عربي بوست : إذا أردت أن تعرف ما سيحدث في فلسطين في المستقبل، فانظر في كشمير اليوم، إذ أن التشابه بين فلسطين وكشمير ليس مجرد صدفة.
إذ أن إسرائيل والهند تتبادلان نقل الخبرات القمع منذ عقود، ونشأت القضية الكشميرية في توقيت مقارب لنكبة فلسطين، ومع توالي يزداد التشابه بين مصير الشعبين، حسب ما كتبه المحاضر الفلسطيني في الدراسات الإعلامية والعلوم الاجتماعية عبدالله مواس في مقال بموقع Lobe Log الأمريكي.
أكبر منطقة عسكرية على وجه الأرض
يقول الكاتب «شهدت الأسابيع القليلة الأخيرة تصاعداً في حدة التوترات في ولاية جامو وكشمير التي تحتلها الهند بعد أن أصدر رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي قراراً بإلغاء الحكم الذاتي للمنطقة القائم منذ وقتٍ طويل، وفرض قيودٍ على حركة النقل والاتصالات وإدخال المنطقة في حالةٍ من الفوضى».
وأمرت الهند كل السائحين والحجاج بإخلاء المنطقة، فيما أرسلت عشرات الآلاف من الجنود المسلحين وقطعت كل شبكات الاتصالات اللاسلكية. وينضم هؤلاء الجنود إلى قوةٍ محتلة يقدر عددها بمئات الآلاف في منطقةٍ تعتبر أصلاً من أكثر المناطق تسليحاً على الأرض.
ولا يمكن رؤية القمع الهندي في كشمير منزوعاً من سياقه. فعلى مدار العقود الماضية، أدى نمو العلاقات بين الهند وإسرائيل إلى خلق وضعٍ أصبح فيه القمع الممارس في كشمير مرتبطاً بالطريقة التي تعامل بها إسرائيل الفلسطينيين.
نكبتان في عام واحد
لم يكن هناك فارق زمني سوى شهور بين الاحتلال الهندي لمنطقة كشمير وتأسيس دولة إسرائيل في عام 1948، وتسبب الأخير في طرد مئات الآلاف من الفلسطينيين.
في يوليو 1949، بعد عامين من إعلان الهند وباكستان استقلالهما عن الحكم البريطاني، وقعت الدولتان اتفاقاً لإنشاء خطٍ لوقف إطلاق نار، يقسم منطقة كشمير بينهما. وأدى حكم الهند في المنطقة إلى عقودٍ من الاضطرابات.
التشابه بين فلسطين وكشمير
رغم أن الوجود الهندي في كشمير لم يرتق يوماً إلى مرتبة الاستعمار الاستيطاني مثلما هو الحال في القضية الفلسطينية، حيث طُرد جزء كبير من السكان الموجودين في المنطقة واستُبدِلوا بسكانٍ مستوطنين، حافظت الهند على وجودٍ عسكري كثيف في المنطقة وتعاملت مع المدنيين والسياسيين في كشمير تعامل الدولةٍ البوليسية.
علاقة قديمة استفادتها منها إسرائيل في أشهر قوانينها القمعية
وتعود جذور تضامن منطقة كشمير مع الفلسطينيين إلى خمسينيات وستينيات القرن الماضي عندما سعت جبهة تحرير كشمير إلى توحيد صفها مع حركات الكفاح الأخرى المناهضة للاستعمار في الخارج.
بدأت الهند في هذه الفترة أيضاً في تأسيس أول علاقات لها مع إسرائيل. ورغم أن رئيس الوزراء الهندي آنذاك جواهر لال نهرو أعلن تأييده للقضية الفلسطينية، فقد سمح بفتح قنصلية إسرائيلية في مدينة مومباي عام 1953.
وجمعت القنصلية حينها معلومات عن قوانين إخلاء الممتلكات الهندية، الذي مثَّل نموذجاً لقانون أملاك الغائبين الإسرائيلي، وهو أداةٌ قانونية مكنت إسرائيل من مصادرة الأراضي المملوكة للاجئين الفلسطينيين.
شهدت الفترات الأخيرة من الحرب الباردة تحسناً جذرياً في العلاقات الإسرائيلية-الهندية.
علاقات رسمية لأول مرة
في عام 1992، وتحت قيادة رئيس الوزراء الهندي ناراسيمها راو، الذي كان عضواً في حزب المؤتمر الوطني الهندي، أسست الهند وإسرائيل علاقات طبيعية بينهما وفتحت الهند سفارة لها في مدينة تل أبيب في يناير من ذاك العام.
وهناك عاملان رئيسيان يفسران هذا التطور وهما يتعلقان باندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى ضد الاحتلال الإسرائيلي بالإضافة إلى اندلاع التمرد المسلح في كشمير ضد الحكم الهندي في نهاية ثمانينيات القرن الماضي.
وكان السبب الأول يتعلق بانحسار قوة الاتحاد السوفيتي، ما دفع الهند إلى البحث عن مزود جديد للتكنولوجيا العسكرية والأسلحة. ومثلت إسرائيل، التي كان يحتاج اقتصادها الواهن إلى الدخول في أسوقٍ جديدة، شريكاً مثالياً.
وازدادت علاقتهما قوةً عندما فرضت الولايات المتحدة عقوباتٍ على مبيعات الأسلحة للهند بعد أن أجرت الأخيرة تجارب نووية في عام 1998. جعلت هذه العقوبات الهند أكبر عملاء إسرائيل في مجال الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية، وهو إرثٌ مستمر إلى يومنا هذا.
ويرجع السبب الثاني إلى توافق منطق إسرائيل والهند الذي وظفتاه لقمع المقاومة الشعبية في الأراضي المحتلة والتمرد المسلح في كشمير تباعاً، ويسلط هذا المنطق الضوء على الاعتبارات الأمنية، ومكافحة الإرهاب وخطر التطرف الإسلامي.
في عام 1992، اعترف شاراد باوار، وزير الدفاع الهندي حينها، بوجود تعاون إسرائيلي-هندي في ملفات مكافحة الإرهاب، التي تشمل تبادل المعلومات بشأن ما يسمى بالجماعات الإرهابية، العقائد الوطنية، والخبرة العملية -بمعنى آخر يشمل هذا التعاون الاستراتيجيات، والأساليب، وخطط الاحتلال والهيمنة. أدى هذا إلى تغيّر موقف الهند بشأن فلسطين، إذ بدأت بترديد تأكيد إسرائيل بأن كشمير شأنٌ محلي هندي بالأساس.
ما بين الصهيونية والقومية الهندوسية
أصبحت العلاقات بين إسرائيل والهند أوثق مع صعود نفوذ حزب بهاراتيا جاناتا في تسعينيات القرن الماضي. ويتبع حزب بهاراتيا جاناتا، الذي يترأسه مودي حالياً، أيديولوجيا سياسية تعرف باسم «الهندوتفا» أو القومية الهندوسية.
وثَّق سومانترا بوس، الأستاذ في كلية لندن الاقتصاد، تاريخ التقارب بين القوميين الهندوس والصهيونيين جيداً، ويرجع بوس جذور هذا التقارب إلى عشرينيات القرن الماضي عندما أعلن فيناياك دامودار سافاركار، مؤسس أيديولوجيا «الهندوتفا»، تأييده لتأسيس الدولة اليهودية في فلسطين. أصبح حزب بهاراتيا جاناتا والقوميون الهندوس مولعين بتقليد المشروع الصهيوني عبر تحويل الهند العلمانية دستورياً إلى دولة هندوسية إثنوقراطية، أي دول تميز وتدعم حقوق عرق الهندوس دون أي طائفةٍ أخرى.
الآن يريدون مستعمرات هندوسية في كشمير على غرار المستوطنات الإسرائيلية
وتحاكي العديد من الطموحات والمقترحات السياسية لحزب بهاراتيا جاناتا بشأن منطقة كشمير الممارسات الإسرائيلية في فلسطين.
أحد أبرز هذه الطموحات هي بناء مستعمرات هندوسية في كشمير على غرار المستعمرات الإسرائيلية لتكون وسيلةٍ لخلق تغيّر ديموغرافي في المنطقة.
على سبيل المثال، لطالما أرادت منظمة المتطوعين شبه العسكرية «راشتريا سوايامسيفاك سانغ»، التي يتبعها حزب بهاراتيا جاناتا، إلغاء المادة 35 أيه من الدستور التي تحافظ على التشكيل الديموغرافي لسكان كشمير.
من الواضح أن هذه التغييرات تتخذ من نموذج الاستيطان الإسرائيلي مصدر إلهامٍ لها وهو ما عبر عنه رافيندر رينا، عضو بهاراتيا جاناتا، الذي قال في عام 2015 إن الحكومة الهندية ستستخدم جيشها لحماية مستعمرات مكونة فقط من هندوس في ولاية جامو وكشمير.
ويستتبع هذا النوع من التأمين والحماية توسيع وجود الأجهزة الأمنية التي تعوق بالفعل حياة السكان في كشمير، واستخدام أفراد الأمن ذريعةً لتبرير مستوى جديد من الهيمنة والتدخل في شؤون المنطقة.
التباهي بالديمقراطية
وبخلاف تشابه أهداف سياسة الدولتين، يشبه الخاطب الذي يستخدمه داعمو النظام الحالي في الهند الخطابات الإسرائيلية القديمة. إذ تدعي كل من إسرائيل والهند أنهما ديمقراطيتان استثنائيتان، رغم الطريقة التي تتعاملان بها مع قطاعات عريضة من السكان تحت حكمهما.
بالإضافة إلى هذا، يجادل الصهيونيون والقوميون الهندوس بأن وجود العديد من الدول الإسلامية في العالم يستلزم وجود دولتين يهودية وهندوسية تباعاً. ويرسخ هذا أكذوبة أن الفلسطينيين والهنود المسلمين كانوا يستطيعون العيش في مكانٍ آخر لكنهم اختاروا العيش في فلسطين والهند لمعاداتهم لليهود والهنود.
وأدوات القمع تبدو متشابهة بشكل لافت
في الوقت ذاته، تشبه التكتيكات المتنوعة التي تستخدمها الهند للسيطرة على السكان المدنيين في كشمير إلى حدٍ كبير تلك التي تستخدمها إسرائيل في فلسطين.
وتشمل هذه الممارسات «القبض العشوائي، والقتل خارج نطاق القضاء، والاختفاء القسري، وحظر التجول، والعقاب الجماعي، والاحتجاز الإداري، والتعذيب، والاعتداء الجنسي، وقمع حرية التعبير والتجمع، وهدم المنازل، وخلافه».
عقودٌ من التضامن بدأت إثر واقعة تاريخية
تعود جذور التضامن بين الفلسطينيين وسكان كشمير إلى ستينيات القرن الماضي عندما اندلعت تظاهرات في كشمير ضد ممارسات إسرائيل حول المسجد الأقصى في القدس ما تسبب في سقوط ضحايا وفرض حظر التجول حينها. منذ ذلك الحين، ويمكننا القول إن تضامن كشمير مع القضية الفلسطينية مر بثلاث مراحل متداخلة نسبياً.
وشهدت أولى هذه المراحل، التي بدأت في ستينيات القرن الماضي، أول استفتاء شعبي في كشمير يصف الهند بأنها «دولةٌ استعمارية» ترفض منح سكان كشمير حق تقرير المصير. ونتيجةً هذا، اصطفت جبهة تحرير كشمير مع القضايا العالمية الأخرى المشابهة لقضيتها، بما فيها كفاح الفيتناميين ضد الولايات المتحدة، والكفاح ضد نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، وكفاح الفلسطينيين ضد إسرائيل.
وكتب الباحث الكشميري محمد جنيد أن فلسطين «أصبحت نموذجاً مثيراً للمشاعر بين سكان كشمير يصف أحوالهم ويعكس خوفاً ناشئاً من التطهير العرقي، وسلب الأراضي، وأسلوب بناء احتلالي أكثر تضييقاً من أي وقت مضى».
اتخذت المرحلة الثانية من التضامن، والتي بدأت في ثمانينيات القرن الماضي طابعاً دينياً أكثر. وتزامنت هذه الفترة مع الجهاد الأفغاني ضد الاتحاد السوفيتي، الذي أدى بطريقة غير مباشرة إلى صعود حركات إسلامية مسلحة مثل حركة حماس في فلسطين وحزب المجاهدين في كشمير. وبدلاً من اعتماد خطاب التضامن، إلى حدٍ كبير، على لغةٍ مناهضة للاستعمار والقومية، بات يتسم بمفاهيم أخرى مثل الجهاد والتضامن الإسلامي. ازدادت قوة هذا التوجه خلال التسعينيات مع تصاعد نفوذ حزب بهاراتيا جاناتا، ما أدى إلى تنامي التوترات الطائفية وانعدام الأمن بشأن حياة المسلمين في الهند.
تأتي المرحلة الثالثة والحالية للتضامن بين كشمير وفلسطين رداً على نمو العلاقات بين الهند وإسرائيل. لم يعد دقيقاً أن يرى الفلسطينيون وسكان كشمير إسرائيل والهند باعتبارهما دولتين قمعيتين متشابهتين فقط، فقد بات كثيرون يرونهما حالياً شريكين في الاحتلال. ومثلما أوضح رد الفعل الفلسطيني على الأحداث الأخيرة، فإن التضامن مع كشمير تزداد أهميته العملية.
الهند قد تغير هوية الإقليم بعدما استغنت عن محمود عباس الكشميريين
مهد إلغاء المادة 370 من الدستور الطريق أمام الوجود الهندي في كشمير لمحاكاة الوجود الصهيوني في دولة فلسطين التاريخية نظراً لأن هذا الإلغاء يسمح لنظام الهند بحكم كشمير مباشرةً دون الحاجة إلى المجلس التشريعي في كشمير، الذي حُل مؤخراً.
الأكثر من هذا، يسهل هذا تنفيذ خطط تغيير التكوين الديموغرافي لكشمير عبر السماح للهنود من مختلف أنحاء البلاد بشراء عقارات والاستيطان هناك تحت حماية الوجود العسكري الهندي، مثلما تواصل إسرائيل تغيير التكوين الديموغرافي للضفة الغربية عبر تشييد مستوطنات لليهود فقط.
اضطلع المجلس التشريعي في كشمير وأعضاؤه السياسيون الرئيسيون مثل عمر عبدالله ومحبوبة مفتي لوقتٍ طويل بدور الوسيط الذي يدير شؤون السكان المحليين نيابة عن قوة الاحتلال الهندية ويسهل مهمة الاحتلال بالطريقة نفسها التي يسير بها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبو مازن الأمور في الضفة الغربية.
وتماماً مثلما أشار الكاتب إدوارد سعيد إلى اتفاق أوسلو باعتباره «أداة للاستسلام الفلسطيني»، اعتبر العديد من سكان كشمير الاتفاق، الذي أبرم بين رئيسة وزراء الهند السابقة أنديرا غاندي والسياسي الكشميري الشيخ عبدالله في عام 1975، خيانةً لتاريخ حركات التحرير في المنطقة. وسمح الاتفاق للزعيم الكشميري السابق الشيخ عبدالله بأن يصبح رئيس وزراء ولاية جامو وكشمير مقابل التخلي عن مطلب منح سكان كشمير حق تقرير المصير، الذين طالبوا به لوقتٍ طويل.
ومع تغيير الوضع التشريعي لولاية جامو وكشمير من وضعٍ خاص إلى منطقة موحدة دون مجلس تشريعي، ستصبح القوة الاستعمارية للهند في المنطقة المتنازع عليها أكثر تشدداً في تمثيل المصالح الهندية.
ويعد هذا تطوراً مهماً ينبغي أن يراقبه الفلسطينيون عن كثب، الذين يعيشون في مناطق تُسهل فيها السلطة الفلسطينية مهمة الاحتلال الإسرائيلي.