كشمير

سمير حسين زعقوق يكتب: كشمير.. قصة جهاد شعب

ما زالت تبعات الاحتلال باقية في كل ذرات كشمير وأثرت الأغلال طاغية في كل ربوعها، تختفي في غاراتها صواحبات الكيد والمكر وربات الغدر والفجور، تسمع من سجونها همسات الاعتقال والاغتيال ومن بساتينها تسيل معينات الدماء، ومن مقلاتها تنفجر الدموع جارفة، ومن جداولها الرقراقة تنصب عويلات الفتيات المشردة والبنات المضطهدة وتزيدها ألماً وأسى ما تجري بين الدولتين من التنسيف العرقي والمجزرة الجماعية وانفجارات القنابل واستغلالات الأعادي وتوغلاتهم وتدخلاتهم ليل نهار، وما فرضوا عليها من حظر التجوال وإقامات المسيرات ضد الحكومة العاتية، وتفيض في مرجلها وقود النار المشتعلة تقريرات تنبث من فوهات الحكومة المركزية الهندية، حتى أتت على الأخضر واليابس وجرت على كل سارق وحارس، يقتلون الأطفال أوليسوا أزهاراً في روض الحياة؟ سلسلة لا تنقطع من حلقات المقتل والمجزرة ومدافع موجهة نحو حلقوم الفقراء واليتامى ودبابات تصرخ في المنارات والأودية وتنفخ دخاناً وبخاراً وسط الحقول والمباني.

 حياة بين الأنقاض ضارمة وبطولة دون التحدي قادمة هذه هي كشمير جنة الأرض وعدنها وحورها وبكرها، وأصبحت الآن مدفن الأبرياء ومسكن الأشقياء، من بهجتها تحيرت بريطانيا ومدت يدها طاغية، قطوفها دانية في جنة عالية.

 كشمير بين الواقع والمستقبل، قصص الانتصار والانتحار

 حقاً.. نسيت كشمير أمسها الباسم ورضيت بيومها الغاشم وغدها المظلم، وقد تقدم التعداد النازلي في التفكك العائلي.. ثكالى يتامى أيامى.. ثلاثة رموز تحكيكم عن مسيرها وواقعها وتخبركم عن الانتهاكات العارمة التي تجري تحت سمع العالم وبصره حتى استطار حريقه في مقاعد الأمم المتحدة، واستقر بريقه في سماء القضيات المعقدة الدولية ومدت إليها الأيادي طامعة في مواردها وهادفة في ديارها، ولكن الحقيقة لم تطل إلى المنظر العام حتى الآن وهي ملتوية بين الدولتين ومكتوية في كلا المرجلين، حيث إن المسلمين يبلغ تعدادهم ما يقارب 8 ملايين مسلم مما جعل باكستان تروج بضاعتها في مناطقها حتى أصدرت عدة قرارات مفعمة بالإرهابية والتي تدعو إلى اقتحام الهند واحتلالها لأجل استقلال كشمير، وفي المستوى الدولي تستمر الإستراتيجية لتعداد كشمير وعنايتها كانتفاضة فلسطين وغيرها من المقدسات الإسلامية، وهذه الترويجات الزائفة والدبلوماسية المعوجة تبذر حبات الطائفية والعنف في التربة الهادئة، وقد ازدهرت تربتها بقصص أليمة تجري خلال سجوف الدولتين، كأن الشعب الكشميري أجبر للصمت وطاعة الطاغوت، ولكن السر الكامن وراء هذه الاعتداءات والاحتجاجات لا يبدو إلا إذا استقلت كشمير من قبضة الغطرسة ومن سطوة الهندوسية الشرسة التي تهتف دائمة إلى إشعال غضبها وإلى إنارة جمرتها، هذه قضية شعب ابتلعت أرضها ملايين الشهداء وامتصت تربتها دلاء الدماء، قضية لا تنحل حول الطاولة المستديرة ولا تحت الأسرجة المستنيرة بل بتولية الدار إلى ديارها والمفتاح إلى صاحبها.

انتفاضة كشمير مستمرة حتى النصر

72 عاماً.. وهل في العالم بلد آخر أو شعب ينام في أجمل سجن في الدنيا، تتعرض مدنها للتدمير والإبادة المتواصلة، وتعلو في جوها زفرات الطائرات الحربية وشهقات الرصاصات المبيدة التي تقفأ أعينهم وتمثل أبدانهم وتجعلهم لازمي السرر والمستشفيات، ولكن الإباء التي يبيدها الشعب الكشميري في رأيهم ورؤيتهم تنفذ قلب الهند القاسية وتمضي خارقة أسوار باكستان الطاغية، فيا من يرقدون تحت التراب والخراب أبشروا بنار تلفح وجوهكم وتمسح أعينكم.

 لم لا تتخذ الدولتان قراراً مؤصلاً ولا تستعدان لكشف هذا السحاب المكفهر؟ مع أنها أصبحت لعقة على ألسنتهم ولقمة في مائدتهم وعنوانا في خطاباتهم، لقد نضجت مكائد انجلترا وبدا صلاحها لقد فازوا في خرق بطن الهند وتفريق قلبها وتمزيق لبها كسلافة حين تمثل بحمزة الشهيد، أولا جدعوا أنفها ثم فقؤوا أعينهما وثملوا أذنها وصدعوا بطنها أخيرا قتلوا نفسها وباعوا جلدها بثمن بخس.

 أما الشباب المتحمس، المتسعر في أوضاع كشمير المضطربة يقوم ضغثا على إبالة وورما على ألم، حتى لا يعود الأمن والسلام ويستحيل السكون والأمان ويطوي ذلك البساط إلى الأبد، دائما الأمل فقط يبقى وحيدا ولا يراه إلا بعيدا، لأن القوات المتسلحة ترتصد على حين غفلة من أهلها وتفتتك على الفريسة من حيث لا تدري إما بالانتحار والانفجار. تلقون أنفسهم إلى وشك الخطر والقتل ولا يعتنون بخلو هذه العملية من معايير الإسلام إلا أنهم بنوا دستورا وجعلوا كشمير له وطنا.

مهلاً يا أرباب الأقلام

 إن الظروف القاسية لا تنبت في لحظة ولا تنطفئ في لمحة بل لا بد من مبادرة جماعية ومحاولة جبارة تستهدف إلى إبادة حبات الفتنة والفساد، وهناك عديد من المصادر والموارد التي تصنع أصالة التوتر والتدهور فيها حتى تنورت عدة روايات وحكايات وقصص عارية من الحق والحقيقة ونائية من هذا الشعب الصامد، والتي كتبت من قبل روائي الهند وباكستان، يبيعون كشمير من غير ملك ولا حق، ويتنافس الصحفيون وأرباب التلفزة لإحياء مقاطعهم ومواقعهم بهذه التربة الجريحة، حتى لا تندمل الجراح ولا يستعيد الصلاح ولا يبتسم الصباح.

 وقد تقدم في هذا الخوض المتشاكس من كان ينتمي إلى دولة باكستان حتى رفعوا نياحهم ورددوا صياحهم في كل المنابر الدولية والمنصات العالمية فلا بد من قناة جديدة لئلا ينقلب الميزان وتضطرب الكفتان، ولكن قادة باكستان سعدوا وفازوا في إقامة هذه القضية في رصيفهم وعرضها كمشكلة أنجبتها الهند ضد الإسلام، ولكن دع الحق ينطق أن وكالة استخبارات باكستان تفعل كحية تسعى وتتوغل بأسلحة هدامة وتوزعها بين الشعب الغاضب والجند الغالب.

 كشمير وعد من لا يستحق لمن لا يملك

حقاً كانت كشمير قنطرة متينة بين الشعبين، شعب هندي يأبى أمام هذه الصرخات المتوجعة ويلوي وجهه أمام الضجات المتتابعة وشعب أردوي متحمس بينيران المشاعر والعواطف لا يرضى بالصمت الهادئ ولا يقتنع بالسكوت الهانئ بل يستميت في سبيل الموت والشهادة ولكن ما هي الشهادة؟ وما قيمها وأين قوامها، لقد حرفت الشهادة المقدسة والاستماتة في وجه الله وعرفوها حسب أمانيهم وطبق مقتضياتهم متناسين عن شروطها وقواعدها المعترفة، شهداء مع بلبلة الفكر وتردد الحمية بين الوطن والدين. ولكن بريطانيا أظهرت عارها الخلقي وأقبلت إلى تمزيق القلب المتحد وتفريق الفكر الوطني.. نعم مرة أخرى فاز العدو إعلاناً.

 ومن الغريب الذي لا يسلمه عقل ولا أي ذهن أن قضية فلسطين لا تساوي ولا تمر بكشمير البتة لأنها شأن هندي داخلي، ولكن تجري محاولات بشعة في تركيس هذه المشكلة على منصات الكتاب الدولية كما تبدو من قول الكاتب الأكاديمي الدكتور إبراهيم محمد قضيتا فلسطين وكشمير تؤكدان غياب العدالة الدولية، ومن قولات الدكتور هناء عبد الفتاح التي تهدد الهند علنا من أن مقاطعة الهند اقتصاديا ضرورة لتحرير كشمير، ومن هذه الرؤية المشوهة يلمح عمق هذه الداء العضال وتنجلي عجزية الأطباء في تحليل الأوضاع السياسية.

 نعم.. كشمير هي فوهة كادت تنفجر وتعتلي منها نارها ثم تنتشر حرارتها ولكن الوادي يسيل مطمئنا، في حضانتها آلاف الآلام مع أنها قيثارة الهند الخالدة وأوتارها المشيدة، لا تنكسر منها واحدة إلا تابعتها أخرى، ولكن الصمود المدهش والثبات المعتز الذي شاهده التاريخ خلال أزمانها الغابرة رمز شعب تجهز للموت في إحياء مسقط رأسه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى