مقالات

مفارقة آلية حقوق الإنسان الدولية: إنكار حق تقرير المصير لـ كشمير وفلسطين

بقلم: الطاف حسين واني

في عالم يحكمه ظاهريا المعايير والأطر القانونية الدولية، فإن الآلية المصممة لحماية حقوق الإنسان والمبادئ الإنسانية غالبا ما تكشف عن تناقض صارخ:

فهي قوية من الناحية النظرية ولكنها غالبا ما تكون عاجزة عندما تواجه الحقائق الجيوسياسية.

إن أنظمة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، على الرغم من أنها تمثل أعلى تطلعات الإنسانية إلى العدالة،

إلا أنها تفشل في كثير من الأحيان في توفير الحماية الحقيقية لأولئك الأكثر ضعفاً، وخاصة عندما ترتكب الانتهاكات من قبل الدول القوية أو حلفائها.

الوعد مقابل الواقع في الأطر القانونية الدولية

شهدت حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية بروز بنية راسخة لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.

وقد بشّر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتفاقيات جنيف، واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية،

والعديد من المعاهدات والمؤسسات اللاحقة، بنظام عالمي جديد تُصان فيه كرامة الإنسان بغض النظر عن جنسيته أو وضعه.

ومع ذلك، غالبًا ما تعمل هذه الآلية اليوم بانتقائية مثيرة للقلق.

وكما أشار المفوض السامي السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، زيد رعد الحسين،

فإن «الانتقائية وازدواجية المعايير في تطبيق القانون الدولي تُشلّ النظام وتُقوّض مصداقيته».

عندما تلتقي العدالة بالسلطة: فجوة التنفيذ

تكشف الفجوة في التنفيذ بين القرارات القضائية والامتثال الفعلي عن الضعف الجوهري للنظام.

لننظر إلى الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية عام 2004،

الذي أعلن جدار الفصل الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة بموجب القانون الدولي.

ورغم قرار المحكمة الواضح بأن الجدار ينتهك الحقوق الفلسطينية، وأمرت بتفكيكه،

لا يزال الجدار قائمًا بعد قرابة عقدين من الزمن، مع ضغط دولي ضئيل للامتثال.

وبالمثل، لم تنفَّذ التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية عام ٢٠٢٢ في القضية

التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد ميانمار بشأن إبادة الروهينجا إلا بشكل محدود.

ورغم أن هذه التدابير ملزمة قانونًا، إلا أنها تفتقر إلى آليات إنفاذ عندما تختار الدول القوية أو حلفاؤها تجاهلها.

مؤخرًا، سلّطت التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في يناير 2024،

والتي تأمر إسرائيل بمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة، الضوء مجددًا على هذه الفجوة في التنفيذ.

ورغم الأدلة على استمرار سقوط الضحايا المدنيين والكارثة الإنسانية، لا تزال آليات التنفيذ الفعّالة غائبة.

الملاحقة الانتقائية: العدالة للبعض

تجسّد المحكمة الجنائية الدولية، التي أنشئت لإنهاء الإفلات من العقاب على أخطر الجرائم الدولية، التطبيق الانتقائي للعدالة الدولية.

فبينما ركّزت المحكمة في المقام الأول على الأوضاع الأفريقية، تواجه التحقيقات في الجرائم المزعومة التي ارتكبتها دول قوية أو حلفاؤها عقبات كبيرة.

واجهت التحقيقات الأولية التي أجرتها المحكمة الجنائية الدولية في الجرائم المزعومة في أفغانستان،

بما في ذلك تلك التي يحتمل أن يكون موظفون أمريكيون قد ارتكبوها، معارضة شديدة من الولايات المتحدة،

شملت فرض عقوبات على مسؤولين في المحكمة.

ولم يحرز التحقيق تقدمًا يذكر على الرغم من وجود أدلة قوية على وقوع انتهاكات جسيمة.

في غضون ذلك، سارت التحقيقات الأولية للمحكمة الجنائية الدولية في الوضع في فلسطين بوتيرة بطيئة لسنوات، رغم أنماط الانتهاكات الموثقة.

وعندما قررت المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا أخيرًا اختصاص المحكمة بالتحقيق في الجرائم المزعومة في الأراضي المحتلة، واجهت ضغوطًا سياسية شديدة وتهديدات من عدة دول قوية.

إنكار حق تقرير المصير: كشمير وفلسطين

ويظل الحق في تقرير المصير، المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة والعديد من صكوك حقوق الإنسان، بعيد المنال بالنسبة للعديد من الشعوب التي تعيش تحت الاحتلال أو الحكم المتنازع عليه.

في كشمير، ورغم قرارات مجلس الأمن الدولي الداعية إلى إجراء استفتاء لتحديد وضع الإقليم، تم حرمان شعب كشمير من هذا الحق الأساسي لأكثر من سبعة عقود.

وقد أدى إلغاء الهند عام ٢٠١٩ للمادة ٣٧٠، التي كانت تمنح وضعًا خاصًا لجامو وكشمير، إلى ترسيخ الحكم المباشر من نيودلهي،

مع فرضها قطع الاتصالات، واعتقالات جماعية، وقيود على الحركة والتجمع.

وكان رد فعل المجتمع الدولي ضعيفًا إلى حد كبير، حيث حظيت الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية مع الهند بالأولوية على قضايا حقوق الإنسان.

وبالمثل، لا يزال الفلسطينيون يعيشون تحت الاحتلال في الضفة الغربية وتحت الحصار في غزة،

حيث يقوَّض حقهم في تقرير المصير باستمرار من خلال التوسع الاستيطاني، والاستيلاء على الموارد، وتقييد الحركة.

ورغم قرارات الأمم المتحدة العديدة التي تؤكد حقوق الفلسطينيين،

إلا أن تطبيقها أُحبط بسبب الاعتبارات الجيوسياسية والحماية التي يوفرها حلفاؤهم الأقوياء لإسرائيل.

المعايير المزدوجة في التطبيق

يكشف التباين في الاستجابة الدولية لمختلف الأزمات الإنسانية عن تناقضات مقلقة.

فعندما غزت روسيا أوكرانيا عام ٢٠٢٢، حشد المجتمع الدولي جهوده بسرعة من خلال فرض العقوبات وتوريد الأسلحة وفتح تحقيقات أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ومع ذلك، غابت مثل هذه الحاجة الملحة في صراعات أخرى شملت دولًا قوية أو حلفائها.

تستمر الأزمة اليمنية، التي أوجدت ما تصفه الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم، دون هوادة.

ولم تسفر آثارها الإنسانية المدمرة، بما في ذلك المجاعة واسعة النطاق وسقوط ضحايا من المدنيين، عن عواقب قانونية دولية مماثلة.

الطريق إلى الأمام: إصلاح النظام

وتتطلب أنظمة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي إصلاحات أساسية لمعالجة هذه التفاوتات الهيكلية:

1- تعزيز آليات التنفيذ:

تحديد عواقب عدم الامتثال لقرارات المحاكم الدولية، ربما من خلال إجراءات إلزامية من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة أو مسارات تنفيذ بديلة.

2- الحد من التسييس:

إرساء قدر أكبر من الاستقلال للمحاكم الدولية وهيئات حقوق الإنسان عن النفوذ السياسي، بما في ذلك آليات التمويل الآمنة.

3- توسيع نطاق الاختصاص القضائي:

دعم مبادئ الاختصاص القضائي العالمي التي تسمح للمحاكم الوطنية بمقاضاة الجرائم الدولية بغض النظر عن مكان وقوعها أو جنسية مرتكبيها.

4- تمكين المجتمع المدني:

تعزيز دور منظمات المجتمع المدني في الرصد والإبلاغ والدعوة للضغط من أجل الالتزام بالمعايير الدولية.

5- إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة:

معالجة الخلل الهيكلي الناجم عن حق النقض الذي يسمح للأعضاء الدائمين بحماية أنفسهم وحلفائهم من المساءلة.

خاتمة

توفر أنظمة حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي حمايةً أساسيةً من حيث المبدأ، لكنها غالبًا ما تخْذِل من هم في أمسّ الحاجة إليها عند مواجهة سياسات القوة.

وتظهر حالات فلسطين وكشمير واليمن، وغيرها من الحالات التي تنطوي على دول قوية، كيف يقوّض التطبيق الانتقائي شرعية الإطار برمته.

وكما لاحظ الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، “عندما تستبدل سيادة القانون بسيادة القوة، نضعف جميعًا”.

وإلى أن يعالج المجتمع الدولي اختلالات القوة الجوهرية التي تسمح لبعض الدول بالتصرف دون عقاب،

بينما تواجه دول أخرى محاسبة سريعة، سيظل وعد حماية حقوق الإنسان العالمية بعيد المنال بالنسبة لملايين من أضعف سكان العالم.

توجد آلية لحماية حقوق الإنسان عالميًا، لكن آلياتها معطّلة بفعل ديناميكيات القوة ذاتها التي صُممت لتجاوزها.

الإصلاح الحقيقي لا يتطلب تعديلات مؤسسية فحسب، بل يتطلب أيضًا إعادة التزام جوهري بمبدأ أن حماية حقوق الإنسان يجب أن تُطبّق على الجميع بالتساوي،

بغض النظر عن القوى التي قد تكون متورطة في انتهاكها.

الطاف حسين واني – رئيس معهد كشمير للعلاقات الدولية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى