سلايدر

احتجاجات واسعة في الهند بعد تسجيل بلاغ ضد لافتات “أحب محمد”

شهدت عدة مدن هندية حالة من الغضب والاحتجاجات الواسعة عقب قيام شرطة كانبور في ولاية أوتار براديش بتسجيل بلاغ ضد مجموعة من المسلمين رفعوا لافتات كُتب عليها “أنا أحب محمد” (صلى الله عليه وسلم) أثناء احتفالات المولد النبوي الشريف.

الواقعة، التي بدت في نظر المحتفلين تعبيراً طبيعياً عن حب النبي، تحولت إلى شرارة احتجاجات امتدت إلى ولايات مختلفة، وفتحت نقاشاً واسعاً حول حرية التعبير والحرية الدينية في البلاد.

تفاصيل الحادثة في كانبور

في الثاني عشر من ربيع الأول، تجمع المسلمون في منطقة سيدناجار بكانبور للاحتفال بالمولد النبوي، حيث رفع بعض المشاركين لافتات مكتوب عليها عبارة “أنا أحب محمد”.

إلا أن زعيماً هندوسياً محلياً تقدم بشكوى للشرطة، معتبراً ذلك “تقليداً جديداً يثير الحساسيات”. وبشكل مفاجئ، سجلت الشرطة بلاغاً ضد عدد من المشاركين بتهمة إثارة التوتر.

هذه الخطوة فجرت الغضب، إذ اعتبرها المسلمون استهدافاً لمعتقداتهم، خاصة وأن العبارة لا تتضمن أي تحريض أو إساءة.

اتساع رقعة الاحتجاجات

لم تتوقف القصة عند كانبور. ففي أغرا، خرج المئات من المصلين بعد صلاة الجمعة في مسجد شاهي جامع، مطالبين بسحب البلاغ.

وفي حيدر آباد، نظم السكان مسيرة كبيرة رفعوا خلالها نفس اللافتات، معلنين استعدادهم لتحمل المسؤولية “إذا كان حب النبي يُعد جريمة”.

وفي مدن مثل أحمد آباد، مومباي، باربهاني، برهانبور، وجارخاند، خرجت مسيرات مشابهة، بينما امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بالوسم “أنا أحب محمد”.

ردود أفعال المحتجين

المتظاهرون اعتبروا أن تسجيل البلاغ يمثل “انتهاكاً للحرية الدينية”. وقال أحد المشاركين في أغرا:”إذا كان حب نبينا جريمة، فنحن جميعاً مجرمون، ولن نتوقف عن قولها علناً”.

في حيدر آباد، هتف المحتجون:”حب محمد في قلوبنا لا يحتاج إلى إذن من أحد، لكننا سنرفع صوتنا ضد أي ظلم”.

مواقع التواصل الاجتماعي تتحرك 

انتقلت القضية بسرعة إلى العالم الرقمي.

على منصة X (تويتر سابقاً)، أصبح الوسم “أنا أحب محمد” من الأكثر تداولاً طوال اليوم، حيث غيّر آلاف المستخدمين صور ملفاتهم الشخصية وكتبوا العبارة تعبيراً عن التضامن.

قال ناشط شبابي من مومباي:”وسائل التواصل أصبحت سلاحنا في مواجهة محاولات تكميم الصوت الديني”.

موقف الشرطة والحكومة

شرطة كانبور بررت تسجيل البلاغ بأنه “إجراء احترازي للحفاظ على السلم العام”، لكنها لم تصدر تفاصيل إضافية.

مصدر حكومي محلي أكد أن السلطات “لا تستهدف أحداً”، وإنما تحاول منع “أي مظاهر قد تؤدي إلى توتر مجتمعي”.

لكن محللين اعتبروا أن هذا التبرير “ضعيف”، خاصة أن رفع لافتة دينية لم يترافق مع أي عنف أو تحريض.

أصوات قانونية تنتقد

عدد من خبراء القانون في دلهي أبدوا استغرابهم من الخطوة.

المحامي سراج قريشي صرّح قائلاً “لا يمكن إدراج عبارة (أنا أحب محمد) تحت أي نص قانوني يجرّمها. هذا بلاغ يفتقر إلى الأساس القانوني”.

بينما اعتبر أستاذ القانون الدستوري في جامعة جواهر لال نهرو أن الحادثة “تعكس تضييقاً متزايداً على حرية التعبير، ما قد يفتح باب الطعن في القرارات أمام المحاكم”.

علماء الدين يردون

علماء الدين في الهند رأوا أن ما حدث يمثل تعدياً على المشاعر الإسلامية.

قال الشيخ محمود الأشرفي، أحد علماء دلهي:”حب النبي أمر فطري عند كل مسلم، ولا يمكن تجريمه أو حصره. رفع اللافتات كان مظهراً سلمياً ولم يكن فيه استفزاز لأحد”.

كما دعا مفتي أحمد آباد إلى “الحكمة وضبط النفس”، لكنه شدد على ضرورة “إلغاء البلاغ احتراماً للتنوع الديني في البلاد”.

مشاركة أطراف أخرى

اللافت أن الاحتجاجات لم تقتصر على المسلمين فقط.

في أغرا، شارك ساتيا بال، نائب رئيس وحدة جيش بهيم (وهي منظمة داليتية)، في المظاهرة. وقال:

“الهند بلد ديمقراطي، وإذا أصبح التعبير الديني جريمة، فسنكون جميعاً مهددين”

هذا الموقف عزز من البعد المشترك في القضية، حيث اعتبرها كثيرون مسألة مرتبطة بالحريات العامة وليس فقط بحقوق المسلمين.

الإعلام بين التغطية والتجاهل

وسائل الإعلام المحلية انقسمت في تعاملها مع الحدث.

بعض القنوات قدمت تغطية موسعة لاحتجاجات كانبور وأغرا، بينما تجاهلتها قنوات أخرى ركزت على “خطر إثارة الفتن”.

ناشطون اتهموا الإعلام الموالي للحكومة بـ”تضخيم المخاوف الأمنية” للتغطية على المطالب الشعبية.

مراقبون ربطوا هذه الحادثة بمناخ أوسع من التوتر الديني في الهند خلال السنوات الأخيرة، مع اتهامات لحزب بهاراتيا جاناتا الحاكم بتشجيع سياسات تؤدي إلى تهميش المسلمين.

البروفيسور راجيف كابور، خبير العلوم السياسية، يرى أن: “القضية ليست مجرد بلاغ، بل انعكاس لتحولات أعمق في العلاقة بين الدولة والأقليات الدينية”.

تأثير على المجتمع

الحادثة تركت أثراً واسعاً على المسلمين في مختلف الولايات.

قالت سيدة مشاركة في احتجاج مومباي: “أشعر أننا أصبحنا غرباء في بلدنا، فقط لأننا عبرنا عن حبنا لرسولنا”.

بينما عبّر شاب جامعي من أحمد آباد عن قلقه قائلاً “إذا لم نتكلم الآن، فقد يأتي يوم يُجرَّم فيه مجرد قول كلمة (السلام عليكم)”.

أصوات تدعو للتهدئة

في مقابل الغضب، صدرت دعوات للتهدئة.

أحد القساوسة المسيحيين في بنغالور علّق قائلاً:  “الهند بلد متعدد الأديان، يجب أن نحافظ على التنوع والاحترام المتبادل. تجريم الممارسات الدينية قد يقود إلى فوضى لا يحتاجها أحد”.

القضية لا تزال مفتوحة، والاحتجاجات مرشحة للاستمرار ما لم تتراجع السلطات عن البلاغ.

لكنها في الوقت نفسه أطلقت نقاشاً أكبر حول حدود حرية التعبير الديني في الهند، ومكانة المسلمين في ظل التغيرات السياسية والاجتماعية المتسارعة.

ويبدو أن العبارة البسيطة “أنا أحب محمد” تحولت إلى شعار مقاومة سلمية، يربط بين الشارع والفضاء الرقمي، ويضع الحكومة أمام اختبار صعب بين احترام الحريات وحسابات السياسة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى