كشمير

تعذيب واحتجاز الأطفال «قنبلة موقوتة» في «كشمير المحتلة»

أمضى الطالب «عفان منذور»، أسبوعين في سجن بـ«كشمير المحتلة»، بعد أن احتجزته الشرطة بموجب قانون صارم للسلامة العامة، ووجهت إليه تهمة “الاحتجاج” على قرار نيودلهي بإلغاء الوضع الخاص للإقليم.

كان «عفان منذور» محظوظا للغاية، لأن السجن فتح أبوابه بعد أسبوعين فقط، عندما أمرت المحكمة بإطلاق سراحه، بعد أن قبلت شهادة مدرسته وأظهرت أنه حدث (طفل).

«عفان منذور» واحد ضمن عشرات الأطفال، الذين اختطفهم ضباط إنفاذ القانون في منتصف الليل وأرسلوهم إلى السجون.

وفي هذا الصدد، قال والده، منذور أحمد جاناي، إن قضاء أسبوعين في زنزانة بالسجن غيّر «عفان منذور» تماما.

وكانت لجنة قضاء الأحداث التابعة للمحكمة العليا في «كشمير المحتلة»، أكدت اعتقال 144 حدثا.

وقالت اللجنة في تقرير مقدم إلى المحكمة العليا الهندية، إن 108 منهم أطلق سراحهم في نفس اليوم، وأُرسل 36 آخرون إلى دار رعاية الأحداث في هاروان على مشارف مدينة سريناغار.

وأضافت اللجنة في تقريرها، أنها أطلقت سراح 21 طفلاً بكفالة، و15 يخضعون للتحقيق من بين هؤلاء الأحداث الستة والثلاثين.

ويواجه معظم الأطفال، وبينهم صبي يبلغ من العمر تسعة أعوام، اتهامات ارتكاب أعمال شغب وتعطيل النظام العام ورمي الحجارة على أفراد الأمن.

ونقل التقرير عن نائب المدير العام للشرطة، أ. ك تشودري، قوله إنه لا يوجد أي حدث (طفل) قيد الاحتجاز بشكل غير قانوني في مخافر الشرطة، كما رفض التقرير أيضا الاتهامات بتعرض الأطفال للتعذيب في الحجز.

لكن وكالة الأناضول تمكنت من الوصول لعائلات قاصرين، قالوا إن أطفالهم وُضعوا خلف القضبان بصورة غير قانونية، دون إبلاغ المحاكم وتعرضوا للتعذيب أيضا.

وأكد الأهالي أن الأطفال الذين أطلق سراحهم بموجب أوامر قضائية أصبحوا الآن منهارين نفسيا بعد قضاء أيام بين مراكز الاحتجاز التابعة للشرطة وزنازين السجن، وجلسات المحكمة.

وقال والد الطفل عفان: “إنه (عفان) يعاني من الاكتئاب والخوف الشديد. ويؤلمه جسده بأكمله، وتوجد ندوب واضحة على ظهره”.

وأوصى أمر التوقيف باحتجازه لمدة عامين، بحجة أنه كان يقود حشودا غاضبة، ويرفع شعارات “معادية للوطن”، وكانت الحكومة مصممة على إثبات أنه بالغ، لكن المحكمة قبلت الشهادة المدرسية التي أظهرت أنه ولد عام 2003.

وأضاف الأب: “احتجز ابني في زنزانة صغيرة تحت ظروف قاسية مع مجرمين آخرين. وقد أثر هذا الحادث على نفسيته بشكل عميق”.

وتابع: “مثل هذه الإجراءات القاسية ضد الأطفال تدفعهم إلى اتخاذ خطوات متطرفة. ومثل هذه المعاملة لن تحل أبدا أي مشكلة”.

من جانبه، رفض “الاتحاد الوطني للمرأة الهندية” (مجموعة مجتمع مدني هندية) التي قضت أسبوعا في التنقل في أنحاء «كشمير المحتلة»، الأرقام التي حددتها اللجنة القضائية.

وقالت المجموعة إنها عثرت على 13 ألف طفل لا تتجاوز أعمارهم 14 عاما، محتجزين منذ إلغاء الحكم الذاتي في «كشمير المحتلة» في 5 أغسطس.

وفي 5 أغسطس الماضي، ألغت الحكومة الهندية، بنود المادة 370 من الدستور التي تمنح الحكم الذاتي لـ«كشمير المحتلة»، بزعم أن الحكم الذاتي زاد من تطلعات السكان الانفصالية.

كما فرضت نيودلهي، حظرا للتجول وقيودا على الاتصالات في الإقليم، بحسب رئيس معهد كشمير للعلاقات الدولية، حسين واني.

غياب آلية المشورة

في المقابل، توقع خبراء أن المنطقة ستدفع ثمنا باهظا نتيجة لأعمال احتجاز وتعذيب القاصرين.

و قال المحامي شفقت نذير إن “الأمر يشبه قنبلة موقوتة، وإساءة معاملة القاصرين أكثر خطورة من البالغين، إنها وصفة لإعدادهم لشن عمليات انتقامية واللجوء إلى التطرف”.

بدوره قال عمر (15 عاما) من سريناغار، الذي أمضى 11 يوما في حجز الشرطة: “في مركز الشرطة، تعرضت للضرب والإيذاء. لقد صُفعت وأُبقيت في الحجز عدة أيام، لقد تعرضت لتعذيب نفسي، لقد غير هذا حياتي إلى الأبد. لا أعرف ماذا أفعل”.

ويحذر محامون وجماعات مجتمع مدني أنه في ظل غياب أي آلية لإسداء المشورة، فإن تعريض الأطفال للتعذيب والاحتجاز يعرض المجتمع بأكمله للخطر.

وأوضح المحامي شفقت حسين قائلا: “أنت بحاجة لشخص ما لتقديم المشورة لهؤلاء الأطفال. إنهم بحاجة إلى الرعاية والحماية وفقًا لقانون قضاء الأحداث وحماية الأطفال (2013)، لكن للأسف، لا توجد مثل هذه الإجراءات على أرض الواقع”.

أما الطالب جولشان مشتاق، من بلدة سكيدافار في مدينة سريناغار، فأضرم النيران في كتبه بعد إصابته بجروح واحتجازه من قبل الشرطة.

وخلال صيف عام 2015، علق مشتاق، وسط تبادل لإطلاق النار، عندما كان يلعب كرة القدم.

وقال: “هربنا بعد أن اندلعت الاضطرابات في أقصى جانب الطريق. ظهرت سيارة جيب تابعة للشرطة في المكان وقاموا بإطلاق كريات مطاطية على جسدي”.

وأضاف: “سقطت منهارا على الأرض، لا أعرف من الذي أخذني إلى المستشفى. بعد أن استعدت وعيي، أدركت أن نحو 100 من الكريات قد أصابتني، ويبدو أن ذلك لم يكن كافيا، فقد اقتادوني إلى مركز الشرطة بعد شفائي”.

وبعد إطلاق سراحه، ترك الطالب مدرسته وبقي منعزلا.

وتابع: “لقد دمر فصل من حياتي الآن، لم يتبق لنا شيء هنا في «كشمير المحتلة» ”.

اعتقال الأطفال يزيد الفوضى

وأشار “مشتاق” إلى أن الغضب والتمرد يزداد في صفوف المراهقين مع كل اعتقال لأصدقائهم وزملائهم في المدارس.

وأردف: “عندما يعود هؤلاء الأطفال من مراكز الاحتجاز، فإنهم يحكون قصصا عن سوء المعاملة والتعذيب، ما يؤجج نيران حركة المقاومة”.

ووفق تقرير أعده “تحالف «كشمير المحتلة» للمجتمع المدني”، “ورابطة أولياء أمور الأشخاص المختفين”، فإن احتجاز الأطفال يزيد من الفوضى.

ووفق المحامي شفقت حسين، فإن “دورة العنف تستهلك جيلنا الشاب. ليس لدينا من يعتني بهم. من خلال تعريض الأطفال لمراكز الشرطة والسجون وإجراءات المحكمة، يدفع الأحداث إلى الحائط”.

في المقابل يعبّر مسئولو الشرطة عن عجزهم في التعامل مع الموقف، حيث يقول مدثر أحمد، ضابط شرطة: “ليس لدينا ما يكفي من دور الرعاية لرعاية الأطفال، وعندما يقبض على حدث نتأكد من أنه يمثل أمام موظف قضائي خلال 24 ساعة”.

ولفت أنه لا يوجد سوى دار رعاية أحداث واحدة فقط في منطقة «كشمير المحتلة» بأكملها، وهي لا تكفي لإيواء جميع القصر الموقوفين.

وأضاف: “يتعين على الشرطة إلقاء القبض على هؤلاء الأطفال للحفاظ على القانون والنظام، ومنعهم من الانغماس في العنف، وهو أمر له تداعيات أكثر خطورة”.

وتشهد العلاقات بين الهند وباكستان توترات متصاعدة، على خلفية إلغاء نيودلهي الوضع الخاص لولاية «كشمير المحتلة»، القسم الخاضع لسيطرتها من الإقليم المتنازع عليه مع إسلام آباد.

وتضم «كشمير المحتلة» جماعات مقاومة تكافح منذ 1989، ضد ما تعتبره “احتلالا هنديا” لمناطقها.

ويطالب سكانه بالاستقلال عن الهند، والانضمام إلى باكستان، منذ استقلال البلدين عن بريطانيا عام 1947، واقتسامهما الإقليم ذي الأغلبية المسلمة.

سمير زعقوق

كاتب صحفي، وباحث في شئون شبه قارة جنوب آسيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى