مقالات

الهند تتلقى ضربة أخرى

2024-08-24

ماهين شفيق

بقلم: ماهين شفيق

إن النهج الإقليمي الذي تنتهجه الهند متخلف وغير قادر على تحقيق النتيجة المرجوة. فبعد فوز الرئيس المالديفي محمد مويزو على أساس حملة «الهند خارج البلاد»

واستياء نيبال بسبب الجدارية المثيرة للجدل التي تم تركيبها في البرلمان الهندي، أصبحت بنجلاديش حالة أخرى من المشاعر المناهضة للهند في المنطقة.

لقد تباهت الهند بما يسمى «سياسة الجوار» التي تحاول من خلالها فرض هيمنتها على الدول المجاورة في إطار رغبتها في العمل كقوة مهيمنة إقليمية.

ولكن الأحداث التي وقعت في الخامس من أغسطس في دكا تثبت أن هذه الدول المجاورة ترفض هذا النوع من سياسات الهيمنة التي تنتهجها الهند.

الإطاحة بـ حسينة واجد

لقد أطاح الطلاب المحتجون الذين غمروا شوارع دكا لأسابيع مطالبين بحصص في الخدمة المدنية بالشيخة حسينة،

التي كانت صديقة مقربة للهند وحاكمة بنجلاديش طيلة الخمسة عشر عاماً الماضية، من السلطة.

وبعد أوامرها القاسية التي أودت بحياة 450 شخصاً، اضطرت حسينة إلى الفرار إلى الهند على متن مروحية عندما اقتحم المتظاهرون مقر إقامتها.

ويقول المحللون الهنود إن هذا كان بمثابة «كابوس بالنسبة لنيودلهي».

تاريخيا، حافظت الهند على نفوذها المتسلط على بنغلاديش منذ أن تسببت في تفكيك شرق باكستان (بنغلاديش الآن) في عام 1971.

وحافظت الهند على هيمنتها على علاقاتها مع الشيخ مجيب الرحمن ثم ابنته حسينة.

وعلى الرغم من تراجع شعبيتها بشكل متزايد، واصل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي دعمه المتواصل لحسينة منذ توليها منصبها لأول مرة في عام 2009.

وفي ولايتها الخامسة التاريخية في 7 يناير 2024، رحب رئيس الوزراء مودي بحسينة كأول ضيفة دولة بعد إعادة انتخابه للمرة الثالثة.

وهذا يوضح الأهمية والأولوية التي أعطتها الهند للحفاظ على زعيم مفضل في بنغلاديش.

ولكن هذا الدعم كان يهدف إلى استخدام البلاد كحديقة خلفية استراتيجية.

إن استقالة حسينة من منصبها تعني أن الهند ستخسر حاكماً موالياً لها في المنطقة،

وهو ما من شأنه في نهاية المطاف أن يحد من نفوذ الهند في المنطقة. كما يوضح هذا أن شعب بنجلاديش يرفض تدخل الهند في بلاده.

والآن تبحث الهند عن كبش فداء من خلال إلقاء اللوم على الولايات المتحدة والصين وباكستان في خسارتها لزعيم مؤيد لها في بنجلاديش.

وتعتقد الهند أن هذه إحدى الطرق التي تستخدمها الولايات المتحدة للانتقام منها بسبب أخطائها المتزايدة في ظل ما يسمى بالاستقلال الاستراتيجي وعلاقاتها المتنامية مع روسيا.

ادعاءات زعزعة استقرار الهند

وتعتقد الهند أن الولايات المتحدة والصين تحاولان زعزعة استقرارها من خلال زعزعة استقرار المنطقة.

وبالنسبة للصين، فإن سقوط دكا هو وسيلة للاندفاع إلى بنجلاديش لتعزيز وجودها، كما ترى الهند.

وبالنسبة لباكستان، تعتقد الهند أن هذه وسيلة للانتقام من عام 1971.

ويعتقد المحللون أن ما إذا كانت القوى الخارجية لعبت أي دور في سقوط دكا أم لا لا يزال غير واضح، وأن الكشف عن مثل هذه المعلومات يستغرق عقوداً من الزمن.

وعلى أية حال، لا أحد تلومه الهند سوى نفسها على غض الطرف عن الاستياء المتصاعد.

إن هذا الفشل من نصيب الهند نفسها؛ فقد أيدت حكومة حسينة على نحو مستمر في حين لم يؤيدها الشعب والأحزاب السياسية في بنجلاديش.

وخلال الانتخابات الأخيرة، قاطعت حتى أحزاب المعارضة الانتخابات، الأمر الذي أظهر استبداد معقل حسينة في البلاد.

بنجلاديش دولة معادية للهند؟!

لم يكن شعب بنجلاديش مؤيداً للهند كثيراً، والآن تخشى الهند أن تصبح بنجلاديش دولة أخرى معادية لها في المنطقة.

وبصرف النظر عن صحة هذه التكهنات، فإن خيارات الهند في المنطقة محدودة الآن.

لا تستطيع الهند أن تتحمل التخلي عن النظام الجديد في دكا. ولكن من غير المرجح أن تتمكن من الحصول على حسن النية من النظام الحاكم الجديد في بنجلاديش وشعبها.

وخاصة ما دام يوفر الملاذ لحسينة.

 وقد تسوء الأمور إذا واصلت حسينة ممارسة سياستها من الهند.

إن الهند سوف تجد نفسها محصورة بين بنجلاديش من الغرب، والصين من الشمال، وباكستان من الشرق. كما أن تدهور العلاقات مع نيبال، وجزر المالديف، وميانمار يزيد من مخاوف نيودلهي.

فقد تعمدت الهند تعطيل مبادرة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي، وهي المنصة التي كان من الممكن أن توفر التعاون الإقليمي الفعّال.

وعلى نحو مماثل، تعمل البنية الضعيفة في الهند والنزاعات الداخلية على تعطيل مبادرة بيمستيك.

الهند تضعف الديمقراطيات المجاورة

يقول شعب بنجلاديش ونيبال وسريلانكا إن نيودلهي قادرة على المساهمة في استقرار الأوضاع السياسية وإرساء السلام الدائم في جنوب آسيا من خلال التخلي عن تدخلها العلني والخفي في الشؤون الداخلية لجيرانها.

ويقولون إن تدخل الهند يضعف الديمقراطيات المجاورة ويتناقض مع مبدأ التعايش السلمي الذي كانت الهند تدعو إليه ذات يوم، كما يتعارض مع سياسة «الجوار أولاً» التي تنتهجها حكومة مودي والتي تحظى بتغطية إعلامية واسعة النطاق.

وهذا يعني ضمناً أن هناك انتقادات متصاعدة ضد الوهم الذي تعيشه الهند في قدرتها على إدارة سياساتها الرامية إلى الهيمنة في جنوب آسيا بسلاسة.

وهذا يشير إلى أن إخفاقات السياسة الإقليمية الهندية تتزايد بسبب رغبتها في فرض هيمنتها على العلاقات بدلاً من التعامل مع الآخرين باعتبارهم دولاً متساوية وذات سيادة.

وتفرض هذه الإخفاقات على نيودلهي مراجعة سياساتها الإقليمية لدعم العلاقات التعاونية والمستقرة وحسن الجوار مع كل دول جنوب آسيا.

●●●

الكاتبة ماجستير في العلاقات الدولية ومحللة أبحاث في مجال التكنولوجيات الناشئة والأمن الدولي وباحث مشارك في معهد الدراسات الاستراتيجية بإسلام آباد (ISSI)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى