دور إسرائيل في إلغاء الحكم الذاتي في كشمير المحتلة
لا تزال خطوة الهند، في 5 أغسطس الماضي، التي ألغت بموجبها “الحكم الذاتي” لإقليم “جامو وكشمير” المتنازع عليه مع باكستان، تُلقي بظلالها بشدة على المشهد القائم في البلدين النووين، وسط ترقب لتداعيات القرار الهندي المفاجئ.
كان الدستور الهندي يمنح إقليم “جامو وكشمير” وضعاً خاصاً في المادة 370، يتمتع فيه باستقلالية في الشؤون الإدارية عدا تلك المتعلقة بالخارجية والدفاع والاتصالات، قبل أن تضرب نيودلهي بكل ذلك عُرض الحائط، متذرعة بأن الحكم الذاتي زاد من تطلعات السكان الانفصالية
أما التعديلات الدستورية الجديدة فقد وافق عليها البرلمان الهندي ودخلت رسمياً حيز التنفيذ بداية من الخميس 31 أكتوبر 2019، وهو ما يشكل لحظة فارقة من شأنها تغيير المنطقة وهويتها الديمغرافية إلى الأبد
وبموجب التغييرات الجديدة ستقسم المنطقة إلى منطقتين (إقليمين اتحادين)، هما: “جامو وكشمير”، و”لاداخ”، ويديرهما حاكمان، وسيقدمان تقاريرهما بشكل دوري عن الأوضاع في كلتا المنطقتين إلى وزير الداخلية الهندي في نيودلهي
تغييرات جذرية
ستتكون أراضي جامو وكشمير من قسمين: الأول وادي كشمير وجامو، وهو منطقة تبلغ مساحتها مجتمعة أكثر من 42 ألف كيلومتر مربع، ويبلغ عدد سكانها 12 26 مليون نسمة، بينهم 8 44 ملايين مسلم، أي 68 8% من إجمالي سكانها
أما القسم الثاني، لاداخ الذي يُعرف أيضاً باسم الصحراء الباردة، ويمتد على مساحة تزيد على 590 ألف كيلومتر مربع، فيشمل منطقتي كارجيل وليه، ويضم عدداً ضئيلاً من السكان يبلغ 274 ألف نسمة، بينهم 127 ألف مسلم يشكلون 46 4% من إجمالي السكان، في حين يبلغ عدد البوذيين 108 آلاف و761 نسمة، يمثلون 39 65% من سكان المنطقة
وبموجب التغييرات أيضاً سيكون لجامو وكشمير مجلس نيابي منتخب يتمتع بسلطات محددة، في حين لن يكون هناك مجلس تشريعي منتخب في لاداخ، ولن يكون للمنطقة دستور أو علم خاص بها
كما ستسري جميع القوانين التي يقرها البرلمان الهندي في المنطقة، وسيحل قانون العقوبات الهندي محل قانون “رانبير” الجنائي المحلي في جامو وكشمير للبت في القضايا الجنائية
وفي نقطة غاية في الخطورة سيكون بوسع أي مواطن هندي في أي جزء من البلاد، شراء العقارات في جامو وكشمير، والحصول على وظيفة في حكومة الولاية والتمتع بالمنح الدراسية وغيرها من الفوائد الحكومية، وهو ما يُنذر بتغيير ديمغرافي للمنطقة
ولا يزال الغموض سيد المشهد فيما يتعلق باللغة الرسمية في المنطقة؛ إذ إن دستور جامو وكشمير (ألغي الآن) كان يعتمد “الأردية” لغة رسمية في المنطقة، في حين أن الدستور الهندي يعترف بـ “الهندية” لغة رسمية
وإضافة إلى ذلك، أُلغي 153 قانوناً و6 لجان تتعلق بحقوق الإنسان والمعلومات وفض نزاعات المستهلكين وتنظيم الكهرباء وحماية حقوق المرأة والطفل والأشخاص ذوي الإعاقة ومساءلة الدولة، كما ألغي التعليم المجاني من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة، والذي كان سائداً في الإقليم بموجب قانون التعليم المحلي
ومن الغريب عدم إلغاء أحد أكثر القوانين المثيرة للجدل في جامو وكشمير، والذي يعود لعام 1978، والخاص باحتجاز الأشخاص من دون إجراءات قضائية، فيما ستجرى عمليات التوظيف الجديدة في المنطقة بموجب المناطق المُدارة مركزياً في الهند.
ماذا تريد الهند؟
السلطات الهندية تقول إن الترتيب الجديد سيعزز اقتصاد المنطقة من خلال دمجها في بقية البلاد، كما تجادل بأن الاندماج الاجتماعي سوف يقلل خطر التشدد، وتتوقع أن تصبح كشمير واحدة من أفضل الوجهات السياحية بعد التطوير الكامل.
ويسعى رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، الذي يمثل القوميين الهندوس المتطرفين، إلى تشجيع الهندوس على الهجرة إلى كشمير بهدف تغيير الهوية الديموغرافية للإقليم الوحيد ذي الغالبية المسلمة في الهند.
ومنذ اعتماد دستور “جامو وكشمير” عام 1956، أقر قانون الإقامة الدائمة، الذي يسمح فيه للسلطة التشريعية بتحديد المقيمين الدائمين وما الذي يميزهم
.
وبناء على ذلك أصدرت لكل السكان المعروفين في المنطقة شهادة إقامة دائمة، تعطيهم بعض الامتيازات في الوظائف والتعليم وحق التملك وشراء العقارات في الولاية.
تغيير ديموغرافي
محمد فيصل، الكاتب والصحفي الباكستاني، أعرب عن اعتقاده أن السبب الحقيقي لتغيير الوضع الدستوري لكشمير في الدستور الهندي، هو سعي القوميين الهندوس لإحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة.
وقال فيصل، في حديث سابق لـ “الخليج أونلاين”: إن “فتح الباب أمام تملك غير المقيمين الدائمين للأراضي، والذي تقيده الفقرة 35 من المادة الدستورية الملغاة، يفتح الباب أمام حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي يتزعمه رئيس الوزراء مودي، لتشجيع الهندوس على الشراء والتملك والإقامة في الإقليم، ما يعني تغييراً ديموغرافياً على المديين المتوسط والطويل”.
وأضاف فيصل: “الخطوة الأخطر في طريق تغيير التركيبة السكانية هي عمليات التطهير العرقي التي قد تحدث، على غرار ما حصل في ميانمار، وهذا ما يخشاه السكان بعد أن حشدت الحكومة الهندية قوات كبيرة في الإقليم، بدعوى مواجهة الاحتجاجات”.
وكانت الحكومة الهندية حشدت نحو 10 آلاف جندي في كشمير بعد إعلان إلغاء الوضع الخاص للإقليم (أغسطس الماضي)، وأفادت تقارير إعلامية أن السلطات أمرت 25 ألف جندي آخرين بالتوجه إلى الإقليم الذي بات يضم 500 ألف من قوات الأمن الهندية.
كما أعلنت تدابير أمنية أخرى، بينها الدعوة إلى تخزين أغذية ووقود، وفرضت حظراً على التجمعات العامة، وأغلقت المدارس والجامعات في كبرى مدن الإقليم والمناطق المحيطة بها.
دعم “إسرائيلي”
الكاتب والصحفي الباكستاني، أشار في حديثه إلى العامل الدولي الذي يدخل على خط تأجيج الصراع.
وأردف بالقول: “دولة الاحتلال الإسرائيلي تنظر إلى باكستان باعتبارها دولة سنية تملك قنبلةً نووية، دأب الإعلام العبري على تسميتها بالقنبلة النووية الإسلامية”.
وتابع: “لدى المخابرات الباكستانية معلومات مؤكدة أن إسرائيل تقدم معلومات استخبارية عن المواقع الباكستانية، وعن الحركات التحررية الكشميرية، إلى جانب حضور مخابراتي إسرائيلي في الأراضي الهندية”.
وأشار فيصل إلى أن موقف باكستان الداعم للقضية الفلسطينية سبب آخر يدفع “تل أبيب” لدعم نيودلهي، على الرغم من هرولة الصف العربي للتطبيع مع “إسرائيل”.
وأوضح أن وزير خارجية باكستان شاه محمود قريشي، قال، في فبراير الماضي، إن التطبيع مع إسرائيل مرهون بتقديم حل للقضية الفلسطينية.
وكانت الباحثة الإسرائيلية المتخصصة في الشؤون الهندية في جامعة بارإيلان، نوهت بيرودكي، قالت في تحليل نشرته صحيفة “يسرائيل هيوم”، في 23 يونيو 2019، إن حاجة الهند إلى تحسين قدرتها على مواجهة التنظيمات المتشددة دفعها إلى تعزيز أنماط تعاونها مع كل من “إسرائيل” والسعودية والولايات المتحدة.
يشار إلى أن الموقف الهندي كان يميل في السابق إلى دعم القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، خلال الحكومات التي كان يشكلها حزب “المؤتمر الوطني”، إلا أن تحولاً طرأ منذ وصول حزب “بهاراتيا جاناتا” بقيادي مودي إلى الحكم.
ودعمت الهند دولة الاحتلال للمرة الأولى في المحافل الدولية عام 2015، عندما تحفظت على مشروع قرار في الأمم المتحدة يدعو إلى التنديد بالعمليات العسكرية التي تنفذها “إسرائيل” في قطاع غزة.
مخاوف الحرب النووية.
نشوب حرب رابعة بين باكستان والهند بات أمراً متوقعاً، وهو سيناريو تسعى الدول الكبرى إلى عدم حدوثه، لأن الحرب الجديدة لن تكون كسابقاتها؛ ذلك أن البلدين يملكان اليوم أسلحةً نووية، وهو ما لم يكن متوفراً في الحروب الثلاث السابقة، بحسب وليد شفيق، الباحث في مجال العلوم السياسية في جامعة “هلسنكي” الفلندية.
شفيق قال لـ”الخليج أونلاين”: إن “الخطوة الهندية سترفع من مستوى الغضب في كشمير، وهو ما يعني احتمال تأجيج المقاومة الشعبية على اعتبار الهند أصبحت رسمياً قوة احتلال”.
وأضاف شفيق: “قد تخرج الأمور عن سيطرة إسلام أباد، التي تحرص على ضبط إيقاعها، فالمقاومة ستضرب بعنف دون اكتراث بالمعادلات الدولية التي حافظت على حالة اللاحرب واللاسلم على الحدود”.
واستدرك شفيق بالقول: إن “حزب بهاراتيا جناتيا الهندوسي المتطرف يحمل باكستان مسؤولية أي عمل يجري في كشمير، وشهدنا، في فبراير الماضي، كيف قصفت نيودلهي مواقع داخل باكستان بسبب هجوم في كشمير”.
وأسفر ذلك القصف عن مقتل 40 جندياً باكستانياً، وهو ما أوصل الأمور إلى حافة الحرب لولا التدخل الدولي الذي أسهم في حلحلة الأزمة، والحديث لشفيق.
وتوقع الباحث في الشؤون السياسية أن الفارق الكبير في موازين القوة العسكرية والاقتصادية الذي يميل لصالح الهند، قد يدفع باكستان لاستخدام السلاح النووي في حال اندلاع الحرب على الحدود الكشميرية.
ورأى أنه في حال اندلعت المعركة فلن تتوقف، بل ستمتد على طول الحدود البرية الطويلة التي يشترك فيها البلدان، و”لا أحد يعرف من سيتمكن من الضربة الأولى، ولا إلى أين ستمتد آثار القنابل النووية”.
يشار إلى أن كشمير تحتل موقعاً جغرافياً استراتيجياً بين وسط وجنوب آسيا، حيث تشترك في الحدود مع أربع دول هي؛ الهند وباكستان وأفغانستان والصين.
وتبلغ مساحتها الكلية 86023 ميلاً مربعاً، يقسمها خط وقف إطلاق النار منذ عام 1949، ويعرف منذ اتفاقية “شملا” عام 1972 بخط الهدنة.
كما تصل مساحة الجزء الهندي إلى 53665 ميلاً مربعاً، ويسمى “جامو وكشمير”، في حين تسيطر باكستان على 32358 ميلاً مربعاً يعرف باسم “ولاية كشمير الحرة”، وهناك مساحة صغيرة خاضعة للصين منذ عام 1962 تسمى “أكساي تشين”.
نقلا عن الخليج أونلاين