أخبار تقارير

قانون الجنسية الجديد.. لماذا يشعر مسلمو الهند بالقلق؟

يقدر عدد المسلمين في الهند بـ300 مليون نسمة، لكنهم يشعرون بتهديد متزايد حول وضعهم القانوني في البلد الذي يعتبرونه وطنا، ويشكل الهندوس أغلبية سكانه البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة.

ولعل قانون الجنسية المعدل الجديد، أحدث إجراء يرى مسلمو البلد الذي يعد أكبر ديمقراطية في العالم، أنه يستهدفهم وسبقته إجراءات أخرى بينها إحصاء سكاني مثير للجدل، وموافقة السلطات على بناء معبد هندوسي على أنقاض مسجد.

لكن القانون الجديد، شكل القشة التي قسمت ظهر البعير. فقد اندلعت احتجاجات عارمة في الأيام الأخيرة في مختلف أنحاء البلاد عبّر فيها الكثيرون عن قلقهم ومخاوفهم في ظل حكم القوميين الهندوس.

وبموجب القانون، تمنح الجنسية الهندية للبوذيين والمسيحيين والهندوس والجنس والبارسيين والسيخ الذين فروا من باكستان وأفغانستان وبنغلاديش بسبب الاضطهاد الديني قبل عام 2015. حسب زعم الهند. ولا يشمل اللاجئين الروهينغا المسلمين الذين فروا من الاضطهاد في ميانمار.

ويقول منتقدو القانون إنه يميز ضد المسليمن الذين يشكلون أكبر أقلية في البلاد و14 في المئة من سكانها، بل يرى كثيرون أنه أحدث خطوة في مشروع يعمل عليه رئيس الوزراء ناريندرا مودي على مدى سنين، من أجل إعادة بناء الهند، الجمهورية العلمانية التعددية التي أسست في عام 1947، إلى دولة هندوسية.

وذكر مقال لصحيفة نيويورك تايمز أن القانون، مثلما يقدر مسلمو الهند، لا علاقة له بمساعدة المهاجرين وإنما الأمر يتعلق بالحملة التي قام مودي ووزير داخليته، أميت شاه، لتهميش المسلمين وتحويل الهند إلى وطن للهندوس الذين يشكلون حوالي 80 في المئة من السكان.

احتجاجات عارمة

المشاهد التي عمت الهند التي تعد أكبر ديمقراطية في العالم، منذ الأسبوع الماضي، شكلت أكبر حركة احتجاج تعرفها البلاد خلال السنوات الأخيرة، وأهم معارضة شعبية لمودي خلال أكثر من خمسة أعوام له في السلطة.

فبعد سبعة أشهر على فوز رئيس الوزراء بولاية ثانية، شهدت البلاد أسبوعا من الاحتجاجات قُتل فيها أربعة أشخاص وأصيب العشرات وفيما ألقي القبض على المئات.

وحظرت السلطات التي استخدمت عنفا مفرطا واقتحمت الجامعات واعتدت بالضرب على طلاب وأطلقت الغاز المسيل للدموع على المحتجين، التجمعات في مناطق يسكنها مجتمعة مئات ملايين السكان.

مراقبون قالوا إن عنف الشرطة شائع في المناطق الهندية الفقيرة والقروية، إلا أنه من غير العادي أن ينفجر بهذا الحجم في العاصمة.

وقال وقار عزام، وهو طالب في الـ26 من عمره، كان يدرس في مكتبة جامعته عندما اقتحمها طلاب وهو يصرخون هربا من الشرطة ثم أوصدوا مداخلها. بعد ذلك بلحظات، حطمت عبوات الغاز المسيل للدموع النوافذ وعم الدخان الخانق المكان.

“ما تشهده الهند لم يحدث بين ليلة وضحاها” وفق عزام الذي أردف قائلا “إن لم نحتج ضده الآن، فنعيش مثل العبيد في نهاية المطاف”.

وفيما يقول مؤيدو مودي إن جميع المحتجين مسلمون أو من جماعات سياسية معارضة، إلا أن عزام أكد أن كثير من المتظاهرين صوتوا لحزب مودي ويعرون بالندم الآن.

ما هو قانون الجنسية الجديد؟

لا يبدو القانون في الوهلة الأولى مسيئا، إذ يقدم سبيلا للحصول على الجنسية الهندية للاجئين المتحدرين من ثلاثة بلدان مجاورة، هي باكستان وبنغلادش وأفغانستان، والذين يقيمون حاليا في البلد بصورة غير قانونية.

وفيما يشكل المسلمون غالبية سكان تلك البلدان، إلا أن القانون يقترح الجنسية على أتباع ست ديانات ليس الإسلام واحدا منها. وبموجب القانون سيتمكن كل من البوذيين والمسيحيين والهندوس والجنس والبارسيين والسيخ، من نيل الجنسية الهندية.

حكومة مودي تقول إنه نظرا لأن القانون ينطبق على اللاجئين من الدول الإسلامية، فإن الهند لا تحتاج إلى تقديم حماية خاصة للمسلمين، وكتب رئيس الوزراء في تغريدة “هذا الإجراء يوضح ثقافة القبول والتناغم والرحمة والأخوة التي امتدت لقرون في الهند”.

ومنذ وصول مودي إلى السلطة في 2014، شهد المجتمع الهندي ترويجا وانتشارا لخطاب عرقي-ديني يقوم على أيديولوجيا تفوق الهندوس التي يرى معارضوها أنها خطر على تنوع المجتمع الهندي.

وقالت عائشة رينا وهي مسلمة أصبحت أيقونة التظاهرات بعد أن حمت في نهاية الأسبوع زملاءها الطلبة من عصي الشرطيين، “في المرحلة التالية سيستهدفون الهند كلها”.

لماذا يشعر المسلمون بالقلق؟

قبل القانون الذي فجر الغضب الشعبي، تم تغيير أسماء مدن وشوارع إسلامية في السنوات الأخيرة، بتسميات أكثر “هندوسية”. وفي الأثناء سحلت ميليشيات هندوسية عشرات الأشخاص بداعي الدفاع عن البقرة المقدسة، وشمل هذا الأمر خصوصا مسلمين.

وفي أغسطس 2019، ألغت سلطات الهند الحكم الذاتي في كشمير المنطقة الوحيدة ذات الغالبية المسلمة في البلاد.

وفي نوفمبر سمحت المحكمة العليا ببناء معبد هندوسي كبير في أيوديا في موقع مسجد تم هدمه في 1992 من قبل متطرفين هندوس. وكانت عملية الهدم تلك تسببت بأسوأ موجة عنف في تاريخ الهند المستقلة.

وفي أغسطس أيضا، أعلنت سلطات آسام أن نحو مليونين من سكانها لم يتم إدراج أسمائهم في سجل لتعداد المواطنين في الولاية الواقعة في شمال شرق البلاد، ضمن مبادرة من الحكومة التي تنوي تطبيقه في مناطق أخرى.

بقاء هؤلاء خارج السجل، يعني أنهم قد يحرمون من الجنسية وقد يتم ترحيلهم في نهاية المطاف. وأفاد بيان رسمي بأن ما مجموعه 31.1 مليون شخص من سكان آسام أدرجوا على لوائح السجل الوطني للمواطنين، لكن 1.9 مليون آخرين لم تدرج  أسماؤهم في السجل.

الإحصاء الذي يعرف اختصارا بـ “ان ار سي” أثار جدلا وقلقا في صفوف المسلمين بينهم حبيب الرحمن (50 عاما) الذي أمضى أربع سنوات في مخيم “أجانب” في الولاية ، بسبب هذا السجل. ووضع هذا السجل بداعي مكافحة الهجرة غير الشرعية في المنطقة التي تشهد مواجهات طائفية.

وقال هذا الأب لأربعة أطفال الذي أفرج عنه مؤخرا ويخشى أن يطرد من الهند، إن “خمسة أجيال من أسرتي سكنت هذه القرية، ثم يأتون الآن ليقولوا لي انني متسلل لأنني مسلم؟”

مسلمو الهند “لم يعد لديهم ما يخسرونه”

السجل الذي تم إعداده هذا العام، يطلب من كل سكان أسام إثبات وجود أسرتهم منذ فترة طويلة في الولاية. ومن يعجز عن إثبات ذلك وتوفير الوثائق الضرورية، يعتبر أجنبيا حتى لو كان لا ينتمي لأي دولة أخرى.

وأوضح الباحث عبد الكليم أزاد أن من يكونون خارج السجل “سيصبحون من البدون وكأنهم غير موجودين”، و”لا يمكنهم ممارسة الأعمال أو العمل أو متابعة الدراسة أو أن يكونوا ملاكا” لعقارات.

وأضاف “من لا يمكنهم إثبات مواطنتهم الهندية، سينتهون إما في مركز احتجاز وإما سيكون عليهم الاختباء من السلطات مدى الحياة”.

وبحسب عنبرين آغا، الأستاذة في جامعة في سونيبات فإن معارضة قانون المواطنة مرشحة للتعاظم. وأضافت “شهدنا مقاومة في الماضي، لكن ما يحدث اليوم في الشوارع لا سابق له في تاريخ الهند الحديث”.

وشددت على أن المسلمين في الهند “لم يعد لديهم ما يخسرونه”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى