مقالات

د. عبد الحميد صيام يكتب: كشمير.. الجرح المفتوح

كثيرا ما يردد بعض القادة الفلسطينيين عبارة أن فلسطين هي آخر احتلال في الدنيا. وهذا القول يدل على قلة معرفة بالقضايا الدولية والأراضي المتنازع عليها أو المحتلة في قارات الأرض جميعا. وحبذا لو قيل بدلا عن ذلك إن احتلال فلسطين هو آخر احتلال استيطاني كولونيالي اقتلاعي استبدالي عنصري توسعي مدعوم من كل الدول الاستعمارية والإمبريالية قديمها وحديثها. أما أنه الاحتلال الوحيد فذاك خطأ بـيّن. ونود هنا أن نصحح هذه المعلومة بسرد بعض الاحتلالات والمناطق المتنازع عليها، وسأسلط بعض الضوء على احتلال شبيه باحتلال فلسطين وحدث في الوقت نفسه تقريبا وهو احتلال الهند لكشمير على الحدود مع باكستان والذي أدى إلى اندلاع ثلاث حروب بين الجارين النووين، والجرح ما زال مفتوحا وقد يؤدي إلى تجدد النزاع في أي وقت؛ فلا الهند تريد أن تخضع للقانون الدولي فتمنح سكان الإقليم حق تقرير المصير عن طريق استفتاء حر ونزيه ولا باكستان قابلة أن تظل الهند تمسك بها من خاصرتها الأضعف في ذاك الوادي الجميل تحت قدمي جبال الهملايا والذي حبته الطبيعة بكل أنواع الجمال وتنحدر من ينابيعه ثلاثة أنهر باتجاه باكستان.

هناك تشابه كبير بين احتلال وتقسيم منطقة كشمير التي تسكنها غالبية مسلمة تزيد عن الـ 90 في المائة وما جرى من تمزيق لفلسطين. فإقليم كشمير مقسم بين الهند وباكستان والصين. ويصل عدد الكشميريين إلى نحو 20 مليون. ويخضع 70 في المائة منهم لاحتلال هندي دموي منذ عام 1947 رغم أن هناك قرارات دولية تدعم حقهم في تقرير المصير عن طريق استفتاء حر عادل ونزيه. وكشمير أصبح خاضعا للسلاطين المسلمين منذ القرن الرابع عشر وقد قاوم الاستعمار البريطاني الذي وصل غازيا عام 1820 ولم يسيطر على الهند إلا بعد 27 سنة. حكمت بريطانيا الهند بالقوة المسلحة أحيانا وبالدهاء أحيانا أخرى بإعطاء حكم ذاتي للأقاليم وتقوم بتعيين حكام موالين لها. وقد قامت بتأجير كشمير لحاكم من السيخ لمدة مئة عام. وعند انتهاء العقد عام 1946 كان المهراجا الهندي حاكم الإقليم قد اتفق مع الزعيم المحلي الشيخ عبد الله الانضمام للهند بدل الاستقلال، وأقنع السلطات الهندية أن الغالبية من السكان تريد البقاء تحت سيطرة الهند. لكن سكان الإقليم أطلقوا موجة احتجاجات ومظاهرات وبدأوا يقاومون الضم بالقوة فقامت القوات الهندية بإرسال قوات محمولة لإخماد حركة الاحتجاج ما دعا إلى تدخل قوات قبلية وباكستانية لنصرة الكشميريين. من هنا بدأ النزاع وأدى إلى تمزق الإقليم فالهند تسيطر على 43 في المائة من المساحة و 70 في المائة من السكان وباكستان تسيطر على 37 في المائة وأما الصين فضمت المناطق المحاذية لها وتقدر بـ 20 في المائة من الإقليم.

الأمم المتحدة واستفتاء تقرير المصير

اتفقت القيادات الباكستانية والهندية عند قرار التقسيم بأن تكون الولايات ذات الأغلبية المسلمة تابعة للدولة الجديدة باكستان بشقيها الغربي والشرقي الذي انفصل عام 1971 تحت اسم بنغلاديش. وقد سرى مفعول القرار إلا على منطقة واحدة وحيدة هي «وادي جامو وكشمير» فقد قرر الحاكم الهندي المهراجا ضم المنطقة للهند وعدم الرضوخ للتقسيم فانطلقت المظاهرات من الغالبية المسلمة ضد هذا القرار. دخلت قوات باكستانية ومتطوعون من أبناء قبائل الباشتو في أبريل 1947 لنصرة إخوتهم وبعث نهرو قوات الأمن الهندية لإخماد التمرد بالقوة وهم ما أدى إلى وقوع مواجهات كبرى بين الدولتين اللتين ولدتا للتو عام 1947. تدخلت الأمم المتحدة وأعلنت وقف إطلاق النار واعتمدت القرار 39 بتاريخ 20 يناير 1948 والذي شكل لجنة ثلاثية للنظر في شكاوى باكستان والهند ضد بعضهما. لكن اللجنة لم تنشأ وظل الوفد الإنجليزي يحاول أن يتوسط مع الهند لإيجاد إدارة محايدة للإقليم إلى أن يتم بحث القضية بتفاصيلها. لكن المجلس عاد واعتمد بالإجماع يوم 21 أبريل 1948 القرار 47 والذي وسع عضوية اللجنة ووسع مهماتها كالإشراف على انسحاب العناصر الباكستانية وأفراد قبائل الباشتو التي تدفقت للقتال في كشمير وفي الوقت نفسه انسحاب القوات الهندية والعمل على القيام باستفتاء بأسرع وقت ممكن تحت إشراف لجنة خاصة كما نصت الفقرة السابعة من القرار. ويقوم الأمين العام بتعيين مدير إداري للإشراف على الاستفتاء. وطلب القرار من الهند سحب قواتها والأفراد الهنود الذين لا يعيشون أصلا في المنطقة وإطلاق سراح المعتقلين والسماح لكل من هم من مواليد المنطقة أن يعودوا إلى ديارهم. يجري بعد ذلك الاستفتاء العادل والنزيه ويعلن الأمين العام نتائج الاستفتاء الذي سيقرر فيها سكان جامو وكشمير مصيرهم بحرية فيما إذا كانوا يريدون الاستقلال أو الانضمام للهند أو لباكستان. لكن الهند لم تلتزم بعقد الاستفتاء وتراجعت عنه تماما فاندلعت الحرب الأولى بين باكستان والهند والتي استمرت إلى نهاية عام 1948 أنشأت بعدها الأمم المتحدة «فريق مراقبي الأمم المتحدة العسكريين بين الهند وباكستان» (أونموغيب) والذي ما زال يراقب وقف إطلاق النار ليومنا هذا.

أضيف إلى الفريق بعد الحرب الثانية بين البلدين عام 1965 بعثة الأمم المتحدة لمراقبة الهدنة. واستمرت الحروب بين الطرفين كان آخرها ما وقع عام 1999 أما المناوشات والاشتباكات الحدودية فلا يكاد يمر عام أو شهر دون وقوع مثل هذه الحوادث الخطيرة وخاصة عامي 2014 – 2015 والتي وصلت إلى تهديد الهند المباشر لباكستان.

الدور الدولي الغائب

غابت قضية كشمير عن المجتمع الدولي ولا يكاد يتكلم بها أحد إلا مندوب باكستان رغم أن هناك شعبا حيا ما زال يناضل من أجل تطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 47 الذي أعطاهم حق تقرير المصير عبر استفتاء حر ونزيه. الجهة الدولية الوحيدة التي تذكر كشمير هي المفوضية العليا لحقوق الإنسان التي تنتقد ممارسات الهند التي تشمل الاعتقالات التعسفية والقتل خارج نطاق القانون واستخدام القوة المفرطة وتغيير التركيبة السكانية والتعذيب. وقد طالب مؤتمر الأحزاب الكشميرية الذي يمثل كل التنظيمات التي تسعى إلى حل النزاع سلميا، الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أن يتدخل في الأمر وألا يتجاهل قضية قد تؤدي إلى حرب نووية بين الجارين الكبيرين. وتقول رسالة رئيس المؤتمر، الدكتور غلام نبي فاي، للأمين العام إن نزاعا استمر أكثر من 70 سنة وأدى إلى مقتل أكثر من مئة ألف كشميري وتمزيق وحدة كشمير وتشتيت 20 مليون لا يمكن أن يتم تجاهله. والحل لا يمكن أن يكون إلا عن طريق إشراك الشعب الكشميري في مفاوضات مع الهند وباكستان لأن الأمر ليس خلافا إقليميا على حدود بين الدولتين بل يتعلق بمصير شعب اعترفت الأمم المتحدة بحقه في تقرير مصيره عن طريق الاستفتاء الحر والنزيه.

وأنت تقرأ عن ممارسات الهند في كشمير وممارسات إسرائيل في فلسطين تجد كثيرا من التشابه ولا نعرف من يتعلم من الآخر لكن بالتأكيد تحاول إسرائيل أن تتعلم من الهند وتتعامل مع العالم وكأن القضية الفلسطينية غير موجودة ولم تعد أولوية لأحد كما هو الحال بالنسبة لكشمير. وقد يكون هذا التوجه أحد الأسباب التي قوت العلاقات بشكل غير معهود بين البلدين.

المصدر : القدس العربي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى