التي صُممت كأدوات لمكافحة التمرد، رسّخت الإفلات من العقاب، وطبعت العنف، وحوّلت كشمير إلى مختبر لاختبار الحكم الاستبدادي.

إن صمت المجتمع الدولي في مواجهة هذه الأزمة ليس مجرد فشل دبلوماسي، بل هو تواطؤ في محو إنسانية الكشميريين.

قانون القوات المسلحة الخاصة: ترخيص للقتل والاختفاء والإرهاب

صدر قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة عام ١٩٩٠، ويمنح قوات الأمن الهندية حصانة شاملة لاستخدام القوة المميتة، وإجراء اعتقالات تعسفية، واحتجاز الأفراد لأجل غير مسمى في كشمير، المصنفة كـ«منطقة مضطربة».

وقد خلق هذا القانون ثقافة إرهاب الدولة.

وتشير تقديرات منظمات المجتمع المدني إلى وقوع أكثر من ١٠ آلاف حالة اختفاء قسري وآلاف حالات القتل خارج نطاق القضاء منذ تطبيقه.

وتعيش عائلات الضحايا في كابوس أشبه بكابوس كافكا:

فلمقاضاة أفراد الأمن، يتعين عليهم أولاً الحصول على موافقة الحكومة، وهي عقبة شبه مستحيلة، إذ تُعطي الدولة الأولوية لحماية عناصرها على تحقيق العدالة.

تتجاوز وحشية هذا القانون الفظائع الفردية

فمجتمعات بأكملها، مثل شعب غوجار باكارول الرحّل، تواجه عقابًا جماعيًا -تهجيرًا قسريًا، وتقييدًا على الحركة،

وتدميرًا لسبل العيش- تحت ستار «مكافحة التمرد».

وقد أدانت الأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة لانتهاكه القانون الإنساني الدولي، إلا أن الهند تتجاهل هذه الانتقادات، مستغلةً خطاب «الأمن القومي» للتملص من المساءلة.

وعندما حذّر المقرر الخاص للأمم المتحدة آنذاك، كريستوف هاينز، عام ٢٠١٢ من أن قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة يُديم «مناخًا من الخوف»، ردّت نيودلهي ليس بالإصلاح، بل بتعميق العسكرة.

قانون القوات المسلحة الخاصة ليس من مخلفات الماضي، بل هو أداة قمع حية، تمكّن الدولة الهندية من معاملة الكشميريين كمشتبه بهم دائمين في وطنهم.

قانون مكافحة الإرهاب: تجريم المعارضة ومحو الحيز المدني

إذا كان قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة يمكّن العنف الجسدي، فإن قانون منع الأنشطة غير المشروعة يسهّل القمع المشرّع.

إن تعريفات قانون منع الأنشطة غير المشروعة، المُعدّلة مرارًا وتكرارًا لتوسيع نطاقه، تمكّن السلطات من تجريم الصحافة والنشاط السياسي، وحتى منشورات مواقع التواصل الاجتماعي.

منذ عام 2019، عندما ألغت الهند من جانب واحد الحكم الذاتي لكشمير، احتُجز مئات الكشميريين -بمن فيهم صحفيون وطلاب ومدافعون عن حقوق الإنسان- بموجب هذا القانون، وغالبًا لسنوات دون محاكمة.

إن تصميم قانون مكافحة الإرهاب متعمد: عزل وتشويه سمعة الآخرين.

وكما ذكر المقرر الخاص للأمم المتحدة في العديد من المراسلات المشتركة عام ٢٠١٩ مرارًا وتكرارًا، فإن قوانين مكافحة الإرهاب، مثل قانون مكافحة الإرهاب (UAPA)، تستخدم «لنزع الشرعية عن المعارضين وترهيبهم».

في كشمير، يعني هذا مداهمات لنوادي الصحافة، وحظر التجمعات السلمية، وتصنيف المنظمات غير الحكومية بأنها «واجهات إرهابية».

تواجه العائلات التي تسعى لتحقيق العدالة لأقاربها المختفين مضايقات، بينما يخاطر المحامون الذين يدافعون عن معتقلي قانون مكافحة الإرهاب (UAPA) بوصمهم بأنهم «معادون للوطن».

ينتهك تجاوز القانون أبسط مبادئ الدقة القانونية والتناسب، مما يقلل من أهمية الإجراءات القانونية الواجبة.

الرسالة واضحة: في كشمير المحتلة من قِبل الهند، تعتبر المطالبة بالمساءلة بحد ذاتها عملاً إرهابيًا.

أسطورة «الإرهاب الاجتماعي» والحرب على تقرير المصير

يتجذر القمع الهندي في رواية منحرفة تخلط بين حق تقرير المصير في كشمير والإرهاب.

وترفض الدعوات السلمية للحكم الذاتي باعتبارها «تهديدات انفصالية»، بينما تحظر الأحزاب السياسية الداعية للحوار.

وقد كشف حصار كشمير عام 2019 -الذي اتسم باعتقالات جماعية وانقطاع للإنترنت وحصار عسكري- عن هذه الاستراتيجية في أبشع صورها.

فقد عزل أكثر من 8 ملايين كشميري عن العالم بعد أن ألغت نيودلهي من جانب واحد الوضع الدستوري للمنطقة،

وهي خطوة أدانها خبراء الأمم المتحدة ووصفوها بأنها «عقاب جماعي».

يعكس هذا القمع اتجاهات عالمية تستغل فيها الدول أطر مكافحة الإرهاب لقمع المعارضة.

وكما أكد المقرر الخاص بن سول عام ٢٠٢٣، فإن الحكومات تصنف الحركات الشعبية بشكل متزايد على أنها «تطرف عنيف» لتبرير إجراءاتها القاسية.

في كشمير، شرعنت هذه الخطابات مراقبة المدنيين وتعذيبهم وقتلهم، بينما تصوّر الهند نفسها كضحية للإرهاب العابر للحدود.

التواطؤ الهيكلي: فشل المساءلة العالمية

إن أزمة كشمير ليست فشلاً للهند فحسب، بل هي فشل للنظام الدولي.

فرغم عقود من التوثيق من قِبل هيئات الأمم المتحدة، بما فيها الفريق العامل المعني بحالات الاختفاء القسري،

تجاهلت الهند الدعوات لإلغاء قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة، أو إصلاح قانون مكافحة الإرهاب، أو السماح للمحققين بالوصول دون قيود.

ولا تزال آلية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، كما ورد في تقارير «السماء الزرقاء» الصادرة عن المركز العالمي للأمن التعاوني، قاصرةً للغاية عن معالجة هذه الانتهاكات المنهجية.

كما تعثرت المنظمات الإقليمية، المكلَّفة بالتوسط في انتهاكات حقوق الإنسان.

ولا تزال هيئات مثل رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (سارك) مشلولة بفعل الاعتبارات الجيوسياسية، بينما يحجبها حلفاء الهند عن التدقيق. هذا الإفلات من العقاب يشجِّع نيودلهي:

فعندما اقترح البرلمان الأوروبي قرارًا يدين إغلاق كشمير، رفضته الهند معتبرةً إياه «تدخلًا»، كاشفةً عن زيف الالتزامات العالمية بحقوق الإنسان.

الطريق إلى الأمام: العدالة، وليس القمع

إن إنهاء كابوس كشمير يتطلب أكثر من مجرد مبادرات رمزية. يجب على المجتمع الدولي:

1- المطالبة بإلغاء قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة على الفور وإصلاح قانون الصلاحيات الخاصة للقوات المسلحة ليصبح متوافقاً مع القانون الدولي.

2- فرض عقوبات محددة على المسؤولين المتورطين في الفظائع، وتجميد الأصول وحظر السفر.

3- دعم التحقيقات المستقلة في حالات الاختفاء القسري والقتل خارج نطاق القضاء، والاستفادة من المراجعة الدورية الشاملة لمحاسبة الهند.

4- تمويل وحماية المجتمع المدني الكشميري، وضمان قدرة الناشطين والصحفيين على العمل دون خوف من الانتقام.

يجب أن تمثل الذكرى العشرون لولاية المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بمكافحة الإرهاب وحقوق الإنسان نقطة تحول.

وكما تجادل الباحثة فرانزيسكا براكسل-تابوتشي، فإن الإصلاحات التدريجية لا طائل منها؛

فالتغيير المنهجي وحده قادر على تفكيك هياكل القمع. لا يحتاج الكشميريون إلى تضامن أجوف، بل يحتاجون إلى أن يُقابل العالم شجاعتهم بالعمل.

الخيار صعب:

هل سيتمسك المجتمع الدولي بالقيم التي ينادي بها، أم سيظل متواطئًا في خنق كشمير؟ سيحدد الجواب مستقبل حقوق الإنسان في عالم يزداد استبدادًا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى