عبد الأمير المجر يكتب: هل يستطيع أحد لوم الهند على تقاربها مع إسرائيل؟!
قبل نكسة حزيران العام 1967 كانت الكثير من دول العالم متردد في إقامة علاقات مع إسرائيل، التي ولدت بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1947 وأعلنت نفسها دولة بعد عام واحد من ذلك التاريخ، لان العرب الذين دخلوا حربا معها في العام 1948 لم يعترفوا بها دولة، وكانوا يمتلكون تأثيرا نسبيا، أخلاقيا في الأقل، على الكثير من دول العالم، لاسيما الإسلامية وأغلب الدول التي تبنت النهج اليساري، وتلك التي كانت توصف بالتقدمية، وتقف مع قضايا الشعوب. ومن بين الدول الكبيرة التي وقفت مع القضية الفلسطينية، الهند، التي استقلت عن التاج البريطاني في العام 1947 وأصبحت واحدة من الدول ذات النزعة اليسارية، بالرغم من نظامها الليبرالي الذي لا يصلح غيره لبلد متعدد، دينيا ولغويا، مثلها.
فبعد استقلالها بثلاثة أشهر فقط، عارضت الهند قرار تقسيم فلسطين رقم (181) لسنة 1947، ووقفت إلى جانب حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ولم تقم أية علاقة مع إسرائيل إلاّ بعد انطلاق ما عرف بعملية السلام في العام 1992 أو بعد مؤتمر مدريد الشهير، الذي أعقب حرب الخليج 1991. وقد كانت الهند أحد أبرز أقطاب حركة عدم الانحياز التي وضع اسسها كل من عبد الناصر وتيتو ونهرو وسوكارنو في مؤتمر باندونغ العام 1955 والتي ظلت مقررات مؤتمراتها تؤكد باستمرار على حق الشعب الفلسطيني، كون المنظمة قامت لتكون مظلة الشعوب الضعيفة والنامية، تحميها وتنتصر لها وتبعدها عن تداعيات الصراعات الأيديولوجية التي عصفت في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبداية ما كان يعرف بالحرب الباردة.
زار رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، إسرائيل، والتقى رئيسها رؤوفين ريفلين ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووقع العشرات من العقود معها، وهي الزيارة الاولى لرئيس وزراء هندي لإسرائيل، سبقتها زيارة للرئيس الهندي، براناب موخارجي، في أواخر العام 2015 التي أنهت قصة الموقف الهندي من القضية الفلسطينية، ومهدت الطريق أمام رئيس الوزراء مودي، الحاكم الفعلي للهند، نحو تل أبيب، حيث وصفت زيارته بالتاريخية.
فهل من حقنا كعرب أن نلوم الرجل على هذه الزيارة، بعد أن أصبح الحكام العرب أنفسهم أول المفرطين بقضيتهم التي كانت في الأقل تجمعهم وتطرحهم على أنهم أصحاب قضية، وتوحد مشاعر شعوبهم، بما يوفر لهم فرصة للإفادة منها كحكام؟ وكيف نلوم الهند على تحولها هذا، وهي رأت بأم عينها كما العالم اجمع، كيف أن “مجاهدي” حماس احتلوا في العام 2006 مبنى جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني في قطاع غزة وراحوا يؤدون على سطحه صلاة الشكر أو النصر على غريمتهم فتح (!) ليسدلوا الستار على تاريخ تلك القضية الإنسانية، بعد أن تحولت إلى لعبة بيد الأصوليين والمغامرين؟ لاشك ان الهند انطلقت من مصلحتها الوطنية كدولة يتجاوز عدد نفوس شعبها المليار، وهي لم تقم بشيء يستحق الإدانة، كونها أدت ما عليها طيلة العقود الماضية، تجاه العرب وقضيتهم. لكن العرب الذين انقسموا على أنفسهم، وقسّموا شعوبهم، وادخلوها في صراعات جانبية، بعد ان راحوا يستثمرون الطائفة والدين والعرق، ليضربوا الشعوب ببعضها، تحقيقا لمصالح ضيقة وغبية، انقلبت فيما بعد عليهم جميعا وجعلتهم يستجدون الأمن والحفاظ على كراسيهم من الأجانب، ليجدوا أنفسهم لاحقا، موزعين بين فرقاء دوليين لهم مصالحهم المتناشزة في بلداننا، حتى تحولنا إلى امة واهنة تماما.
إن الطريف والمؤلم معا، في هذه الزيارة، هي التأكيد على أن الهند وإسرائيل تعملان سوية على محاربة الإرهاب! والذي من المؤكد انه لم يأت من السويد أو سويسرا، بل من البلاد العربية والإسلامية، التي بات العالم الآخر ينظر إليها بعين الريبة والحذر، وهو يرى ما يفعله مسوخ الإرهاب وثقافة الموت وتصحير الحياة، بعد أن دمروا أكثر من بلد عربي وإسلامي، وامتدت حرائقهم إلى أوروبا. فلماذا تقف الهند، التي يشكل غالبية سكانها الهندوس وغير المسلمين، مع من يريد بهم الشر ويترصدهم ويتوعدهم في كشمير وغيرها، ولعل ما يحصل من أعمال إرهابية في الفلبين وغيرها من الدول الأسيوية، صار عبرة للهند وغيرها كي تعيد ترتيب أوراقها الإستراتيجية، لتبعد عن شعبها فتنا وكوارث قادمة، ربما!
لقد كسرت نكسة حزيران العام 1967 تردد الكثير من دول العالم في الاعتراف بإسرائيل، وجعلتهم على يقين من أنهم أمام قوة كبيرة يجب الاعتراف بها والتفاهم معها، فالعالم لا يحترم الضعفاء، عادة، أو هذا هو قانون السياسة وجوهر لعبتها القديمة. والعرب باتوا ضعفاء بعد الهزيمة، وقد ترتب على الهزيمة العسكرية تلك، هزيمة سياسية ساحقة، ما زال العرب يدفعون ثمنها. واليوم يعيشون هزيمة أخرى، اشد وأقسى، هزيمة شاملة، تتمثل في تقسيم حكامهم لشعوبهم طوائف وأعراق متناحرة، من حيث يقصدون أو لا يقصدون، أي بالعمالة أو الغباء، حتى وجدوا أنفسهم وسط فوضى دموية، لا يعرفون كيف يخرجون شعوبهم منها ويخرجون هم منها سالمين!
الهند، هي آخر هديا العرب لإسرائيل، بعد أن أدارت ظهرها لماضي علاقاتها معهم، لأنهم خذلوها، ليغدو هذا الماضي مجرد ذكريات لزمن مضى ولن يعود.. للأسف.
ميدل ايست أونلاين