في خضم الصراعات العالمية، لا يوجد سلام.. ولا أمن
د. غلام نبي فاي
تحدث السيد أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، خلال الدورة الثامنة والسبعين للجمعية العامة في 7 فبراير 2024، على الرغم من أن السلام هو «سبب وجود» الأمم المتحدة، إلا أنه الشيء الوحيد المفقود بشكل كبير من العالم. وأكد الأمين العام أن الناس يريدون السلام مع الأمن والكرامة، «وبصراحة، يريدون السلام والهدوء» من الغضب والكراهية والحرب. ومع ذلك، بالنسبة لملايين الأشخاص المحاصرين في الصراعات في جميع أنحاء العالم، فإن «الحياة هي جحيم مميت».
قال السفير فيلمون يانغ، رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم 10 سبتمبر 2024، إن السلام والأمن سيظلان “ذوي أهمية قصوى” خلال فترة رئاسته.
كما نعلم جميعا أن أحد أهداف الأمم المتحدة كما ورد في ميثاق الأمم المتحدة المادة 1/1 هو “الحفاظ على السلم والأمن الدولي، وتحقيقا لهذه الغاية: اتخاذ التدابير المشتركة الفعالة لمنع الأسباب التي تهدد السلم وإزالتها، وقمع أعمال العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وحل أو تسوية المنازعات الدولية أو المواقف التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم بالوسائل السلمية وبما يتفق مع مبادئ العدل والقانون الدولي”.
إننا نشعر بالارتياح لأن الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الجمعية العامة يتابعان القضايا المهمة المتعلقة بالسلام والأمن الدوليين، والتي تم الاعتراف بها على مر السنين باعتبارها شرطاً أساسياً للتمتع بحقوق الإنسان وكرامته. وفي العديد من أجزاء العالم، فإن المتطلب الأول هو تعزيز وحماية حق الإنسان في الحياة، والذي يُحرم منه ليس بسبب مشاكل بنيوية عميقة الجذور ولكن بسبب العنف الذي يتم تشجيعه والتغاضي عنه رغم عدم قصده.
ومن الجدير بالذكر هنا أنه من أجل الحفاظ على السلام والأمن الدوليين، تستخدم الأمم المتحدة أساليب مختلفة، بما في ذلك “الدبلوماسية الوقائية والوساطة”، و”عمليات حفظ السلام”، مثل بعثة الأمم المتحدة في الصحراء الغربية (مينورسو)؛ وجمهورية إفريقيا الوسطى (مينوسكا)؛ وجمهورية الكونغو الديمقراطية (مونوسكو)؛ وجنوب السودان (بعثة الأمم المتحدة في جنوب السودان). وقد أنشأ مجلس الأمن إحدى عمليات حفظ السلام هذه في 24 يناير 1948، والتي تسمى “مجموعة مراقبي الأمم المتحدة العسكريين في الهند وباكستان” (UNMOGIP). وهذا يجعل مجموعة مراقبي الأمم المتحدة العسكريين في الهند وباكستان أقدم عملية حفظ سلام في العالم. تضم المجموعة 110 أفراد ويرأسها اللواء رامون جواردادو سانشيز من المكسيك الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة في 13 نوفمبر 2024. يقع المقر الرئيسي لمجموعة مراقبي الأمم المتحدة العسكريين في الهند وباكستان في سريناغار، عاصمة كشمير وكذلك في روالبندي، باكستان.
من البديهي أن السلام والأمن الدوليين يشكلان الشرط الأساسي لاحترام الحقوق المدنية والسياسية وتعزيز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي ظل بيئة من الاضطرابات والمحن والقتل والمذابح، يصبح مفهوم حقوق الإنسان في حد ذاته محل استهزاء. ويتعين علينا أن نعالج الأسباب الجذرية لانتهاكات حقوق الإنسان، وهو ما من شأنه أن يقودنا إلى حل النزاعات الدولية.
بعد انتهاء المواجهة الإيديولوجية بين الشرق والغرب، كان لدى المجتمع الدولي ما يبرره للأمل في أن تنتهي الأعمال العدائية في العديد من أجزاء العالم وأن يتم حل الصراعات الإقليمية المتبقية سلمياً من خلال المفاوضات والوساطة. ولكن على عكس توقعاتنا، تدور في العديد من أجزاء العالم صراعات دموية دمرت كل الآمال في نظام عالمي إنساني ومستقر.
وعلى الرغم من كل هذا، فقد أشرفت الأمم المتحدة على تفكيك الهياكل الاستعمارية على مدى العقود القليلة الماضية، ولعبت دوراً رئيسياً في تحقيق حق تقرير المصير لعدد كبير من الشعوب في معظم أنحاء العالم. ومن الأمثلة البارزة على ذلك ناميبيا، وتيمور الشرقية، وجنوب السودان، وغيرها. ومع ذلك، لا يزال حق تقرير المصير، وهو حق أساسي من حقوق الإنسان، محروماً منه في الأرض المعروفة باسم “جنة على الأرض”، كشمير.
إن منطقة جنوب آسيا تقدم دليلاً لا يمكن إنكاره على أنه لا يمكن تحقيق احترام حقوق الإنسان دون تهيئة الظروف أولاً للسلام والأمن الدوليين. لقد تعهد شعب جامو وكشمير من قبل سلطة لا تقل عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بممارسة حقه في تقرير مستقبله في ظل ظروف خالية من الإكراه والترهيب. ومع ذلك، تم سحق الحركة السلمية لشعب كشمير من أجل تحقيق هذا الحق بالقوة الغاشمة والقوانين القاسية، وخاصة قانون الإقامة الذي تم تصميمه لتغيير التركيبة السكانية لكشمير. على مدى السنوات الخمس الماضية، منذ 5 أغسطس 2019، عندما ألغت الهند المادة 370 والمادة 35 أ في انتهاكات واضحة لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 91 لعام 1951 ورقم 122 لعام 1957، وصلت معاناة الشعب الكشميري إلى شدة وحجم لا يوصف.
لقد انتهك الجيش الهندي بشكل صارخ كافة حقوق الإنسان المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وعهود حقوق الإنسان. فالتعذيب والإعدامات خارج نطاق القضاء والاختفاء والتدمير المتعمد للممتلكات والتهجير القسري والاستيلاء على الأراضي هي الممارسات اليومية. ويتحمل جهاز يتألف من 900 ألف جندي هندي من القوات العسكرية وشبه العسكرية التي يرأسها الإدارة الاستعمارية غير الشرعية المسؤولية عن كل هذه الجرائم الشنيعة. ورغم القيود المفروضة على الصحافة وقمع وسائل الإعلام، فقد ظل الكشميريون يحاولون لفت انتباه المجتمع الدولي إلى هذه الفظائع. وقد تم توثيق الفظائع في كشمير في تقرير من 47 صفحة أصدره المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان وعشرات المنظمات الدولية المرموقة لحقوق الإنسان، بما في ذلك منظمة العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش والاتحاد الدولي لحقوق الإنسان وغيرها.
وفي مواجهة هذه الأدلة الساحقة على عمليات القتل والمذابح والانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان التي يتعرض لها شعب جامو وكشمير، كان رد الفعل الدولي سلبياً للغاية، على أقل تقدير. وقد كان لهذا التأثير، دون قصد بلا شك، تأثير استرضاء وتشجيع مرتكبي هذه الجرائم في حربهم التي لا هوادة فيها ضد شعب كشمير.
إن مطلب الكشميريين بسيط للغاية. فهم يريدون التحرر من الاحتلال العسكري، وأن يقرروا مستقبلهم من خلال تصويت ديمقراطي، تحت إشراف محايد. وقد حدد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالفعل آلية لممارسة هذا الحق. ولابد من تفعيل هذه الآلية وتنفيذها. وبمجرد أن يسلك المجتمع الدولي المسار المتحضر المتمثل في التحقق من رغبات شعب كشمير، فإننا على ثقة من إمكانية استعادة السلام والأمن إلى هذه الأرض المضطربة، وتهيئتها للتمتع بحقوق الإنسان لشعب كشمير. ومن المؤكد أن ندوب شعب كشمير عميقة، وسوف يستغرق الأمر عقوداً من الزمان حتى تلتئم، ولكن من الممكن البدء في إصلاح الضرر الذي لحق بالحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كشمير.
ونأمل أن تدرك القوى العالمية أن ممارسة حق تقرير المصير لشعب كشمير وحده من شأنه أن يضمن السلام والأمن في منطقة جنوب آسيا.
(الدكتور فاي هو الأمين العام لمنتدى الوعي العالمي بكشمير) ويمكن
التواصل معه على:
WhatsApp: 1-202-607-6435 أو gnfai2003@yahoo.com
www.kashmirawareness.org)