كشميرمقالات

ماجد علم يكتب: سياسة باكستان في كشمير بعد المادة 370

لم يختلف رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان عن أسلافه فيما يتعلق بسياسة كشمير، حيث تستخدم حكومته المحادثات الثنائية وتثير القضية على الصعيد الدولي. بيد أن تحرك الهند لإلغاء الوضع الخاص لوادي كشمير في آب/أغسطس الماضي، والذي يتوقع المراقبون أن يسفر عن تغييرات ديموغرافية في الوادي، كان كبيرا. وكانت هذه هي المناسبة الأولى التي اتخذت فيها الهند خطوة أحادية الجانب تتجاهل الاتفاقات السابقة، مما أدى إلى فشل المحادثات الثنائية.

يعود الصراع بين الهند وباكستان حول كشمير إلى عام 1947 عندما انسحب البريطانيون من شبه القارة وانقسمت الإمبراطورية الاستعمارية إلى دولتين قوميتين. ومنذ ذلك الحين، كان الإقليم متنازعا عليه بين الهند وباكستان، مع محادثات ثنائية في بعض الأحيان، ولكن في كثير من الأحيان.

إن اتفاق سيملا التاريخي الذي وقعته رئيسة وزراء الهند إنديرا غاندي والرئيس الباكستاني ذو الفقار علي بوتو في تموز/يوليه 1972، ينص على ضرورة حل المسألة على الصعيد الثنائي. وقد اتبع هذا المبدأ من خلال اتفاقات متتالية مختلفة بين الزعماء الهنود والباكستانيين. وكان الطرفان الأقرب إلى اتفاق في إعلان لاهور في شباط/فبراير 1999، في عهد رئيس الوزراء الهندي أتال بيهاري فاجبايي ونظيره الباكستاني نواز شريف. بيد أن النتائج كانت متوترة بعد اندلاع النزاع في كارجيل في أيار/مايو 1999. وقد اجتمع الجانبان عدة مرات بعد الحرب، بيد انهما فشلا فى التوصل الى توافق فى الرأى فى كل مرة. وعلاوة على ذلك، فإن التشدد واندلاع العنف قد زادا من تعقيد المسألة.

كانت سياسة باكستان تجاه كشمير في العقد الماضي رجعية، حيث استجابت إلى حد كبير لتحركات الهند في شبه القارة. وقد لوحظت هذه الخاصية خلال الاحتجاجات العنيفة التي أعقبت مقتل زعيم المقاتلين الكشميريين برهان واني في عام 2016 على يد جنود هنود. بعد وفاة واني، تصاعدت الاحتجاجات العنيفة؛ فقد 90 مدنياً حياتهم وأصيب أكثر من 300 2 شخص بجروح. وأبدى رئيس الوزراء الباكستاني آنذاك نواز شريف تضامنه مع زعيم المقاتلين، ووصف برهان واني بأنه «شهيد» وقال إنه سيتم الاحتفال بيوم 19 تموز/يوليو في باكستان باعتباره «يوم أسود» للتعبير عن التضامن مع شعب كشمير.

وفي عام 2015، قال خان في مقابلة تلفزيونية إن كشمير قضية أساسية وتحتاج إلى حل من خلال الحوار مع الهند. واضاف خان انه يريد اقامة علاقات جيدة مع الهند وعلاقات تجارية. كانت لهجة خان السلبية بشأن كشمير واضحة خلال الانتخابات في عام 2018، حيث ظل الخلاف غير قضية. اختارت حركة «إنصاف» الباكستانية في خان تجاهل قضية كشمير في البيان الانتخابي. وحتى حزب الشعب الباكستانى المعارض الذى تعهد بجعل كشمير جزءا من باكستان تجاهل كشمير خلال الانتخابات.

وبعد بضعة أشهر من فوزه في الانتخابات، حقق خان إنجازاً دبلوماسياً مع تدشين ممر كارتاربور، مما سمح للحج بالطائفة الهندية من السيخ إلى كارتاربور في باكستان. بيد ان النوايا الحسنة سرعان ما طغى عليها هجوم ارهابى فى كشمير. في 14 فبراير/شباط 2019، أسفر هجوم إرهابي على قافلة لقوات الأمن الهندية عن مقتل نحو 40 جنديا في كشمير. وقد قاد التفجير الانتحارى الذى يعتقد ان القوات التى تدعمها باكستان قد قاد البلدين الى حافة الحرب. وبعد بضعة أيام، شنت الهند ضربة وقائية في الأراضي الباكستانية على أهداف تعتقد الهند أنها جماعة إرهابية؛ وردت باكستان.

وبعد بضعة أشهر، أعيد انتخاب رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي بتفويض كبير. وتركزت الحملة الاكبر للحزب الحاكم حول الهجوم الارهابى الذى يعتقد انه مدبر فى باكستان. وبعد فترة وجيزة من الانتخابات، نفذت الحكومة الهندية مشروعها الطموح الذي طال انتظاره في كشمير: إلغاء المادتين 370 و35 ألف من الدستور الهندي، اللتين منحتا وضعا خاصا ً كشمير. وأدى التعديل إلى إدخال تغييرات على حقوق ملكية الأراضي ومعاملة تفضيلية لشعب الدولة في مجال الوظائف والتعليم.

وعلى الفور وصف عمران خان هذه الخطوة بأنها غير قانونية وانتهاك لقرارات مجلس الأمن بشأن كشمير واتفاق شيملا بين البلدين. وفى مقال لصحيفة نيويورك تايمز وصف خان هذه الخطوة بانها ضم غير قانونى كشمير وحذر من ظل نووى يلوح فى الافق حول العالم. ومع ذلك، أكد خان، شأنه شأن أسلافه، على أنه يمكن حل هذه المسألة من خلال الحوار والمفاوضات بين الطرفين.

كانت سياسة باكستان تجاه كشمير دائماً في حالة تغير مستمر بين المحادثات الثنائية من ناحية والنهج العسكري من ناحية أخرى. بدأ خان فترة ولايته دون التركيز كثيرا على قضية كشمير. ولم تعد هذه القضية إلى الأضواء إلا بعد إلغاء الهند للوضع الخاص كشمير. وانتقد خان امام الجمعية العامة للامم المتحدة الهند على خطوتها محذرا من «حمام دم» فى كشمير. وقد تغيرت سياسة خان بشأن كشمير ونهجه تجاه الهند بشكل كبير. ودعا خان، الذى تحدث فى وقت سابق عن حل القضية من خلال المحادثات الثنائية، الى التدخل الدولى بشأن كشمير.

إلا أن عمران خان ليس أول زعيم يسعى إلى التدخل الدولي. وقد أثار سلفه نواز شريف هذه المسألة في الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2013 و2015، بينما أثار هذه القضية في عام 2017 المبعوث الباكستاني، ماليها لودي. ومع ذلك، لم يتمكن شريف من كسر ذوبان الجليد ولا تزال المسألة في طريق مسدود.

غير أنه بعد إلغاء المركز الخاص كشمير، حظيت باكستان بدعم أكبر. جاء التضامن من الصين التى قالت انها ستدعم باكستان فى «القضايا المتعلقة بمصالحها الجوهرية». كما دعمت تركيا وماليزيا باكستان بشأن كشمير. كما دعت منظمة التعاون الاسلامى الى حل سلمى للقضية، وترى أن كشمير مازالت أحد أكبر بنود جدول أعمال منظمة المؤتمر الاسلامى. ولكن النجاح الدبلوماسي لم يدم طويلاً. حافظت المملكة العربية السعودية على الحياد بشأن قضية كشمير، ودعمت الهند في الإرهاب عبر الحدود خلال زيارة مودي إلى الرياض في أكتوبر 2019. كما وصفت الإمارات العربية المتحدة قرار إلغاء المادة 370 بأنه شأن داخلي للهند. فضلاً عن ذلك، فإن أربعة أعضاء دائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ـ الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمملكة المتحدة ـ رفضوا الاقتراح الصيني الذي يدعو المجلس إلى تناول مسألة كشمير.

وحالة الولايات المتحدة مثيرة للاهتمام بشكل خاص. وقد ذكر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مراراً وتكراراً أنه مستعد للتوسط بين البلدين إذا أرادا ذلك. كانت الهند واضحة فى أنها لا تريد تدخل الولايات المتحدة فى قضية كشمير بينما تواصل باكستان طرح هذا الاحتمال. وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أصدرت في وقت سابق بيانًا متوازنًا في أغسطس 2019، ذكرت فيه إصرار الهند على أن إلغاء المادة 370 هو شأن داخلي للهند. ويعتقد المحللون ان الهند حلت محل باكستان كشريك استراتيجى للولايات المتحدة بينما مازالت اسلام اباد شريكا تكتيكيا فى شبه القارة.

وفي الوقت نفسه، أصبحت الصين لاعباً متزايد الأهمية في شبه القارة، وتعتبر باكستان «صديقة في كل الأحوال الجوية». كما أن الممر الاقتصادى الصينى الباكستانى الطموح له مصلحة قوية فى كشمير حيث يمر عبر الجزء الذى تديره باكستان من الوادى. كما زعم بعض المحللين ان قضية كشمير وفرت حافزا للمواجهة الاخيرة فى وادى جالوان بين الصين والهند.

وبعد مرور عام على تحرك الهند في كشمير، فشل عمران خان في حل القضية من خلال المحادثات الثنائية. كما أن محاولة تدويل القضية لم تذهب بعيداً أيضاً، وذلك بفضل النكسات التي من سجل باكستان السابق في إيواء الإرهاب. بيد أن التطورات الاخيرة فى شبه القارة، وخاصة الازمة الهندية الصينية، كانت مؤشرات ايجابية لهدف باكستان وهو الحفاظ على الوضع الراهن فى سياستها تجاه كشمير.

—-

ماجد علم صحفي مستقل مقيم في نيودلهي. 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى