
الطاف حسين واني
كثّفت إدارة مودي حملتها لإجبار الناشطين المؤيدين للحرية في جامو وكشمير المحتلة على الخضوع للدستور، مستخدمةً أساليب قسرية متطورة تمزج بين المراقبة التكنولوجية والترهيب التقليدي.
ورغم هذه الجهود، لا تزال مقاومة الكشميريين مستمرة، متحديةً بذلك رواية الهند عن «الوضع الطبيعي» في المنطقة المضطربة.
منذ إلغاء المادة 370 عام 2019، طبّقت الهند استراتيجيةً متعددة الطبقات لقمع المعارضة في كشمير.
فإلى جانب 900 ألف جندي منتشرين في المنطقة، تراقب أجهزة الاستخبارات الهندية الآن حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، والرسائل المشفرة، وحتى الاتصالات العائلية للمشتبه بهم من مؤيدي حزب الحرية.
وتحدث هذه الشبكة الرقمية تأثيرًا مُخيفًا على التعبير السياسي.
لعقود، قاوم الشعب الكشميري جهاز الدولة القمعي الذي يسعى إلى إسكات المعارضة من خلال العسكرة والرقابة والعنف الممنهج. وقد كثفت الحكومة الهندية سياساتها القسرية، معتبرةً إياها ضروريةً “للتنمية” و«الأمن».
ومع ذلك، يختبئ تحت ستار الشرعية واقعٌ قاسٍ:
شعبٌ يخضع لما وصفه المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، بن إيمرسون، بـ«الإرهاب الدستوري».
يجسّد هذا المصطلح مفارقة دولةٍ تستخدم أدواتٍ قانونيةً وإداريةً لإضفاء الشرعية على القمع،
بينما تقوّض أسس الديمقراطية وحقوق الإنسان.
إن نضال الكشميريين ليس مجرد مقاومة، بل هو نضالٌ من أجل الهوية، وتقرير المصير، والحق في الوجود دون خوف.
العسكرة أداة حرب نفسية
هذه العسكرة ليست إجراءً دفاعيًا، بل أداة حرب نفسية.
وكما يشير الباحث كريستوف جافريلوت، فإن استراتيجية الدولة الهندية في كشمير تعكس تكتيكات استعمارية:
تقسيم المجتمعات، وتجريم المعارضة، وتقديم نفسها على أنها الضامن الوحيد للنظام.
والنتيجة شعب يعيش في خوف دائم، حيث قد يؤدي حتى الاحتجاج إلى رصاصة أو زنزانة سجن.
تسيطر الحكومة الهندية على الخطاب السياسي بلا هوادة.
فهي تصوّر المعارضة على أنها إرهاب، وتصوّر حتى المتظاهرين السلميين كأعداء للدولة.
في انتخابات لوك سابها لعام ٢٠٢٤، وانتخابات المجالس المحلية، تحدى الناخبون الكشميريون التوقعات برفضهم حزب بهاراتيا جاناتا رفضًا قاطعًا،
واختاروا بدلاً من ذلك أحزابًا ينظر إليها على أنها أقل عداءً لتطلعاتهم.
لم يكن هذا تأييدًا للمعارضة، بل تمردًا صامتًا على حزبٍ استخدم القومية الهندوسية كسلاحٍ لتبرير سياساته.
ومع ذلك، ضاعفت الدولة جهودها. فقبل انتخابات البانشيات المقبلة، كثّفت قوات الاحتلال مداهماتها لمنازل النشطاء،
وحذّرت عائلاتهم من أقارب «غير مخلصين»، بل وأجبرت بعضهم على التنديد علنًا بمعتقداتهم السياسية. الرسالة واضحة: إما الامتثال أو السجن.
تفكيك الأسرة لكسر المقاومة
إن التكلفة البشرية لسياسات الهند لا تحصى. تشتت شمل العائلات بسبب قتل الأبرياء، والاختفاء القسري، والاعتقالات التعسفية، والتعذيب، والحصار، وعمليات التفتيش.
ينشأ الأطفال في جو من الخوف، وتحرس مدارسهم دوريات عسكرية.
أزمة الصحة النفسية في كشمير وباءٌ مستشرٍ:
فقد وجدت دراسةٌ أجرتها المجلة الهندية للطب النفسي عام ٢٠٢٢ أن ما يقرب من نصف السكان يعانون من الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة.
لنأخذ على سبيل المثال حالة شاب من مقاطعة كاثوا، سجّل في أواخر فبراير مقطع فيديو في مسجد ينفي فيه تورطه في أعمال عنف.
كانت مناشدته محاولة يائسة للرد على اتهامات باطلة من قوات الاحتلال.
انتحر، وقصته تحاكي قصصًا لا تحصى: أرواحٌ سحقها عنف الدولة.
إن استهداف النساء والشباب أمرٌ خبيثٌ بشكلٍ خاص.
إذ يُعتقل الشباب بشكلٍ روتيني في مداهماتٍ ليلية، ويتعرضون لـ«عمليات قتلٍ عشوائية»، أو يُحتجزون بمعزلٍ عن العالم الخارجي لسنوات.
أما النساء، فغالبًا ما يكنّ المعيلات الوحيدات لأسرهن بعد اعتقال أزواجهن، ويواجهن مضايقاتٍ ممنهجة.
منطق الدولة واضح: تفكيك الأسرة لكسر المقاومة.
رغم هذا القمع، لا تزال روح المقاومة صامدة. ويظل مؤتمر الحريات، والأحزاب السياسية المتحالفة معه، رغم حظرها، رمزًا للأمل.
وتوثّق منظمات المجتمع المدني، رغم المراقبة والتهديدات، انتهاكات الحقوق.
سياسات الهند في كشمير غير مستدامة. قد تخمد العسكرة والقمع الاحتجاجات مؤقتًا، لكنهما لا تستطيعان محو رغبة الشعب في تقرير المصير.
تتجاهل أجندة «التنمية» التي تتبناها حكومة مودي – طرق جديدة وحملات سياحية – الأسباب الجذرية للاضطرابات:
غياب الفاعلية السياسية والعدالة في جرائم الماضي، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
مستقبل كشمير يكمن في الحوار
لقد باتت الأمور واضحة. وكما يقول القاضي الراحل نوراني، فإن مستقبل كشمير يكمن في الحوار، لا في الهيمنة.
يجب على الدولة الهندية أن تتعاون مع ممثلين حقيقيين للشعب الكشميري، وليس فقط مع وكلائها المختارين.
يجب عليها إلغاء القوانين التعسفية، وإطلاق سراح السجناء السياسيين، والسماح بتشكيل لجنة مستقلة لتقصي الحقائق للتحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان.
في مواجهة هذا الظلم الفادح، اختار شعب كشمير المقاومة.
نضالهم لا يقتصر على الحدود أو الأعلام؛ بل يشمل أيضًا الحق العالمي في العيش دون خوف، واحترام الهوية، وتحديد مصير الفرد.
قد تسكت سياسات الدولة الهندية القسرية الأصوات اليوم، لكنها لا تستطيع إطفاء جذوة الأمل.
حتى ذلك الحين، يجب على العالم أن يُعلي صوت الكشميريين. لا يمكن للمجتمع الدولي أن يُشرّع احتلال الهند بالصمت.
إن فرض عقوبات على المسؤولين عن الانتهاكات، والدبلوماسية المُستهدفة، ودعم المجتمع المدني أمورٌ أساسية.
لن تنتهي دوامة العنف إلا عندما يُمنح الكشميريون حق تقرير مصيرهم – سواءً بالاستقلال أو الحكم الذاتي أو الاندماج مع باكستان.
الكاتب: رئيس معهد كشمير للعلاقات الدولية.