أزمة الحرية الدينية في الهند.. حكومة في حالة إنكار

بقلم: الطاف حسين واني
يرسم تقرير عام 2024 الصادر عن لجنة الولايات المتحدة للحريات الدينية الدولية صورة قاتمة لتدهور مشهد الحريات الدينية في الهند.
ويسلط الضوء على التمييز المنهجي والعنف الذي ترعاه الدولة وتسليح القوانين ضد الأقليات الدينية، وخاصة المسلمين والمسيحيين والسيخ.
إن نتائج التقرير مدمرة، لكنها ليست جديدة.
لسنوات، أثارت هيئات حقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك خبراء الأمم المتحدة والمفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مخاوف مماثلة.
ومع ذلك، فإن اللافت للنظر هو رفض الحكومة الهندية المستمر لهذه التقارير،
ووصفها غالبًا بأنها متحيزة أو غير مستنيرة أو جزء من أجندة غربية لتقويض سيادة الهند.
يبرز تقرير اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية كيف رسّخت الحكومة بقيادة حزب بهاراتيا جاناتا نظام الأغلبية الهندوسي،
مما أدى إلى تآكل النسيج العلماني المكرّس في دستور الهند.
بدءًا من خطاب الكراهية الذي يُمارسه كبار القادة، ووصولًا إلى هدم المساجد وتطبيق قوانين تمييزية مثل قانون تعديل الجنسية وقوانين منع تغيير الدين، يفصّل التقرير نمطًا من تواطؤ الدولة في الاضطهاد الديني.
وقد اتسم رد الحكومة على هذه الانتقادات بالدفاعية والرفض.
وكثيرًا ما تتهم الحكومة الهيئات الدولية بتجاوز صلاحياتها والتدخل في الشؤون الداخلية للهند.
قانون تعديل الجنسية
ويعكس هذا الموقف توجهًا أوسع نطاقًا نحو رفض المساءلة، حتى مع تزايد الأدلة على انتهاكات حقوق الإنسان.
لا يقتصر عداء الحكومة الهندية للتدقيق الدولي على اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية.
فقد واجه خبراء ومقررو حقوق الإنسان التابعون للأمم المتحدة ردود فعل مماثلة.
على سبيل المثال، عندما أثار المقررون الخاصون للأمم المتحدة مخاوف بشأن قانون تعديل الجنسية عام 2020، رفضت الحكومة تصريحاتهم ووصفتها بأنها «مضللة» و«غير مبررة».
وبالمثل، وجهت اتهامات بالتحيز إلى التقارير المتعلقة باستخدام قوانين مكافحة الإرهاب، مثل قانون منع الأنشطة غير المشروعة، لاستهداف النشطاء والصحفيين.
ويتمثل رد الحكومة المعتاد في التذرع بسجل الهند الديمقراطي واتهام المنتقدين بتجاهل «التحديات الداخلية» و«المخاوف الأمنية» التي تواجهها البلاد.
اتسم رد الحكومة الهندية على تقارير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان بشأن حالة حقوق الإنسان في كشمير المحتلة بالرفض والعدائية باستمرار.
استهداف المدافعين عن حقوق الإنسان
وعندما أصدرت المفوضية تقاريرها التي تسلِّط الضوء على الانتهاكات واسعة النطاق،
بما في ذلك استخدام القوانين التقييدية لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والمعارضين السياسيين، وصفها المسؤولون الهنود بأنها «خبيثة» و«مضللة» و«منتقاة بعناية».
واستمر هذا النمط من الإنكار مؤخرًا في 3 مارس 2025، عندما أعرب المفوض السامي، في تحديثاته العالمية، عن قلقه العميق إزاء الإطار القانوني القمعي الذي يخنق الحريات الأساسية في كشمير.
ردَّ الدبلوماسيون الهنود بعدائية، ودحضوا تصريحات المفوض السامي، وأظهروا عدم احترام صارخ لأعلى سلطة عالمية مكلَّفة بمراقبة حقوق الإنسان.
إن مثل هذه الردود لا تقوض مصداقية ادعاءات الهند بالتمسك بالقيم الديمقراطية فحسب، بل تعكس أيضًا رفضًا مقلقًا للانخراط البنّاء في التدقيق الدولي المشروع.
وبتجاهل هذه المخاوف تمامًا، تخاطر الحكومة الهندية بترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب، وزيادة عزلتها على الساحة العالمية.
هذا الموقف الإنكاري يثير إشكالياتٍ لعدة أسباب.
فهو يقوّض مكانة الهند كدولة ديمقراطية.
وبرفضها التعاون البنّاء مع الهيئات الدولية، تخاطر الحكومة بعزل نفسها على الساحة العالمية.
ثانيًا، يرسّخ ثقافة الإفلات من العقاب.
فعندما ترفض تقارير انتهاكات حقوق الإنسان باعتبارها «تدخلًا أجنبيًا»، فإن ذلك يرسل رسالةً مفادها أن هذه الانتهاكات لن تعالج.
وهذا يشجّع الجناة ويترك الضحايا دون أي سبيلٍ للانتصاف.
قمع المنظمات غير الحكومية
يعكس موقف الحكومة أيضًا اتجاهًا أوسع نطاقًا نحو تضييق مساحة المعارضة، على الصعيدين المحلي والدولي.
تواجه منظمات المجتمع المدني والصحفيون والناشطون الذين يوثقون انتهاكات حقوق الإنسان مضايقات وإجراءات قانونية، بل وحتى عنفًا.
ويسلط تقرير اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية الضوء على كيفية استخدام قانون تنظيم المساهمات الأجنبية لقمع المنظمات غير الحكومية العاملة في مجال الحرية الدينية وحقوق الإنسان.
وبالمثل، استهدفت الحكومة المنتقدين في الخارج، بمن فيهم نشطاء السيخ، من خلال المراقبة والتهديدات، بل وحتى محاولات الاغتيال، كما زُعم في التقرير.
عملاء هنود متورطون في مقتل ناشط سيخي
كان رد الحكومة الهندية على هذه الادعاءات هو الإنكار والتجاهل وتشويه السمعة.
على سبيل المثال، عندما اتهمت الحكومة الكندية عملاء هنودًا بالتورط في مقتل ناشط سيخي في كندا، رفضت الحكومة هذه الادعاءات ووصفتها بأنها «سخيفة» وردّت بتعليق خدمات التأشيرات.
وبالمثل، قوبل تحقيق وزارة العدل الأمريكية في مؤامرة اغتيال ناشط سيخي في نيويورك بالصمت أو التجاهل.
هذا النهج لا يقوّض مصداقية الهند فحسب، بل يثير أيضًا تساؤلات جدية حول التزامها بسيادة القانون.
دولة مثيرة للقلق بشكل خاص
من غير المرجح أن ترحب الحكومة الهندية بتوصيات تقرير اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية،
بما في ذلك تصنيف الهند كـ«دولة مثيرة للقلق بشكل خاص» وفرض عقوبات محددة.
ومع ذلك، فإنها تؤكد على الحاجة الملحة لمعالجة انتهاكات الحريات الدينية.
إن استمرار تعامل الحكومة الأمريكية مع الهند في القضايا الأمنية والاقتصادية، مع تجاهلها إلى حد كبير لمخاوف حقوق الإنسان، يُرسل إشارات متضاربة.
فهو يشير إلى أن المصالح الاستراتيجية تفوق ضرورة محاسبة الهند على سجلها في مجال حقوق الإنسان.
تجاهل الواقع يفاقم الأزمة
في نهاية المطاف، يعدّ موقف الحكومة الهندية الرافض للتقارير الدولية فرصةً ضائعة.
ومن شأن التعاون البنّاء مع هيئات حقوق الإنسان أن يسهم في معالجة المخاوف المشروعة وتحسين مكانة الهند العالمية.
إلا أن إنكار الحكومة وتجاهلها للواقع يفاقم الأزمة.
وكما يوضّح تقرير اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية، فإنّ تآكل الحريات الدينية في الهند ليس مجرد قضية محلية،
بل هو مصدر قلق عالمي يتطلب اهتمامًا عاجلًا.
ويعدّ رفض الحكومة الهندية الاعتراف بهذا الواقع إساءةً لمواطنيها ولمبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان التي تدّعي دعمها.
في عالمٍ تعرف فيه المساءلة والشفافية بشكلٍ متزايد، فإن موقف الهند الدفاعي غير قابل للاستمرار.
يجب على حكومة الهند أن تدرك أن معالجة انتهاكات حقوق الإنسان ليست علامة ضعف، بل هي شهادة على التزامها بالعدالة والمساواة.
وإلى أن تفعل ذلك، ستظل تقاريرٌ مثل تقرير اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية تلقي بظلالها على سجل الهند الديمقراطي.
الكاتب هو رئيس معهد كشمير للعلاقات الدولية