أخبار

المصالحة الأفغانية مع حركة طالبان تُقلق الهند

تواجه المساعي للمصالحة الأفغانية، وخصوصاً الحوار القائم بين حركة “طالبان” والولايات المتحدة، عقبة كبيرة تتمثّل بالتجاذبات بين دول المنطقة وجيران أفغانستان، والتضارب بين مصالحها. وتشكّل المنافسة بين الهند وباكستان، وسعي كل منهما لبسط نفوذه في أفغانستان، أحد أهم العوامل لاستمرار دوامة الحرب في أفغانستان. فالهند التي تعتبر حركة “طالبان”، مقربة من باكستان، المنافسة التاريخية لها، تسعى بكل جهودها من أجل تقويض نفوذ الحركة، بما لذلك من تداعيات على الواقع الأفغاني.

عندما بدأت عملية الحوار بين حركة “طالبان” وواشنطن في الأشهر الأخيرة، باتت المواقف الهندية كلها مؤيدة للحكومة الأفغانية، التي رفضت “طالبان” الحوار معها. وعلى الرغم من مساندة نيودلهي علناً للمساعي الرامية لإبرام مصالحة في أفغانستان، إلا أنها باتت قلقة إزاء المفاوضات بين “طالبان” والولايات المتحدة، ليس فقط لأنها تجري وراء أبواب مغلقة، بل أيضاً لخشيتها من وصول الحركة إلى سدة الحكم في أفغانستان بعد التفاوض مع أميركا، أو على الأقل أن تكون شريكة مهمة في أي حكومة تُشكّل بعد الوصول إلى صفقة ما.

كذلك ينبع قلق نيودلهي من الجماعات المسلحة التي تنشط ضدها ولها علاقات وطيدة بحركة “طالبان”، وعلى رأس تلك الجماعات “جيش طيبة” وحركة “المجاهدين”، وهما جماعتان تقاتلان في أفغانستان إلى جانب “طالبان”. كما تقول السلطات الهندية إن لهما نشاطاً كبيراً ضد الهند في الشطر الهندي من إقليم كشمير وداخل الهند، فالأولى متهمة بتنفيذ هجمات مومباي عام 2008، والثانية تبنّت مسؤولية الهجوم الانتحاري على القوات الهندية في كشمير في الـ22 من شهر فبراير/شباط الماضي، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 40 جندياً من الجيش الهندي، وإلى تصعيد كبير بين الدولتين حتى وصل الأمر إلى حد مواجهة بينهما. كما أن إطلاق زعيم حركة “المجاهدين” مسعود أظهر، من سجن هندي، جاء بعد خطف مسلحين طائرة هندية والتوجّه بها إلى أفغانستان حيث كانت “طالبان” تدير البلاد في أواخر التسعينات، بما يدل على علاقة قوية بين تلك الجماعة و”طالبان”.

ولعل هذا هو السبب وراء ما تشترطه الولايات المتحدة على “طالبان” في عملية الحوار، بعدم استخدام الأراضي الأفغانية ضد أي دولة أخرى. كما كانت قضية تعريف مصطلح الإرهاب ومن هو الإرهابي إحدى النقاط الساخنة، خلال الجولات الست الماضية من الحوار بين “طالبان” والولايات المتحدة في الدوحة، وفق ما علمت “العربي الجديد”، إذ إن واشنطن ترغب في التوصل إلى تعريف كلمة الإرهاب بصورة تؤدي إلى قطع علاقات “طالبان” مع كل الجماعات المسلحة التي تشكّل خطراً على أمن المنطقة واستقرارها.

ومن المعلوم أن الهند شريكة استراتيجية مهمة للولايات المتحدة، فالأخيرة تعوّل عليها كثيراً خصوصاً لتقويض نفوذ باكستان والصين في المنطقة. كما أن دعم الهند مهم بالنسبة للحكومة في أفغانستان، فهي من الدول التي ساعدت كابول كثيراً خلال العقدين الماضيين، وقدّمت لها مساعدات ومعونات جمّة في شتى المجالات بعد سقوط “طالبان” في عام 2001. وشكّلت العلاقات مع نيودلهي أبرز ملفات الخلاف بين كابول وإسلام آباد، لأن الأخيرة لا ترضى بأن يكون لنيودلهي نفوذ في كابول يضر مصالحها هناك.

وكان الرئيس الباكستاني السابق برويز مشرف، قد أكد مراراً في حواراته المتعددة أن بلاده ساندت “طالبان” لأن أفغانستان كانت تعوّل كثيراً على علاقاتها مع الهند، وهذا كان يضر المصالح الباكستانية في المنطقة. كما ادعى مشرف أن الهند من خلال قنصلياتها في أفغانستان تدعم المسلحين والجماعات المسلحة التي تنشط ضد باكستان.

في المقابل، فإن الجماعات المسلحة في أفغانستان، وعلى رأسها “طالبان” والجماعات المساندة لها، وخصوصاً التي تنشط في كشمير، تشكّل قلقاً بالغاً للهند. من هنا كانت استراتيجية نيودلهي هي دعم الحكومة الأفغانية في شتى المجالات، لا سيما في المجال العسكري، وتحديداً في تقوية سلاح الجو ودعمه لوجستياً بهدف ملاحقة تلك الجماعات في أفغانستان. كما أن الهند سعت لتعزيز نفوذها في أوساط الشعب الأفغاني، فهي ساهمت في تدشين مشاريع تهم المواطنين، كما وطّدت علاقاتها بالأحزاب السياسية وبالتنظيمات القومية، علاوة على أنشطة تعليمية وثقافية.

وبالنظر إلى علاقة “طالبان” بباكستان، بات الحوار الأميركي مع الحركة وراء الأبواب المغلقة، محط قلق هندي كبير، ما دفع نيودلهي للتشديد على دعمها مبادرة سلام تكون إدارتها بيد الحكومة الأفغانية وهي حاضرة فيها، ما يؤكد أنها خائفة من أي صفقة مباشرة بين “طالبان” وواشنطن. ويبدو أن الولايات المتحدة أدركت موقف الهند، وبالتالي سعت لأن ترضيها وتطمئنها كونها شريكة استراتيجية لها، وحاولت من خلال زيارة المبعوث الأميركي الخاص للمصالحة الأفغانية زلماي خليل زاد، إلى الهند في 6 مايو/أيار الحالي، أن تطلعها على ما جرى مع “طالبان”. وقالت الخارجية الهندية في بيان لها حينها إن هدف زيارة خليل زاد إلى نيودلهي كان إطلاعها على ما جرى بين “طالبان” وواشنطن.

ويبدو أن الهند ليست وحدها قلقة إزاء الحوار، بل هذا شأن كل دول المنطقة، لذا بدأ تنسيق في ما بينها للتوصل إلى ما تصفه تلك الدول (أفغانستان، الهند، الصين) بالإجماع المناطقي. وقام مستشار الرئيس الأفغاني لشؤون المصالحة محمد عمر داوود زاي، قبل بضعة أيام، بزيارة إلى ألمانيا والهند من أجل مناقشة مستجدات المصالحة الأفغانية.

كما قام المبعوث الصيني الخاص إلى أفغانستان دينغ شوجن، في 11 مايو الحالي بزيارة إلى الهند، وتباحث مع القيادة الهندية في مستجدات المصالحة الأفغانية. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم الخارجية الهندية، رويش كمار، في بيان له، إن الهند والصين اتفقتا خلال الزيارة على العمل معاً من أجل الوصول إلى حل يهدف إلى إحلال الأمن والسلام في أفغانستان.

أمام هذا الواقع، فإن القلق الأكبر لدى الهند هو وصول الولايات و”طالبان” خلال حوارهما إلى اتفاق من دون التنسيق معها، تصعد بموجبه الحركة إلى سدة الحكم، بما قد يزيد من خطر جماعات قريبة من “طالبان” كـ”جيش طيبة” وحركة “المجاهدين” على أمن واستقرار نيودلهي.

سمير زعقوق

كاتب صحفي، وباحث في شئون شبه قارة جنوب آسيا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى