مقالات

شابير شاه: نيلسون مانديلا في كشمير

 الطاف حسين واني

شابير أحمد شاه، أحد أكثر الأصوات تحديًا، والذي صدح لعقود ضد الاستعمار الهندي الجديد في كشمير، أُسكِت الآن تمامًا في سجن تيهار بنيودلهي، ذلك السجن سيئ السمعة الذي أصبح بمثابة فخٍّ للسجناء الكشميريين.

يُوصف شاه بأنه “سجين رأي” لأنه قضى أكثر من نصف حياته (37 عامًا) خلف القضبان مناصرًا لقضية عادلة، وهو يجسد النضال الدؤوب لأمةٍ رزحت لعقود تحت وطأة نظامٍ استعماري جديد، فُرض بالخداع والتضليل والمكائد الميكافيلية.

سجنه ليس مجرد إسكات لشخص، بل هو جزء من حملة ممنهجة لسحق المعارضة، وتفكيك القيادة السياسية المحلية، ومحو الإرادة الجماعية للكشميريين المناضلين من أجل حقهم في تقرير المصير.

وُلِد شاه في عائلة متواضعة من الطبقة المتوسطة في إسلام آباد، جنوب كشمير، مدينة الينابيع التي أنجبت العديد من العقول اللامعة.

تلقى تعليمه الابتدائي في مدرسة سارنال الحكومية الإعدادية. ثم أكمل امتحانات الثانوية العليا في مدرسة إم آي الثانوية العليا.

ومع ذلك، لم يتمكن من مواصلة دراسته لأن ارتباطه بجمعيات طلابية مختلفة أدى إلى سجنه مرارًا في سن مبكرة جدًا.

بدأت رحلة شاه كمعارض للوضع الراهن في أواخر ستينيات القرن الماضي، عندما أسس مع رفاقه رابطة الشباب.

انضم لاحقًا إلى رابطة شعب جامو وكشمير، التي حشدت الجماهير ونظمت مسيرات احتجاجية حاشدة ضد اتفاق إنديرا-عبد الله عام ١٩٧٥. قاد شاه بنفسه عدة مظاهرات. ونتيجةً لذلك، اعتُقل وبقي في السجن لأشهر قبل إطلاق سراحه.

في أوائل عام ١٩٨٢، عندما أطلقت رابطة الشعب حركة “اتركوا كشمير”، أُعيد اعتقاله. أشعلت هذه الخطوة مظاهرات واسعة النطاق في جميع أنحاء الوادي، وشلّت الحياة لمدة خمسة أيام.

وخلال مباراة دولية للكريكيت في سريناغار في أكتوبر ١٩٨٣، رفع شاه راية التحدي مجددًا. قاد احتجاجات ضد الحكومة، مما أدى إلى اعتقاله مرة أخرى عام ١٩٨٤.

في خضم عقد من النفوذ الهندي المتزايد، والتدخلات السياسية المتكررة، والتخريب الممنهج، برز شاه كزعيمٍ لا هوادة فيه للمقاومة الكشميرية.

ألهم عددًا لا يُحصى من العقول الشابة التي أدركت أن المقاومة هي السبيل الوحيد لتحدي الاحتلال الهندي غير الشرعي والوجود الاستعماري في المنطقة.

بحلول أواخر ثمانينيات القرن الماضي، دخلت كشمير مرحلةً حاسمةً من الاضطرابات السياسية. حرمت انتخابات عام ١٩٨٧ المزورة الشعب من صوته الديمقراطي، ودفعت الوادي إلى ثورةٍ جماهيرية.

عاد شاه إلى الواجهة. جعله موقفه المتشدد ضد الاحتلال الهندي هدفًا رئيسيًا لأجهزة الدولة. لجأت السلطات إلى سلسلة من الاعتقالات والاحتجازات لتحييد نفوذه.

طوال تسعينيات القرن الماضي، وهي فترة اتسمت بقمع الدولة المتواصل، أمضى شاه معظم حياته في السجن. وصفته منظمة العفو الدولية ومنظمات حقوقية أخرى بـ”سجين الرأي”،

وهو اعتراف بسجنه مدى الحياة بسبب معتقداته السياسية لا أي جريمة. وعلى عكس كثيرين غيره ممن غيّروا مواقفهم تحت الضغط، ظل شاه ثابتًا على موقفه. لم تكن المقاومة بالنسبة له تكتيكًا، بل إيمانًا راسخًا.

حتى وهو خلف القضبان، تردد صدى اسم شاه في أرجاء الوادي. ألهمت تضحياته أجيالاً جديدة للانضمام إلى النضال، جاعلةً منه تجسيداً حياً لروح التحدي في كشمير.

إلا أن الدولة الهندية لم تر فيه مجرد معارض، بل تهديداً لروايتها السلطوية. كان كل إطلاق سراح يتبعه اعتقال جديد. حوّلت هذه الدورة من السجن حياته الشخصية إلى ملحمة من الصمود والتضحية.

حظي بدعم شعبي واسع. في عام ١٩٩٤، وبعد إطلاق سراحه من السجن الهندي، استُقبل استقبالًا بطوليًا في جميع أنحاء كشمير.

استقبله مئات الآلاف في البلدات والمدن. أشار الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الهندي، أ. س. دولات، في كتابه إلى أن الشعب تبعه “كعازف مزمار”، مؤكدًا نفوذه الاستثنائي.

كان شاه رجلًا ذا شعبية واسعة، ولم يؤمن بالسياسة التقليدية؛ بل كان دائمًا في قلب شعبه، سواءً قاد مظاهرات احتجاجية أو تعاطف مع ضحايا قمع الدولة.

كان شاه أيضًا أول زعيم كشميري من معسكر المقاومة يتواصل مباشرةً مع الحكومة الهندية. وبعقده محادثات في وقت حرج وحساس، أظهر شجاعة والتزامًا باستكشاف السبل السياسية لحل نزاع كشمير.

ولحشد الدعم داخل المجتمع المدني الهندي، التقى شاه بقادة من مختلف الأطياف السياسية،

وتواصل على نطاق واسع مع النخبة المثقفة. ومع ذلك، ورغم إرثه الطويل في اعتماد الحوار كأداة مفضلة للتسوية، وُصف بأنه “متعصب مسعور وعميل باكستاني”.

واستُخدمت هذه الأوصاف لإعداد ملف ضده، استُخدم لاحقًا لتبرير سجنه. بالإضافة إلى سجنه، صادرت الحكومة ممتلكاته، مما ضيّق الخناق على أحد أبرز الأصوات السياسية في كشمير.

مسترشدًا بمبدأ الوحدة في التنوع، شرع شاه في سلسلة من حملات التواصل العام. وتواصل مع مختلف المجتمعات والأحزاب الإقليمية للتوصل إلى توافق أوسع حول مستقبل كشمير. وبصفته مناصرًا قويًا للوحدة، عمل بلا كلل على جمع جميع الأحزاب تحت راية واحدة.

وأكدت جهوده على أهمية العمل الجماعي، مع الاعتراف بأن الحلول الدائمة تتطلب دعماً واسع النطاق.

رغم الصعوبات، لم يتنازل قط عن مبادئه. رُفضت عروض التنازلات من القادة الهنود – بما في ذلك وعود بالحكم الذاتي، وحزم اقتصادية، وامتيازات سياسية – رفضًا قاطعًا.

وأكد شاه أنه لا يمكن لأي حل في الدستور الهندي أن يغني عن حق الكشميريين في تقرير المصير.

تجاوزت مبادئ شاه السياسة. فهو الكشميري الوحيد المعروف الذي رفض جواز سفر هنديًا. بالنسبة له، كان إعلان الجنسية الهندية أمرًا مستحيلًا في منطقة لا يزال وضعها محل نزاع دولي.

كما رفض المشاركة في الانتخابات التي أشرفت عليها الهند في كشمير، معتبرًا إياها محاولات غير شرعية لتقويض حق الشعب في تقرير مصيره.

بين عامي 2000 و2017، واصل شاه الدفاع عن حق كشمير في تقرير المصير. وظلت سياساته راسخة الجذور. ورفض التنازل رغم المضايقات والمداهمات والاعتقالات المستمرة.

وخلال الانتفاضات الشعبية في أعوام 2008 و2010 و2016، وُضع مرارًا وتكرارًا تحت الإقامة الجبرية، وأُجبر على العيش في عزلة وانقطاع عن العالم الخارجي. وفي النهاية، حُبس في زنزانة السجن في يوليو 2017، عندما احتجزته السلطات الهندية في قضية وهمية برّأته منها محكمة هندية.

منذ ذلك الحين، احتُجز في سجن تيهار، ورُفض إطلاق سراحه بكفالة مرارًا وتكرارًا رغم

فشل وكالة التحقيقات الوطنية في تقديم أي أدلة دامغة. إن رفضه للتنازلات، ورفضه للحوافز المادية، وإعطائه الأولوية للأهداف الجماعية على الطموحات الشخصية، جعله قائدًا يتمتع بنزاهة نادرة.

بالنسبة لشعبه، يظل شبير أحمد شاه التجسيد الحي لنضال كشمير الدؤوب من أجل العدالة وتقرير المصير. وتُظهر مسيرته أن القيادة الحقيقية لا تُقاس بالألقاب أو السلطة، بل بالتضحية والشجاعة الأخلاقية والقدرة على إعلاء شأن العدالة حتى في أقسى الظروف.

على مدى عقود من النضال، رسّخ شاه مكانةً فريدةً في تاريخ كشمير المعاصر. وحظيَ أمام شعبه بمكانةٍ جليلةٍ بفضل دوره الذي لا يُقهر ومساهمته الفريدة في قضية السلام والعدالة.

وهو الآن في السبعينيات من عمره، تعرّض للرقابة والإدانة والتشهير من قِبَل الدولة الهندية، لكنه لم يُهزم قط. حتى في الأسر، ظلّ منارةً للمقاومة والضمير والشجاعة لكشمير وما وراءها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى