سلايدرمقالات

السوق السوداء للمواد المواد النووية في الهند.. التداعيات العالمية

2024-10-11

السوق السوداء للمواد المشعة في الهند

كتبه شارجيل أفضل

ليس سراً أن مجموعة موردي المواد النووية تأسست في عام 1974، رداً مباشراً على تجربة الأسلحة النووية التي أجرتها الهند.

وكان الهدف من نظام الرقابة المتعدد الأطراف هذا الحد من انتشار الأسلحة النووية من خلال تنظيم تصدير المواد والمعدات والتكنولوجيا النووية.

ومن عجيب المفارقات أن نفس المجموعة منحت الهند في وقت لاحق إعفاءً من القيود، مما مكنها من متابعة طموحاتها النووية دون رادع.

واليوم، تطورت هذه المفارقة إلى خطر جسيم: إذ تشكل السوق السوداء المزدهرة للمواد المشعة في الهند الآن تهديداً أكثر غدراً للأمن العالمي.

في السابع عشر من أغسطس، أحدث اكتشاف مواد مشعة في مطار تشودري تشاران سينغ الدولي في لكناو صدمة في مختلف أنحاء العالم.

وهذه ليست الحادثة الأولى من نوعها. ففي الهند، أصبحت سرقة المواد النووية والمشعة وبيعها بشكل غير قانوني أمراً روتينياً بشكل مثير للقلق،

الأمر الذي كشف عن الإهمال الجسيم الذي ترتكبه البلاد في حماية هذه المواد القاتلة.

القبض على ثلاثة مهربين لمواد مشعة

وعلى نحو مماثل، ألقي القبض على ثلاثة مهربين في منطقة جوبالجانج في ولاية بيهار في التاسع من أغسطس الماضي وبحوزتهم خمسون جراماً من الكاليفورنيوم،

وهي مادة نادرة شديدة الإشعاع تبلغ قيمتها في السوق السوداء نحو 8.5 مليار روبية هندية.

ولا تزال النظائر المشعة التي استخدمت في هذه العملية مجهولة الهوية في ظل استمرار عمليات التقييم الجنائي،

وهو ما يسلط الضوء على الحالة المزرية التي وصلت إليها الرقابة النووية في الهند.

ومع ذلك فإن مجرد وجود الكاليفورنيوم -وخاصة النظائر مثل الكاليفورنيوم 249، والكايفورنيوم 251، والكايفورنيوم 252 الأكثر خطورة- يثير تساؤلات مثيرة للقلق.

ومن المؤكد أن احتمال استغلال هذه النظائر لأغراض كارثية يستحق دراسة جادة.

الهند دولة نووية مسؤولة

منذ انضمام الهند إلى قاعدة بيانات الحوادث والاتجار في عام 1993، أبلغت عن 27 حادثة تتعلق بتسرب مواد نووية أو مشعة خارج نطاق السيطرة التنظيمية.

إن التشغيل الآمن للمنشآت النووية هو حجر الزاوية في استراتيجية السلامة والأمن النوويين لأي دولة.

ومع ذلك، فإن سرقة المواد النووية المستمرة والمتصاعدة في الهند قوضت بشكل خطير مكانتها المعلنة ذاتيًا باعتبارها «دولة نووية مسؤولة».

تكشف هذه الخروقات المتكررة عن عيوب خطيرة في نظام السلامة والأمن في الهند. وقد أكدت مبادرة التهديد النووي (NTI)،

وهي هيئة مراقبة رائدة في الولايات المتحدة لمنع الانتشار،

حيث وضعت الهند مؤخرًا في أسفل «مؤشر الأمن النووي» الخاص بها بسبب سوء تعاملها الفادح مع المواد النووية.

تقصير شديد من جانب الحكومة الهندية

ورغم أن هذه الحوادث تعكس تقصيراً شديداً ومتكرراً من جانب الهند، فإن الاستجابة الصامتة من جانب المجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة، تثير القلق بنفس القدر. ذلك أن الكاليفورنيوم لا يوجد في الطبيعة؛

بل يتم إنتاجه صناعياً بكميات محدودة للغاية في منشأتين فقط على مستوى العالم:

مختبر أوك ريدج الوطني في الولايات المتحدة.

ومعهد أبحاث المفاعلات الذرية في ديميتروفغراد، روسيا.

وينتج أوك ريدج نحو 0.25 جرام سنوياً، في حين لا يتجاوز إنتاج ديميتروفغراد 0.025 جرام سنوياً.

ولهذه المادة تطبيقات بالغة الأهمية، مثل استخدامها كمصدر أساسي للنيوترونات لبدء تشغيل المفاعلات النووية،

وتحليل العناصر النووية والوقود والمتفجرات، والتصوير الشعاعي للنيوترونات، وعلاج السرطان.

ولكن علاوة على كل هذا، يمكن استخدام الكاليفورنيوم، بمعدله العالي للغاية من الانشطار التلقائي، في تصنيع القنابل القذرة،

مما يجعله خياراً مثالياً للإرهاب الإشعاعي.

وإذا استمر اتجاه سرقة المواد المشعة في الهند دون هوادة كما تشير إليه الأحداث، فقد يتحول أسوأ مخاوف العالم إلى حقيقة واقعة.

إن تمكين الهند للعناصر المارقة من صنع القنبلة القذرة من شأنه أن يكون كارثياً بالنسبة للعالم.

فضلاً عن ذلك، ونظراً لتاريخ الهند في تحميل باكستان المسؤولية عن كل شر،

فقد يصبح احتمال رفع علم كاذب وإلقاء اللوم على باكستان أو ربط عملية صنع القنبلة القذرة بها احتمالاً حقيقياً أيضاً.

المجرمون في الهند يتاجرون في المواد النووية في السوق السوداء

تكشف حوادث السرقة النووية عن فجوة كبيرة في النظام الهندي -أكثر من مجرد خلل- مما يسمح للمجرمين بالتداول العلني للمواد النووية في السوق السوداء

بالإضافة إلى إثارة مخاوف جدية بشأن التورط المحتمل لمسؤولين حكوميين في هذه الأنشطة الخطيرة.

ولكي تتجنب الهند اللوم عن نفسها، فقد لجأت إلى استخدام باكستان كبش فداء.

ومن عجيب المفارقات أن التاريخ يشير أيضاً إلى أن الغرب يميل إلى الوقوف إلى جانب الهند في مثل هذه المواقف، وخاصة فيما يتصل بالسلامة والأمن النوويين.

وفي حالة الهند، فشل الغرب مراراً وتكراراً في تسمية الأشياء بمسمياتها،

سواء تعلق الأمر بالسلامة والأمن النوويين أو وضع حقوق الإنسان في كشمير المحتلة من قِبَل الهند.

ولم يسمع العالم إدانة مكتومة للهند إلا في حالة القتل خارج الحدود أو محاولة القتل لمواطنين كنديين وأميركيين على أراضيهم، وهو ما لم يتم تنفيذه على نحو فعال أيضاً.

فقد كانت المصالح السياسية والاقتصادية دائماً تتفوق على الجوانب الأخلاقية.

جهات هندية غير حكومية تمتلك الكاليفورنيوم

ومن المثير للقلق أن التقارير الأخيرة تشير أيضاً إلى أن جهات هندية غير حكومية نجحت بطريقة ما في تأمين الوصول إلى الكاليفورنيوم،

الأمر الذي يكشف عن أوجه القصور العميقة في البنية الأساسية للأمن النووي في الهند.

ونظراً لتقلباته المتأصلة وإمكاناته الكارثية، فإن السؤال لم يعد افتراضياً؛

فالمسألة ليست ما إذا كانت هذه الجهات ستنشره، بل متى وكيف ستكون العواقب المدمرة.

إن استحواذ مثل هذه الجماعات على الكاليفورنيوم يشير إلى التحضير لعمل غير مسبوق من الإرهاب الإشعاعي،

وهو عمل قد يفوق إلى حد كبير أي شيء واجهناه من قبل.

إن الغرب، وخاصة القوى الكبرى، بحاجة إلى وضع مصالحها السياسية جانباً في سبيل المصلحة الأكبر المتمثلة في سلامة ورفاهية المليارات من البشر الذين يسكنون هذا الكوكب.

اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية

ففي أعقاب إعفاء الهند من مجموعة الموردين النوويين في عام 2008، تمكنت من الوصول إلى سوق اليورانيوم الدولي، فجمعت احتياطياً كبيراً من اليورانيوم.

وفي ضوء ضعف أمن المواد النووية، فمن الأهمية بمكان أن تتخذ دول مجموعة الموردين النوويين إجراءات حاسمة وتمنع الهند من الحصول على إعفاء بسبب تقصيرها في مجال الأمن النووي.

إن الهند طرف في كل من اتفاقية الحماية المادية للمواد النووية وقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1540،

اللذين يهدفان إلى تعزيز الأمن العالمي من خلال منع الانتشار النووي وحماية المواد النووية.

ومع ذلك، فإن سلوك الهند غير المسؤول في هذا الصدد يهدد بتقويض هذه الالتزامات وإضعاف أنظمة منع الانتشار الأوسع نطاقاً.

ومثل هذه الإجراءات تعرض فعالية هذه الاتفاقيات الدولية للخطر وتقوض الجهود العالمية لمنع التهديدات النووية.

السلامة والأمن النوويين يشكلان مسؤولية وطنية

إن حوادث سرقة المواد النووية تكشف عن ثغرة كبيرة في النظام الهندي -أكثر من مجرد خلل- تسمح للمجرمين بالمتاجرة علانية بالمواد النووية في السوق السوداء فضلاً عن إثارة المخاوف الجدية بشأن احتمال تورط مسؤولين حكوميين في هذه الأنشطة الخطيرة.

ولأن السلامة والأمن النوويين يشكلان مسؤولية وطنية،

فمن الضروري أن تتخذ الهند تدابير شاملة وفورية لإصلاح بروتوكولات الأمن النووي لديها، وضمان عدم تكرار مثل هذه الثغرات الخطيرة.

والآن هو الوقت المناسب للتحرك قبل أن يؤدي الخرق التالي إلى كارثة لا رجعة فيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى