
طارق أحمد
لطالما قدمت الولايات المتحدة نفسها كمنارة للحرية والديمقراطية، و«المدينة المتألقة على التل».
ومع ذلك، فإن سياستها الخارجية تكشف غالبًا عن قصة مختلفة. ففي حين تدعي واشنطن أنها تدافع عن حقوق الإنسان، فإن المصالح الاستراتيجية والمخاوف الجيوسياسية غالبًا ما تطغى على هذه المثل العليا،
مما يكشف عن نفاق أخلاقي صارخ. وهذه الفجوة بين الخطاب والفعل تقوض مصداقية الولايات المتحدة عالميًا وتساهم في عدم الاستقرار والظلم في مناطق مثل كشمير.
وعلى الرغم من التزامها بحقوق الإنسان وتقرير المصير، تجاهلت الولايات المتحدة باستمرار نضال كشمير من أجل الاستقلال.
وبدلاً من الدعوة إلى تقرير المصير في كشمير، أعطت الولايات المتحدة الأولوية للعلاقات الدبلوماسية مع الهند، وتجاهلت انتهاكات حقوق الإنسان من أجل الحفاظ على شراكة استراتيجية.
وقد أدى هذا التناقض بين القيم المعلنة لأميركا وأفعالها إلى تعميق السخرية من دورها كزعيمة عالمية في مجال حقوق الإنسان.
تقييم نقدي: الجانب المظلم للسياسة الخارجية الأميركية تجاه كشمير
إن المثال الصارخ على الازدواجية الأخلاقية الأميركية يتلخص في سياستها تجاه كشمير أثناء الحرب الباردة.
فرغم أن الولايات المتحدة دعمت علناً حق كشمير في تقرير المصير من خلال استفتاء فرضته الأمم المتحدة، فإنها كانت تعطي الأولوية باستمرار لمصالحها الجيوسياسية الاستراتيجية على حقوق الإنسان.
وقد حصلت الهند على إعفاء من واشنطن بشأن كشمير في مقابل تخفيف موقفها المؤيد للسوفييت، والتضحية بحقوق الكشميريين.
وفي تقرير حديث صادر عن مشروع القانون والعدالة في كشمير بعنوان «غسل العين: تقييم حقوق الإنسان للسياسة الأميركية في كشمير، يناير 1948 – يناير 1957»،
يحلل التقرير بشكل نقدي التدخل الأميركي خلال هذه الفترة. ويستشهد التقرير بوثائق رفعت عنها السرية واتصالات خاصة،
بما في ذلك تلك التي جرت بين وزارة الخارجية والسفير تشيستر بولز،
مما يكشف عن تناقض صارخ بين الخطاب الأميركي بشأن تقرير المصير وأفعاله الدبلوماسية، التي كانت رمزية إلى حد كبير.
ويُظهِر التقرير أن الولايات المتحدة أعطت الأولوية لتنمية العلاقات المواتية مع الهند على معالجة انتهاكات حقوق الإنسان في كشمير.
فوفقًا للسفير بولز، على سبيل المثال، كانت الولايات المتحدة «حريصة للغاية على إرساء حسن النية والصداقة مع الصحافة والشعب الهندي».
وفي حين أقرت واشنطن بموقف الهند «المتزمت والمتصلب» بشأن كشمير، فإنها لم تضغط من أجل إجراء استفتاء، بل دعمت بدلاً من ذلك هدف الهند المتمثل في التكامل.
ولم تكن هذه حالة من الإهمال بل قرارًا متعمدًا بوضع تحالفات الحرب الباردة فوق المبادئ الأخلاقية.
ومن خلال التحالف مع الهند، حتى على حساب معاناة كشمير، ضحت الولايات المتحدة بسلطتها الأخلاقية من أجل مكاسب جيوسياسية قصيرة الأجل.
ونتيجة لذلك، شكلت السياسة الأمريكية مسار المنطقة منذ ذلك الحين، ولا تزال العواقب محسوسة حتى اليوم.
ويوضح التقرير التناقضات في السياسة الخارجية الأميركية، حيث طغت الأولويات الاستراتيجية على قيم حقوق الإنسان،
مما أدى إلى تآكل مصداقية الولايات المتحدة على المدى الطويل.
العواقب العالمية المترتبة على عدم الاتساق في الموقف الأميركي
إن تعامل الولايات المتحدة مع قضية كشمير يشكل مثالاً صارخاً على الكيفية التي كان بها نهجها الانتقائي في التعامل مع حقوق الإنسان سبباً في عواقب عالمية عميقة.
فقد أدى الافتقار إلى الاتساق بين المثل العليا الأميركية وأفعالها إلى تقويض مصداقيتها كزعيمة عالمية في مجال حقوق الإنسان.
إن هذا الازدواج يمتد إلى ما هو أبعد من كشمير. ففي العراق وأفغانستان، أدت التدخلات الأميركية،
التي تبررها السعي إلى تحقيق الديمقراطية والاستقرار الإقليمي، إلى سقوط ضحايا من المدنيين، وتصاعد التطرف، وإطالة معاناة السكان المدنيين.
وتؤكد هذه الإخفاقات على مخاطر السياسة الخارجية التي تعطي الأولوية للمكاسب الاستراتيجية قصيرة الأجل على الاعتبارات المتعلقة بحقوق الإنسان في الأمد البعيد.
إن أكثر من مليار إنسان في منطقة متقلبة معرضون للخطر بسبب الصمت الخطير للولايات المتحدة إزاء معاناة كشمير.
ولا يزال احتمال اندلاع صراع نووي في جنوب آسيا يشكل تهديداً وشيكاً، مع احتمال وقوع خسائر فادحة في الأرواح وتدمير البيئة مما قد يؤثر على العالم بأسره.
ومن الممكن أن تؤدي التأثيرات الصحية الطويلة الأجل الناجمة عن التداعيات النووية وتعطيل الزراعة العالمية إلى نقص الغذاء وزعزعة استقرار الاقتصاد العالمي وتصعيد التوترات الدولية، مما يجعل الحلول الدبلوماسية أكثر صعوبة.
نداء للعمل: استعادة مصداقية الولايات المتحدة
ولكي تستعيد الولايات المتحدة سلطتها الأخلاقية، فلابد وأن تعمل على مواءمة سياستها الخارجية مع قيمها الديمقراطية.
ومن الممكن أن يكون نفوذها محورياً في تعزيز السلام وتقرير المصير في كشمير، حيث تعاني حقوق الإنسان من أزمة.
ولحل الصراع في كشمير، يتعين على الولايات المتحدة أن تدعم حق الكشميريين في تقرير المصير وتشجيع الحوار الهادف بين الهند وباكستان،
ووضع حقوق الإنسان في طليعة الدبلوماسية بدلاً من إخضاعها لاعتبارات سياسية أو استراتيجية.
إن مصداقية أميركا كزعيمة لحقوق الإنسان أصبحت على المحك
ومن خلال الاستشهاد بتحالفات استراتيجية تقوض المبادئ الديمقراطية، لم يعد بوسع الولايات المتحدة أن تبرر التقاعس.
ولابد أن تحل السياسة الخارجية التي تدعم باستمرار حقوق السكان المهمشين،
وخاصة في المناطق التي تتمتع فيها الولايات المتحدة بنفوذ كبير، محل التحالفات الجيوسياسية القصيرة الأجل.
إن المنظمات مثل الأمم المتحدة قادرة على الاضطلاع بدور حاسم في تيسير الحوار والتوسط في حل النزاعات بين الهند وباكستان.
ومن الممكن أن يساعد تعاون الولايات المتحدة مع هذه المنظمات في تعزيز الشفافية والشمول والالتزام الحقيقي بحقوق الإنسان في أي عملية سلام.
الطريق إلى الأمام: نهج مبدئي للدبلوماسية
إن كشمير، المنطقة التي وقعت في مرمى نيران مصالح الحرب الباردة، تظل اليوم بمثابة نقطة اشتعال للتوتر، مع وجود تهديد دائم بالصراع النووي.
إن الموقف السلبي للولايات المتحدة -الذي ركز على التحالفات الاستراتيجية بدلاً من معالجة وضع كشمير- أدى إلى إطالة أمد الصراع وتعميق عدم الاستقرار الإقليمي.
وإذا كانت الولايات المتحدة تريد أن تلعب دوراً بناء في حل هذه الأزمة، فيتعين عليها أن تتجاوز السلبية وتشارك بنشاط في جهود بناء السلام.
ولكي تستعيد الولايات المتحدة مكانتها الأخلاقية على الساحة العالمية،
فلابد أن ترتكز سياستها الخارجية على الاتساق والشفافية والالتزام الحقيقي بحقوق الإنسان.
ولن يساعد النهج المبدئي في استقرار مناطق مثل كشمير فحسب، بل سيعزز أيضاً النفوذ الدبلوماسي الأميركي على مستوى العالم.
ومن خلال إظهار التزامها بالديمقراطية بصدق وثبات، تستطيع الولايات المتحدة استعادة دورها القيادي ــ ليس من خلال الملاءمة، بل من خلال النزاهة.
لقد حان الوقت للعمل. ويتعين على الولايات المتحدة أن تحول سياستها الخارجية
بحيث تعطي الأولوية لحقوق الإنسان وتقرير المصير ــ وليس فقط عندما تتوافق مع الأهداف الجيوسياسية.
وهذا يتطلب إعادة التفكير الجذري في أولويات الولايات المتحدة، ولكنه يقدم أيضا فرصة لأميركا لتقود بالقدوة مرة أخرى،
وتفي بوعد «المدينة المتألقة على التل» وتؤكد من جديد التزامها بعالم تحترم فيه حقوق جميع الناس.
(طارق أحمد كاتب مستقل)