
الطاف حسين واني
تخفي وديان كشمير الخضراء وقممها المغطاة بالثلوج، والتي غالبًا ما تُوصف بجمالها الأخّاذ، واقعًا قاتمًا تحت السطح:
مشهدٌ خلّفته عقودٌ من الصراع، وينتشر فيه خطر الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة الصامت.
هذا الإرث المميت من الحرب، وهو نتيجة مباشرة للصراع الممتد، لا يزال يُلحق خسائر فادحة بالأرواح البشرية وبالتنوع البيولوجي الهش في المنطقة.
نشر الجيش الهندي الألغام الأرضية بشكل استراتيجي على طول خط السيطرة المدجج بالسلاح – أحد أخطر الحدود في العالم – وفي مناطق حساسة أخرى، لردع ما يسمونه التسلل وحماية المنشآت العسكرية.
إلا أن طبيعتها العشوائية، وغياب الخرائط الدقيقة والعلامات الواضحة، حوّل مساحات شاسعة من الأراضي، بما في ذلك المراعي والأراضي الزراعية، إلى مصائد موت محتملة.
التكلفة البشرية الباهظة
لهذا التهديد الخفيّ باهظة، على الرغم من ندرة البيانات الرسمية الشاملة. يأتي معظم ما هو معروف من تقارير إعلامية، ومنظمات حقوق الإنسان، وروايات مروعة للناجين.
ووفقًا لمرصد الألغام الأرضية والذخائر العنقودية، بين عامي 1999 و2015، تم تسجيل 3191 ضحية للألغام المفعَّلة، والعبوات الناسفة، ومخلفات الحرب المتفجرة في جميع أنحاء الهند، حيث تم قتل 1083 شخصًا وجرْح 2107. ووقعت النسبة الأكبر من هذه الإصابات في كشمير.
يتحمل المدنيون، ولا سيما أولئك الذين يعيشون بالقرب من خط السيطرة في مناطق مثل كوبوارا وبونش وبارام الله، وطأة هذا العنف.
فالمزارعون الذين يحرثون الحقول، والرعاة الذين يرعون الماشية، والأطفال الذين يلعبون ببساطة، معرضون بشكل غير متناسب لهذه الألغام الأرضية.
وترسم قصص الضحايا التالية صورة قاتمة لحياة محطمة:
فقد محمد يعقوب، وهو عامل من كوبوارا، ساقه في ديسمبر عام 2000 بعد أن داس على لغم أثناء عودته من مهمة دورية عسكرية.
طلقته زوجته لاحقًا، وتركته ليربي ابنتيه بمعاش تقاعدي زهيد قدره 1000 روبية (حوالي 13.60 دولارًا أمريكيًا) شهريًا.
في أغسطس 2017، تم بتر ساق هاكام بي، وهي امرأة تبلغ من العمر 21 عامًا من أوري، اليمنى بعد أن واجهت لغمًا أثناء جمعها للعلف.
كافحت عائلتها لتغطية تكاليف العلاج، ويعمل زوجها الآن حمالًا في الجيش، ويواجه مخاطر يومية بنفسه.
وفقد حيدر موغال، وهو مزارع من كوبوارا، ساقه اليمنى في عام 1997 أثناء رعي الماشية في أرضه.
واضطر إلى بيع حيواناته لتوفير تكاليف العلاج ويعتمد الآن على طرف صناعي يتطلب استبدالًا سنويًا.
وفقدت جولاب جان من أوري قدمها اليمنى في عام 1995 أثناء عملها في حقلها. ولم تتلق أي تعويض عن علاجها وتعيش على نفس المعاش الشهري الصغير.
وفقدت سوني بيجوم، وهي أيضًا من أوري، ساقها في عام 1998 أثناء رعي الماشية.
للأسف، بعد ثلاث سنوات، لقي زوجها، الذي كان يعمل حمالاً في الجيش، المصير نفسه.
لم تتلقَّ الأسرة أي تعويض عن خسارة أرضها التي أصبحت الآن غير صالحة للزراعة.
الأثر النفسي عميق
تسلِّط هذه القصص الضوء على مشاكل نظامية. فالعديد من الضحايا لا يحصلون على تعويضات كافية،
بل يحصلون على تعويضات ضئيلة، وغالبًا ما لا تكفيهم معاشاتهم التقاعدية لسدِّ أبسط مقومات الحياة، ناهيك عن الاحتياجات الطبية المستمرة أو استبدال الأطراف الاصطناعية.
وكثيرًا ما تزرع الألغام الأرضية دون لافتات تحذيرية واضحة أو أسوار، وقد تتحرك مواقعها بفعل الظروف الجوية كالأمطار أو الثلوج،
مما يبطل فعالية أي علامات موجودة. وكثيرًا ما يعيق ضعف البنية التحتية وارتفاع التكاليف الحصول على الرعاية الطبية.
إلى جانب الصدمة الجسدية المباشرة المتمثلة في الموت أو التشويه، فإن الأثر النفسي عميق.
فالخوف الدائم من تفجير عبوة ناسفة مخفية يلقي بظلاله الثقيلة على الحياة اليومية، مقيدًا الحركة،
وعاجزًا عن النشاط الاقتصادي، إذ تصبح الأراضي الزراعية غير صالحة للزراعة، ومُعززًا مناخًا عامًا من القلق وانعدام الأمن.
وتغرق الأسر في براثن الفقر، وتتفكك المجتمعات، وتُعيق التنمية الشاملة بشدة.
دمار في العالم الطبيعي
العواقب البيئية مقلقة بنفس القدر. التنوع البيولوجي الفريد في كشمير، المشهور بثروته النباتية والحيوانية الغنية، مُعرّض لتهديد مُستمر.
تلوّث الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة التربة، مخلّةً بالنظم البيئية الهشة، ومعيقةً نموّ النباتات.
الانفجارات نفسها تؤدي إلى قتل أو إصابة الحياة البرية بشكل مُباشر.
علاوةً على ذلك، يقيّد الخوف من الألغام وصول كلٍّ من الحياة البرية وحماة البيئة إلى الموائل الحيوية، معطّلاً أنماط الهجرة، ودورات التكاثر، وجهود الرصد.
يعدّ غزال الهانغول (غزال كشمير) المهدد بالانقراض، رمزًا للتراث الطبيعي للمنطقة، مُعرّضًا للخطر بشكل خاص.
فموطنه المفضّل في المناطق الجبلية، غالبًا بالقرب من خط السيطرة، غالبًا ما يكون مليئًا بالألغام الأرضية،
مما يشكّل تهديدًا كبيرًا لبقاء هذا النوع المعرّض أصلًا لضغوط.
كما تواجه أنواعٌ بريةٌ شهيرةٌ أخرى، بما في ذلك الدب البني الهيمالايا، ونمر الثلج المراوغ،
والعديد من أنواع الطيور، مخاطر متزايدة بسبب هذه المتفجرات الخفية التي تلوّث بيئتها وتحدّ من نطاق انتشارها.
التحديات والطريق إلى الأمام:
تعدّ إزالة الألغام الأرضية والذخائر غير المنفجرة في كشمير عمليةً معقدةً وخطيرةً وبطيئة.
فوعورة التضاريس الجبلية، ونقص خرائط حقول الألغام الدقيقة، والمخاوف الأمنية المستمرة، ونقص الموارد والإرادة السياسية،
كلها عوامل تشكّل عقباتٍ كبيرة.
تتطلب معالجة هذه الأزمة العميقة نهجًا متعدد الجوانب ومستدامًا:
1- تعزيز جهود التطهير:
هناك حاجة ملحة لزيادة التمويل والمساعدة الفنية والموظفين المدربين والتكنولوجيا المتقدمة لعمليات إزالة الألغام، إلى جانب رسم الخرائط والمسح الشاملين.
2- التوعية بمخاطر الألغام:
تعد حملات التوعية العامة القوية وبرامج التواصل المجتمعي أمرًا بالغ الأهمية لإعلام السكان،
وخاصة الأطفال، بمخاطر الألغام والذخائر غير المنفجرة وتحديدها والإبلاغ عنها.
ويعد دمجها في المناهج الدراسية أمرًا حيويًا.
3- مساعدة الضحايا:
يعد الدعم الشامل وطويل الأمد للناجين أمرًا ضروريًا، بما في ذلك الرعاية الطبية المتاحة
وخدمات إعادة التأهيل والاستشارات النفسية وفرص التدريب المهني والتمكين الاقتصادي لإعادة بناء الحياة.
يجب إنشاء أنظمة تعويض مناسبة.
4- الشفافية والسياسة:
يلزم التسجيل والإبلاغ الرسمي عن ضحايا الألغام الأرضية لفهم النطاق الكامل للمشكلة.
وعلى الرغم من دعوات هيئات مثل الحملة الدولية لحظر الألغام الأرضية (ICBL)، لم توقع الهند على معاهدة حظر الألغام لعام 1997، متذرعة بالاحتياجات الأمنية. يتطلب الأمر مزيدًا من الشفافية والالتزام بالمعايير الدولية.
5- الحل السياسي:
في نهاية المطاف، يتوقف الحل الدائم على تسوية سياسية أوسع نطاقًا.
من شأن الحل السلمي للصراع أن يوقف انتشار الألغام ويهيئ بيئة أكثر أمانًا للتطهير الشامل وإعادة التأهيل.
إن القتلة الصامتين الكامنين تحت تراب كشمير هم إرثٌ وحشي من الصراع، لا يزالون يحصدون الأرواح، ويشتتون الأسر، ويدمرون النظم البيئية التي لا تعوّض.
ولا يمكن للمنطقة أن تبدأ بالتعافي الحقيقي وتحقيق إمكاناتها كملاذٍ للازدهار والتنوع البيولوجي إلا من خلال جهدٍ متضافر يركز على الأمن البشري وحماية البيئة والسلام المستدام.
-الكاتب رئيس معهد كشمير للعلاقات الدولية.