مقالات

سمير حسين زعقوق يكتب: كشمير تنتظر يومها الأبيض

يحتفل اليوم، الشعبان الباكستاني والكشميري، باليوم الأسود لكشمير،

وهو احتفال يحيونه كل عام في السابع والعشرين من شهر أكتوبر، كونه اليوم الذي احتلت فيه الهند ولاية كشمير.

ويقصدون من الاحتفال لفت أنظار العالم إلى ما يحدث للمسلمين في الولاية ذات الغالبية المسلمة (95% مسلمون)، وهم يعتبرون هذا اليوم أسود الأيام في تاريخ كشمير.

وذلك لقيام الجيش الهندي بمهاجمة كشمير في نفس هذا اليوم من عام 1947م، واحتلال الولاية،

حيث خرقت الهند القانون الذي تم سنه والذي تم علي أساسه تقسيم الهند إلى دولتين هما الهند ودولة باكستان الإسلامية.

وقيام الهندوس المتطرفين وقوات دوغر مهراجا هاري سينج بقتل 300 ألف مسلم كشميري في شهرين فقط؛ وذلك في محاولة لتغيير تركيبة كشمير السكانية.

ولم يوافق الشعب الكشميري علي احتلال الهند للولاية

ومنذ اليوم الأول بدأ الجهاد ضد القوات الهندوسية، وبمساعدة إخوانهم في باكستان، وأيضًا بمساعدة رجال القبائل الباكستانيين الشداد.

وكادت المقاومة أن تحرر الولاية، حيث كانت تحقق نجاحات مذهلة،

ومن هنا أحس الهندوس بأنهم سيُمنوْن بهزيمة ساحقة علي يد المجاهدين الكشميريين

فقاموا بتحويل النزاع حول كشمير إلى المنظمة الدولية ؛ طالبين دعمها ومع ذلك لم يطبقوا قرارًا واحدًا من القرارات المتتابعة التي أصدرتها الأمم المتحدة .

فقد أصدر مجلس الأمن الدولي قرارين في 13 أغسطس 1948م و5 يناير 1949م ، وافقت باكستان والهند عليهما ، وينص القراران على وقف إطلاق النار .

وترسيم خط وقف إطلاق النار ، ونزع السلاح من الولاية ، وإجراء استفتاء حر ونزيه ، إلا أن هذين القرارين وعلي مدي ستين عاما لم ينفذ منهما بندا واحد حتى الآن.

ونتيجة لترسيم الحدود بين الهند وباكستان أصبح هناك جزءٌ من كشمير تحتله الهند يقدر بثلثي الولاية ، ويسمى كشمير المحتلة ، وجزء آخر يسمى كشمير الحرة تابع لباكستان .

وتمثل قضية كشمير اليوم مأساة بكل المقاييس فعلى الرغم من أن الهند هي التي رفعت النزاع إلى الأمم المتحدة ،

وتم إصدار قرارات بوقف إطلاق النار إلا أنها لم تكن سوى حبر على ورق.

فالهند لم تلتزم

 فالهند لم تلتزم بها وواصلت حملة شرسة ضد الشعب الكشميري الذي قارب عدد من سقط صريعًا من أبنائه المائة ألف قتيل برصاص القوات الهندية التي لم تلتزم بوقف إطلاق النار في أي يوم من الأيام .

وبما أن القرارات الدولية لم تقدم للكشميريين شيئًا؛ لحل قضيتهم العادلة

فما كان من هذا الشعب الأبي إلا أن قام بثورة عظيمة منذ العام 1989م دفاعًا عن أرضه.

 وهذه الثورة دفعت رئيس الوزراء السابق أتال بيهاري فاجبايي إلى التفاوض مع رئيس باكستان السابق الجنرال بروفيز مشرف في السادس من يناير 2004م ،

واستمرت المحادثات بين البلدين حتى تولى مان موهان سينج رئاسة وزراء الهند في 2004م ،

وأظهرت باكستان مرونة شديدة في الحوار إلا أن الهند أظهرت تصلبًا وتعنتًا شديدا .

 وهذا الموقف الهندي عرقل كل جهود حل النزاع سلميًا حتى الآن،

ومن المعتقد أن الهند ستحصد نتيجة موقفها المتعنت؛

لأنها فقدت فرصة ذهبية بعدم موافقتها على الاقتراحات الباكستانية، وهي نزع السلاح، والحكم الذاتي، والإدارة المشتركة لحل النزاع.

ويبقى الوضع في «كشمير المحتلة» كما هو عليه،

ويستمر الإرهاب الهندي ضاربًا جذوره في الولاية

منتهكًا كل القوانين والأعراف الدولية وغير الدولية ضد الأبرياء من أبناء الشعب الكشميري.

 لتسجل بذلك منظمات حقوق الإنسان أرقامًا قياسية في انتهاكات حقوق الإنسان

من قتل للأطفال والرجال والنساء، وسجن وتعذيب للأبرياء، وتغييب لعدد كبير من شباب كشمير.

وقد عبرت المنظمات الدولية لحقوق الإنسان عن استيائها الشديد مما يحدث لأهالي كشمير، من هذه المنظمات امنستي انترناشيونال ومنظمة هيومن رايتس ووتش وآسيا ووتش.

 وأصدرت هذه المنظمات تقاريرها ضد هذه الانتهاكات، ولم تهتم سلطات الاحتلال الهندية بهذه الاحتجاجات، واستمرت في ممارساتها القمعية ضد المسلمين في «كشمير المحتلة».

سياسية ممنهجة

الحكومة الهندية تنتهج سياسة هندكة الهند، وهي تحويل كل أصحاب الديانات الأخرى إلى الهندوسية، على اعتبار أن الهند للهندوس،

كما أن فرنسا للفرنساويين، وإنجلترا للإنجليز،

وعليه ألغت المادة 370 الخاصة بكشمير، لتغيير التركيبة الديمغرافية للولاية،

وأصدرت قانون المواطنة الهندي لعام 2019، وهو إجراء صدر عن البرلمان الهندي لتعديل قانون المواطنة لعام 1955،

بحيث يوفر طريقًا للحصول على الجنسية الهندية للأقليات الدينية من باكستان وبنغلاديش وأفغانستان. ولم يتم منح المسلمين مثل هذه الأهلية.

العنصرية ضد أهالي كشمير

هناك دوافع عنصرية التي تدفع الهند للقيام بحملتها الشرسة ضد أهالي كشمير،

وزادت حدة هذه العنصرية منذ اعتلاء ناريندرا مودي، للسلطة في العام 2014، كرئيس وزراء للهند،

وأن يحكم حزب بهارتيا جاناتا الهندوسي المتطرف الهند، ومعروف أن مودي هو جندي من جنود الـ«آر إس إس» الجناح العسكري للحزب الحاكم،

إذن الدافع هو الدين، فالهندوس كما أسلفنا يسعون لهندكة الهند..

وهذا يؤكد أن الهند دولة دينية بامتياز، وأم مسألة أنها أكبر ديمقراطية في العالم، فهو كلام للتسويق الإعلامي.

طريقة إنقاذ الكشميريين

أما طريقة إنقاذ الكشميريين، فهي المقاومة ثم المقاومة، ثم المقاومة.. وإن وقف العالم كله ضدهم، واصطف بجانب الهند..

وعدم التعويل على الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، أو حتى الاعتماد على باكستان.. فلن يحرر كشمير من الهند سوى الكشميريين أنفسهم.

العنصرية ضد الكشميريين، قديمة قِدَم الاحتلال الهندي للولاية، من أيام أول رئيس وزراء هندي «جواهر لال نهرو»..

لكن الفرق في التعاطي، فأيام نهرو ومن شابهه، كانت السياسة والقرارات الدولية والأمم المتحدة والحوار، هي الطريق السهل لتضييع حق الكشميريين ومواصلة احتلال أرضهم..

أما حزب بهارتيا جاناتا القومي الهندوسي، فحواره السّنَج والسواطير والسيوف، وغيرها من أسلحة الـ«آر إس إس»،

والتي تم استخدامها في شوارع الهند ضد المسلمين، والبندقية والمدفع والاعتقالات، التي تقوم بها قوات الأمن الهندوسية في كشمير.

الهندوس يعتقدون أن التقسيم أضر بهم، وهم لن يعطوا حق تقرير المصير، فضلا عن ضمه لباكستان،

ولكن يسعون لإعادة باكستان وبنجلاديش لحضن الهند.. المسألة لديهم أعمق من قرارات دولية أو غيره. 

حملات اعتقال واسعة

حملات الاعتقالات واسعة ومنتشرة، واختلاق القضايا ضد الشباب كذريعة لاعتقالهم، وبالنسبة لتشريع قوانين بهدف طرد الأقلية المسلم،

كان أولها هو إلغاء المادة 370، لكن حجج وجود مسلحين ومتشددين، فالهند تمارسها عمليًا، تقوم بقتل الشباب، بحجة أنهم مسلحون.

إبادة جماعية

هي بالفعل إبادة جماعية، لكن السؤال، هل تستطيع الهند الاستمرار في تلك السياسة؟

طبعًا لن تستطيع الهند أن تستمر، في ظل مقاومة شرسة، لا يمر يوم إلا ويسقط أحد الجنود الهندوس قتيلا، على يد المقاومة..

وللعلم الهند تدفع بنحو مليون جندي عسكري وشرطي في الولاية، وتسعة للقضاء على المقاومة، لكنها لم تستطع على مدا 74 عامًا..

ولن تكون كشمير كالروهينجيا أو الإيغور، هي تشبه فلسطين إلى حد كبير..

حتى في بدء المشكلة، كشمير مشكلتها بدأت في أكتوبر 1947، وفلسطين بعدها بأقل من عام 15 مايو 1948.

المقاومة ليست تنظيمات متشددة

المقاومة ليست تنظيمات متشددة، فهي رد فعل، احتلال أرض من دولة من الدول، يقابله مقاومة،

لكن تصنيفات «تنظيمات متشددة» هي اختراعات يخترعها المحتل، لكسب عطف المجتمع الدولي..

وكما أسلفت فإن المقاومة الكشميرية تذيق، وستذيق الهندوس المر.. ذلك أنهم مؤمنون بعدالة قضيتهم..

على عكس الجنود الهندوس المتواجدين في كشمير الذين ساءت حالتهم النفسية، مما أدى إلى إطلاق المجندين النار على الضباط،

وارتفاع حالات الانتحار في أوساط القوات الهندية في الولاية.

فالكشميريون أطلقوها صريحة «لن نتوقف عن المقاومة حتى بتم تحرير كامل الولاية من الاحتلال الهندي،

الأمر الذي دفع الهند للبحث عن خطط لوقف هذه الانتفاضة.

وهو ما ستفشل فيه حتمًا لأنها تبحث عن حلٍ يرضيها، ولا تهتم بالطرف الآخر،

ومن هنا أرى أن المقاومة ستستمر حتى تتحرر كشمير من الاحتلال الهندي، ووقتها سيحتفل الكشميريون بـ«اليوم الأبيض» وهو يوم التحرير، الذي طال انتظاره،

وإن غدًا لناظره قريب

سمير زعقوق

كاتب صحفي، وباحث في شئون شبه قارة جنوب آسيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى