قمت بتعديل عمامتي، ودخلت الجامع لأداء صلاة الجمعة. كان شكلي ملفتاً للأنظار بين غالبية النساء الكشميريات في الجامع، وقررت أن أجلس في أحد الصفوف الأخيرة لأداء صلاة الظهر. كان الإمام يلقي خطبته وكانت غالبية النساء غير مهتمات. كان بعضهن يؤدين الصلوات النوافل، وكان البعض يتحركن جيئة وذهاباً أثناء تلاوة القرآن، وكان البعض منهن يبكي دون سيطرة طالبين المغفرة من الله.
رغم أنني كنت معتادة على أصوات طلب إفساح المكان لأداء الصلاة ظهر يوم الجمعة، إلا أن غرفة الصلاة كانت فسيحة وجيدة التهوية وتبعث على النشاط. إن غالبية المساجد في شمال الهند لا توجد فيها أماكن مخصصة لصلاة النساء اللاتي كان يفترض أن يؤدين الصلاة في المنازل. على سبيل المثال، في الضريح الموجود في نظام الدين، كانت النساء تصلي في مساحة ضيقة غير رسمية مخصصة لهن. في دلهي، وتتضمن تجربة صلاة الجمعة التقليدية انتظار الأخريات حتى ينتهين من الصلاة، مع الدعس على أصابع الأقدام أو دفع المصليات الأخريات. وكانت مشاهدة الملكية المشتركة لهذا المكان الديني في وادي كشمير تبعث على الاطمئنان.
كان هذا خلافاً لصورة التقليدية التي تعرضها وسائل الإعلام من آن لآخر. ومنذ سيطرة النظام العسكري، كانت الأماكن السياسية تحت سيطرة رجال المجتمع دون شك. لكن أصوات النساء المعزولات التي كانت تضخمها وسائل الإعلام باعتبارها جماعات تعمية تقحم نفسها في عمليات التنظيم الأخلاقي. هذا الرأي يهمل التجارب المختلفة والصراعات التي تقودها النساء في هذا الإقليم.
شد شخص ما عمامتي وأخرجني من أفكاري. كانت امرأة متوسطة العمر تحمل دفتراً أحمراً تحاول أن تشرح لي شيئاً ما باللغة الكشميرية. اعتقدت أنها تسألني أن أتبرع للمسجد فرفضت. استمرت واقفة في مكانها تحدق في عدوانية. أدركت المرأة التي بجواري أنني لا أتكلم الكشميرية وترجمت لي الرسالة.
كانت خصلة من شعري قد تدلت رغم أنني أغطي رأسي، وهذا ما أغضب راعية صالة صلاة النساء كثيراً. اعتذرت بشدة وبدأت في إدخال الشعر، فقفزت السيدات الجالسة إلى جواري لتنظيم شعري. شعرت بالإحراج وغمغمت بعض الكلمات بلغة الأوردو بأنني أعمل على تنظيمه، ولكن لم يكن ذلك مفيداً.
بعد أن شعرت النساء بالرضا، جلسن أخيراً في أماكنهن. كان التصرف الجديد للمرأة يثير الغيظ بشكل غريب مشابه لتصرف المرأة راعية مسجد نظام الدين، وهي امرأة عنيدة تخز النساء التي تضع أحمر الشفاه أثناء الصلاة. توجد عدة طرق في الإسلام لتوجيه المسلمين في عباداتهم وأعمالهم السياسية. إنه دين يشجع العلاقة المباشرة مع الله، وبالتالي يمنع الدور الذي يقوم به الوسطاء.
هناك مكان خال نسبياً من المداخلات هو مسجد داستجير صاحب الموجود في سرينجار، وادي كشمير. خلال القرون الماضية، نشأت معابد الصوفية في كشمير كرموز للأفكار التوفيقية والانسجام الجماعي. وابتداءً من لمس الألواح الملونة المحفورة بشكل مزدحم، إلى ثني آية الكرسي التي يعلقها المتدينون على الأبواب، فإن هذا لا يعتبر مسجداً. إن الخيوط الملونة المزينة بأشكال الأزهار الحمراء والزرقاء والمربوطة على الحافة الخشبية تحمل قصصاً، ومعاناة، وآمال العديد من العائلات. وفي المنطقة المتنازع عليها التي شهدت مستويات كبيرة من العنف، تمثل معابد الصوفية مساحات للحداد العام.
اليوم هو الثلاثين من أغسطس، اليوم العالمي للمفقودين، وهنا نلاحظ نوعاً آخر من الحداد. تقوم جماعة ضحايا محلية مكونة من عائلات المفقودين، وتترأسهم سيدة من كشمير، بالاحتجاج صامت عن طريق الجلوس في الحديقة العامة. المناخ العام هادئ. ولكن، تدريجياً، يذكرنا منع الأصوات العالية بنكث وعد سياسة “اللمسة الشافية” التي تتبعها الحكومة الحالية. إن عائلات الأشخاص المفقودين لا تزال تنتظر معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة.
تقول امرأة عجوز من المجموعة: “أنا أعلم أنني لن أتمكن من استعادة جثمان ابني المفقود. كل ما أريده هو أن تقدم لي قوات الأمن صورة لابني، حتى لو كانت صورة لجسده الميت. عندئذ سأموت بسلام.” كل شخص في الدائرة له قصة يرويها، وتجربة أليمة يحكيها، وانتظار غير أكيد لعودة أحد الأحباء. الأرقام الرسمية التي أصدرتها حكومة ولاية جامو وكشمير تنص على أن عدد المفقودين هو 3931 شخصاً. لكن الرقم غير الرسمي الذي تحدده جماعة الضحايا أعلى بكثير ويصل إلى حوالي 8000 شخصاً.
إن العدالة لها معان مختلفة بالنسبة لمختلف الأشخاص، ومطلوب من المحاكم باعتبارها مؤسسات قضائية أن تتخطى حدود الموضوعية وتقيم العدالة في الدولة الديمقراطية. وتعمل لجان قضائية أو تحري إضافية على تحقيق نفس الغرض. إلا أن الانطباع العام لدى هؤلاء النساء أن الله وحده هو الذي سيحقق لهم العدالة. ويخيم التشاؤم بشكل كبير على عائلات الضحايا الذين لا يتصورون أن المذنبين سيتم تقديمهم أبداً إلى العدالة. وقد تم تهميش النساء ونضالهم بسبب الصراع المسلح في كشمير ورد الفعل القمعي الذي تمارسه الدولة ضدهم. على سبيل المثال، عندما أصبح اتحاد عائلات المفقودين فعالاً وزاد حجمه، بدأت الحكومة في تقديم تعويض كمنحة قيمتها مائة ألف روبية (2500 دولار أمريكي) لأهالي المفقودين. وفي حين قبل العديد من الأشخاص هذا التعويض النقدي لعدة أسباب، فإن الحكومة فشلت في قمع طلباتهم لمعرفة الحقيقة وتحقيق العدالة.
تثبت التجارب السابقة أن النساء الذين نشاهدهم عادة يتظاهرون أمام آلات التصوير أو يؤيدون أفكاراً إسلامية متشددة ليسوا هم أصوات الاحتجاج الوحيدة في المنطقة. نعم، إن نمط فعاليات حقوق المرأة العصرية السائد في المناطق المسالمة لم يضرب جذوره بعد في وادي كشمير. رغم ذلك، فإن الوضع غير التقليدي للجهود لجماعية التي يدفعها عدم الخوف من العقاب والانتظار اللانهائي لظهور الحقيقة، أدى إلى توجيه الطاقات النسائية بشكل إيجابي.